حينما كنت في دمشق عام 1999 التقيت بالسيد عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السوري لإجراء مقابلة تلفزيونية.
وعقب المقابلة سألني السيد خدام بلطف شديد إذا كنت أريد زيارة أي من معالم البلاد فشكرته قائلا: «شكرا يا سيدي ولكن لدي طلب واحد هو لقاء شخصي مع الدكتور جورج حبش المقيم في بلادكم». وبالفعل استجاب «أبو جمال» وقمت بزيارة الدكتور جورج حبش المعروف تاريخيا باسم «حكيم الثورة» الفلسطينية. ويومها ألقى الحكيم بسؤال ظل يطارد عقلي حتى هذه اللحظة:لماذا نجح المشروع الصهيوني مقابل المشروع العربي؟
قد يبدو السؤال شديد التقليدية، وربما تكون إجابته معروفة سلفا، لكن أرجوكم تأملوه جيدا وحاولوا أن تبحثوا عن الإجابة الحقيقية.
لماذا تنجح إسرائيل ولماذا يفشل العرب؟
حاولت في زياراتي المتعددة للأراضي المحتلة وإسرائيل أن أبحث عن الإجابة على أرض الواقع. وحاولت في تعاملاتي مع الساسة أو رجل الشارع الإسرائيلي أن أفهم أين تكمن نقطة التفوق.
ووصلت – ولا أدعي هنا الصواب – بالتجربة إلى أن «الفرد» الإسرائيلي ليس فيه أي شيء مميز عن أي إنسان عربي تعاملت معه في القاهرة أو الرباط أو بيروت أو أبوظبي.
إذن أين مركز القوة في هذا المجتمع؟
أعتقد أنه «الانتماء الجماعي» لفكرة الدولة العبرية.
«الانتماء» قد يكون لأسباب توراتية دينية، أو لفكرة الوطن التاريخي لشعب مشرد، أو للحفاظ على مشروع وطني لإقامة دولة قومية موحدة ليهود العالم.
هذا الانتماء يجعلك ترى طلاب وطالبات الثانوية والجامعة وهم يرتدون الملابس العسكرية ويقومون بدور ضباط الجوازات في المطارات الإسرائيلية، وتراهم وهم في خدمة التجنيد الإجباري، وفي بناء وحراسة المستوطنات.
«الانتماء» لفكرة الدولة، هو «المشترك الأعظم» الذي يجمع هؤلاء الذين جاءوا من شتات الأرض. ورغم أن هذا المجتمع شديد الطبقية والعنصرية والفئوية والانقسام العرقي بداخله، فإنه فيما يختص بمشروع الدولة يصبح على قلب رجل واحد.
ورغم أن التلفزيونات والإذاعات العربية تعتبر الأكثر إنتاجا للأغاني الوطنية التي تتغزل في حب الوطن، فإننا من أكثر دول العالم التي يسعى فيها الشباب إلى تجنب التجنيد الإجباري، ويقوم فيها رجال الأعمال بتوطين ثرواتهم في البنوك الأجنبية، وتمتد فيها طوابير طلب الهجرة أمام سفارات العالم!
يا له.. من انتماء!