“الفساد بسبب سوء الإدارة” هذه العبارة التي صدرت عن وزير المالية الحالي في حديثه عن نسبة الهدر في المال العام خلال اجتماعه بأعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب بحضور محافظ البنك المركزي وأمين عام وزارة المالية وعدد من مدراء الدوائر فيها. والمخصوص في هذا الحديث هو سوء الإدارة في الوزارات والمؤسسات والهيئات الإقتصادية في الدولة , بالرغم من أن هذه العبارة تصلح أيضاً لكل زمان ومكان وتنطبق أيضا على مؤسسات القطاع الخاص ولا تقل أهمية عنها.
وما سأسرده لاحقاً في مقالي يمكن تعميمه على مؤسسات القطاع الخاص والتي تشكل النصف الآخر من المعادلة التي تتشارك فيها المؤسسات الرسمية للدولة مع مؤسسات القطاع الخاص في تحريك عجلة الإقتصاد.
فأنا أتفق مع الوزير في الجزء الثاني من العبارة في أن هناك “سوء في الإدارة” لكني أختلف معه في أنها المسبب الرئيسي للفساد , فسوء الإدارة يمكن أن يكون عاملا مساعدا لكن ليس المسبب المباشر للفساد , إلا إذا تم إعادة صياغة العبارة لتصبح تسميتها “الفساد بسبب إلإساءة في إستخدام الإدارة” . لكني لن أتكلم هنا عن الإساءة في إستخدام الإدارة وإنما فقط عن بعض مسببات ونتائج سوء الإدارة .
فمن مسببات سوء الإدارة , أذكر منها : عدم توفر الخبرة الكافية للمدير أو صاحب القرار , وفي حال توفر الخبرة عدم مواءمتها مع طبيعة العمل , عدم القدرة على إتخاذ القرارات , غياب العنصر القيادي وغياب الريادة , البيئة السلبية المحيطة بصانع القرار, قلة إنتاجية الكادر الوظيفي في المؤسسة أو الدائرة أو الهيئة أو الوزارة أو غيرها , إنتشار ثقافة الإنتقاد الهدٌام تهربا من المسؤولية والعمل المنتج , إنتشار ثقافة التذمر حتى أصبحت أقرب إلى الصنعة التي يحترف فيها الكثيرون رغم عدم حاجتها لخبرات معينة ! , الوحدوية في إتخاذ القرارات بسبب إنتشار ثقافة ” الرجل الخارق والإنجازات الفردية “, غياب المتابعة وبطء الإستمرارية وضعف التدقيق الداخلي والخارجي على هذه المؤسسات , و فهم البعض أن المنصب خلق لخدمة شاغله وأنه مكسب يستطيع من خلاله تحقيق بعض او كل أحلامه .
أما فيما يخص بعض نتائج سوء الإدارة , وخصوصاً عندما نتكلم عن تلك القرارات التي تترجم الى إنفاق وتكاليف, فهي مكلفة و ومعدية ولا يمكن عكس آثارها في بعض الأوقات , وأذكر منها : 1- سوء إدارة المساعدات والمنح التي كانت وما زالت ترد للأردن من حيث إستغلالها بأفضل الطرق ومتابعة ما نجم عنها من سد عجز أو إنشاء مشاريع تنموية وغيرها من الإغراض التي جاءت بسببها. 2- التوسع الأفقي الهائل وفي بعض الأحيان الغير مدروس في الهياكل الإدارية للدولة وإحداث شواغر كثيرة لمسميات وظيفية, تتناسب مع الأسماء المميزة للمؤسسات, لتعبئة هذه الهياكل مما أدى إلا إستحداث بنود في الموازنة العامة للدولة للصرف على هذه الهياكل. 3- زلزلة الثقة والعقد الأخلاقي بين المواطن والقائمين على إدارة مؤسسات الدولة . 4- إنتشار نوع خاص من الثقافة لدى العاملين في أجهزة الدولة وغيرها في أن التدرج والتقدم في الوظيفة لا يرتبط بالإنجاز ويعتمد على ما دون ذلك , مما يحفز ضعف الإنتاجية والإنتماء للمؤسسة وبذلك لا يستطيع راس الهرم في المنصب الإداري , حتى وإن رغب , من تحقيق الإنجازات. 5- عدم المقدرة على تحديد الأولويات وغياب الصورة الشمولية للتكامل والتعاون بين جميع الأطراف.
إذن فنحن مسؤولون جميعاً في التشارك في القضاء على مسببات سوء الإدارة للتخلص من جميع نتائجها السلبية وإحداث التغيير الذي يشير إليه دوما ً سيد البلاد الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه , فالعنصر البشري كان وما زال أهم عنصر في بناء الإقتصادات العملاقة او المتسبب في فشلها.