دكانه صغير جداً، له باب حديدي ضيق ، بضاعة متناثرة على الطاولة، ورفوف خشبية فارغة في اغلب الأحيان الا من «قطرميزات» أو سلع ندر بيعها ، اما مدخله فلا يحتمل وقوف أكثر من ثلاثة زبائن في وقت واحد..
، كان «الحجي» يقضي معظم الوقت ممدّداً على فرشته اما يدخن «هيشي» وإما ينتزع الجلد الميّت من كفة رجله اليمنى..فلم تكن كثرة الزبائن تفرحه ولا تقلقه قلتّهم على الإطلاق..
«في حجي سردين»؟ يسأله الزبون..فيرد: (آه فيه..هظاك هو بالكرتونة خذ وحدة.. وحط المصاري بعلبة الحلاوة..) فيذهب الزبون يأخذ سلعته ..ولا يدفع ثمنها…يأتي زبون آخر يطلب دخان «وينستون»!!..فيطلب منه ان يأخذ «باكيتاً» ويضع ثمنه في علبة الحلاوة، فيفعل كما فعل من سبقه.. «مصاص»، «جرابات»،»تايد»..اي شيء…كل منهم يتناول سلعته،ولا يضعون مقابلها شيئا يذكر في علبة الحلاوة..آخر النهار يقوم «الحجي» من فرشته، يدخل صناديق البيبسي المعروضة خارجاً..ينظر الى علبة الحلاوة قرب الميزان..ليكتشف انها فارغة..فيحكّ أردافه وهو يقول: «خوف الله..خوف الله.. انّي انسرقت»..في اليوم التالي نفس السيناريو ..يأتي المشترون، يتناولون أغراضهم، ، ولا يدفعون أثمانها..وفي آخر النهار يحكّ أردافه مستغربا..ليقول من جديد «خوف الله ..خوف الله ..اني انسرقت»؟!! المدهش في الموضوع انه بقي عشر سنوات على هذه، الإستراتيجية..طوال النهار يبقى، ممدداً على الفرشة اما يدخن هيشي أو «يعبث بكفة رجله» والداخلون الى دكانه يقومون بعمليات نهب منظم ، وعلى مرأى عينه وبناء على طلبه وتكليفه..مما جعل الناس تجعل تصرف هذا «الدكنجي»، محصوراً بأحد الاحتمالين؛، أما انه « على نيّاته «، أو أن «سرقته تتم برضاه» لغايات تنشيط الحركة التجارية..
كلام الرئيس الخصاونة عن كل ما جرى في السابق من خصخصة لأصول الدولة بانها نهب للمال العام ..ذكرني بوضع «الحجي» اعلاه…نترك مسؤولي المؤسسات وأحيانا ً»حكومات بطواقمها» : يتصرفون براحتهم،يفسدون ، يشاركون،، يخصخصون، يبيعون، يغرقوننا بالديون ، ثم يلعنون «أم المؤسسة على أبيها»،والدولة بكل أركانها و جهاتها الرقابية غائبة لا تسألهم ماذا تفعلون ولماذا تفعلون؟..وفي نهاية خدمة المسؤول أو عضو الحكومة ، اما ان يستقيل ويكافأ بمركز آخر ، أو يحال على التقاعد وتصرف له الدولة راتباً مجزياً حلوان «خرابها»..وعندما تفرغ الدولة من أصولها ومن إيراداتها وتتفاقم مديونيتها .. نتذكر وقتها حجم المأزق، لنقول كما قال الخصاونة: « خوف الله .خوف الله..اننا انسرقنا»…
**
مسؤولون أمنيون..يعطون أراضاً وقصورا وأموالا سائلة هائلة ، زوروا إرداة، الشعب أكثر من مرة وجعلونا ندفع أثمان أخطائهم المقصودة وعقلياتهم المتوقفة من، ستينيات القرن الماضي أكثر من مرة ، بقوا في أماكنهم سنوات لا أحد يستطيع أن ينتقدهم أو يوقفهم عند حدّهم..وبعد ان تقاعدوا، صرنا نقول» خوف الله..خوف الله..اننا انسرقنا»..اذا لم يكن إيمان هؤلاء بدولتهم وإخلاصهم لوطنهم، لا يتأتى إلا بهذا «الإغداق» ، فبئس الإيمان إيمانهم إذن..
**
لماذا على الدولة ان تنتظر كل هذه السنين من الفساد والخراب المالي الذي كان وما زال يمر تحت أنظارها ولا تغير استراتيجتها..حتى تقول» خوف الله ..خوف الله انه انسرقنا»..لماذا لا تقف الدولة على رجليها ، وتراعي مصلحتها، وتقطع يد كل من يمّد يده على «حلال الوطن والشعب» مهما كانت طويلة..
لماذا علينا ان نظل نرزح تحت احد، الاحتمالين «اما ان دولتنا على نياتها» لا تملك القدرة على التغيير وهذه مصيبة!!..واما أن فسادها يجري»برضاها» وطيب خاطرها وهذه مصيبة أعظم وألطم.