حتى يتم اجتثاث الفساد والمفسدين من الجذور لا بد من إعادة تأهيل النفوس البشرية لتكون مهيئة ومستعدة للتغيير المنشود نحو الخير العام والمحافظة على المصالح العليا للأمة، والحرص على المال العام من التبديد والنهب بمختلف الأشكال والوسائل وعدم استغلال الوظيفة العامة والمنصب لكسب المال الحرام، والمنافع الشخصية، كما هو منظور في واقعنا الذي يعج بالمآسي والاعتداء السافر على الأخضر واليابس دون تمييز بين النافع والضار، وقد أكد الله عز وجل على الوسيلة المثلى وهي جوهر الإصلاح الحقيقي بقوله عز وجل :» إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم «.
خلق الله الانسان في أحسن تقويم،وزوده بسواقي المعرفة والعلم،حتى تنار بصيرته خوفاً من انحرافه عن جادة الصواب،فالسمع والبصر والفؤاد أدوات إذا استغلت لما فيه المحبة والخير العام،ووظفت لغرس الكلمة الطيبة والفعل الجميل اللائق من أجل جمع ما تفرق،أو إصلاح ما فسد،أو بناء ما هدم،أو إعمار ما خرب.
كان هذا الانسان ممن سعى لتغيير النفس الأمارة بالسوء إلى نفس مطمئنة لا تمتد إلى أذى الفرد أو الجماعة،أو زرع السوس والعفن في مؤسسات الدولة العامة أوالخاصة،أو سرقة قوت الفقير والمسكين والأرملة واليتيم تحت جنح الظلام،عندما يخلد الناس إلى النوم،يبقى الفاسد الأجرب يتلظى على جمر الانتظار حتى تلوح له فرصة تدمير البنية التحتية والفوقية لوطنه وأمته،ينقض كالافعى على جسم أمته ليغرز فيه ناب السم الزعاف،ولا يفكر لحظة في مصلحة الوطن والمواطن،المهم أنْ يُشبع بطنه المهتري من كثرة ابتلاع المال الحرام وشرب الدم الحرام،لأنه يُعاني من مرض السادية،لأنّ الخبث والمكر قد عششا في أعماقه فلم يعد يرى النور والناس على حقيقتهما،بل أصيب بعمى البصيرة والبصر واغلقت منافذ المعرفة وغاب عن بال هؤلاء الموت والحساب والقصاص العادل وأن الدنيا وما فيها لا تغني هؤلاء ولا تشفع لهم،بعد أن كرهتهم الأرض ظاهرها في الدنيا وباطنها بعد الموت جراء ما اقترفوا من آثام وخطايا بحق دينهم وامتهم ووطنهم.
لا يقتصر الفساد على نهب المال وتزوير المستندات،وعقد الصفقات،واستقدام الخبراء الأجانب وتقديم الرواتب الخيالية لهم،أو تقديم المنح المالية دون حساب للسكوت عن اللصوص بعد أن أكلوا اللحم وقضموا العظم،وتكبدت مؤسسات الدولة الديون المرهقة التي تعجز الموازنة عن الوفاء بها،وهناك الفساد الإداري والتوظيف العشوائي،ونسيان مقولة الرجل المناسب الكفء في المكان المناسب،وتبجح أصحاب المناصب في بعض المؤسسات بأنهم أهل الرأي الصائب وفي واقع الحال فقد دَمّر هؤلاء هذه المؤسسات مادياً ومعنوياً،فكم من ظلم بشع يمارسه هؤلاء بحق الموظفين،وكم من كذب يستمع إليه هؤلاء من بطانتهم السيئة وأصحاب الهوى والمتنفعين للإيقاع بكثير من الشرفاء المخلصين الحريصين على المصلحة العامة ويكافحون من مواقعهم كل فاسد مستهتر مدع للإصلاح متأمر ضد وطنه وأمته.
إن مكافحة الفساد وتحقيق رؤى الإصلاح تحتاج إلى تضافر الجهود على كافة الأصعدة الشعبية والحكومية والأمنية وكافة مؤسسات وهيئات المكافحة والرقابة،وبدون هذا التعاون الإيجابي سيبقى جرم الفساد والمفسدين ضخماً،ونحن نشد على أيدي المخلصين الشرفاء الذين يريدون تخليص الأردن من حقيقة وأشباح الفساد وعلى أصحاب القرار الذين أحبوا الوطن والمواطن والنظافة وتطبيق القانون بدءاً من رئيس الوزراء وأخوانه ممن يحملون أمانة المسؤولية ألاّ تأخذهم في الحق لومة لائم تنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك قائد البلاد للوصول إلى الصحة والعافية لكي تهدأ النفوس وتطمئن لأن المواطن أصبح واعياً محيطاً بالصغائر قبل الكبائر.
والله يتولى المخلصين بالعون والتأييد.
dralqudah@yahoo.com