بات واضحا ان الدولة اصبحت تتجاوب بسرعة مع المزاج الشعبي المتمسك بمحاربة الفساد ومحاكمة المفسدين. وشهد الاسبوع الماضي جدية عالية في متابعة ملفات فساد بعد كلام جلالة الملك عبدالله الثاني عن ان “المواطن تعب من الحكي والشعارات ويريد التأكد من ان حقوقه محفوظة ويريد محاسبة ومعاقبة الفاسد والمهمل”.
وقد شهدنا رؤوسا احيلت الى القضاء ونسمع عن قائمة بعشرات اسماء المسؤولين السابقين الممنوعين من السفر, لكن كل هذا غيض من فيض, فاحدى لجان التحقق النيابية احالت 32 ملفا لم يتم بدء العمل الا بثمانية ملفات فقط. الدولة الناجحة تعرف ان الجدية في المكافحة هي التي تمنع ألسنة النار من الصعود الى الطوابق العليا, والدولة التي تتستر على فاسد هي دولة لا تعرف مصلحتها, ولا تعرف الى اين هي سائرة ? والحكومات الذكية هي التي تستشعر الخطر قبل وقوعه وتداوي جراحها قبل استفحالها.
محاربة الفساد لا تحتاج الا الى اجراءات تقاض عادلة وشفافة وسريعة, لان شتم الفاسدين لن يوصلنا الى نتيجة, مثلما ان زئير الاسد لا يقتل الفريسة, بل المطلوب اجراءات عادلة وشفافة تؤكد مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت ادانته والامر لا يحتمل التجريب او التخريب, فأعواد المشانق تنصبها قرارات المحاكم العادلة لا تقارير الاعلام وامنيات السياسيين.
فالشعب الاردني لا يريد ان يسجن احدا ولا يريد تعذيب احد, او قلع عين احد, بل يريد استعادة امواله المنهوبة والمسروقة, وهي الحكمة التي يجب ان تعرفها الحكومة.
وقد سبق وقلت في هذه الزاوية ان الحكومة والنظام السياسي الاردني اذا ما اراد ان يرتاح, فان امامه قائمة بحوالي 50 شخصية تدور حولها شبهات الفساد والاثراء غير المشروع, والاولى ان تحول هولاء جميعا الى القضاء ليقولوا كلمتهم في اتهامهم او تبرئتهم, لان الانتقائية في فتح الملفات تغذي الاشاعات ايضا ولا تقاومها.
ولنعترف ان هناك رؤوسا قد اثرت واستغلت وظائفها واصبحت “تلعب بالمصاري لعب” مع ان اي وظيفة مهما علا راتبها في الدولة لن توصل صاحبها الى عضوية نادي الملايين او اصحاب القصور الفاخرة, هؤلاء يجب جلبهم الى المحاكمة العادلة ومساءلتهم عما اقترفت ايديهم واستعادة ما سرقوه.
في المقابل, يجب ان “لا نحول الفساد الى عفريت نحضره ولا نعرف كيف نصرفه ” وان لا نخدع الاردنيين البسطاء, باننا دولة فساد وإن كل البلد لصوص وحرامية, فهذا تغطية على الفساد نفسه ودعوة الى الفوضى التي تأكل الاخضر واليابس.
العرب اليوم