عمون - بترا - سهير جرادات.. احتفل الاطفال " فرح وزين ومحمد " بعيد الام حول قبر والدتهم علا احمد الشقران /30 عاما / الذي ضم جسدها الذي افتقدوه بموتها بحادث " حافلة الموت " على طريق جرش لتبقى روحها تعيش بخيالهم ووجدانهم بعد ان خلت الدار من "ام الدار". وضع الاطفال الثلاثة الزهور على قبرها وذرفوا الدموع وهم يقبلون الحجر الذي حفر عليه اسمها ، وقالوا "ان شاء الله تدخلي جنة الفردوس" ، ورددوا باصواتهم الطفولية كلمة " ماما..لماذا رحلت ؟ " وغادروا دون ان يطبعوا على جبينها قبلة العيد.
رسم الصغار الثلاثة باجسادهم الغضة وهم يلتفون حول قبر والدتهم صورة عكسية لصورة والدتهم قبل وفاتها حيث قامت وقت الحادثة باحتضان اجساد اطفالها الصغار لتحميهم من موت محتم كانوا يواجهونه خلال انزلاق الباص بالوادي حسب قول زين / 8 سنوات/ لوكالة الانباء الاردنية .
زين هي الوحيدة التي شاهدت الحادث بينما كان شقيقها وشقيقتها نائمين . " توفي 23 شخصا واثنان من الاجنة واصيب 33 شخصا كانوا على متن "حافلة الموت" التي كانت متجهة من العقبة الى عمان ثم الى اربد (قرب جسر سلحوب) باصطدامها بصهريج ماء يوم السبت الموافق للسادس والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي " . حادث السير يغير احلام طفلها ................................ عند قبر الام .. قرر محمد / 6 سنوات / دراسة الطب ليعالج المصابين جراء حوادث السير وليس طيارا كما كانت تحب له والدته ان يكون ، وانتابته لحظات صمت قبل ان يوجه رسالة لسائق الباص ..وبكلمات طفولية قال "ما بدري شو بدي احكي لعمو الشوفير الّلي عمل الحادث وحرمني من امي" .
فيما قررت فرح / 11 عاما / انها ستدرس الهندسة كما كانت تحب لها والدتها وتوجهت بالدعاء لمن فقدوا اعزاءهم بالحادث بقولها " الله يرحمهم وان شاء الله يدخلوا الجنة " اما السائق فقالت له " ما تسرع بالطريق ، وما تسوي هيك مرة ثانية" . اما زين فكانت الاكثر تألما لفقد والدتها بحسب قول والدها انور السنجلاوي كونها كانت مستيقظة وشاهدت اجساد الناس تتطاير من حولها .. وكانت الاكثر احساسا بجسد والدتها الذي حماها وشقيقها وشقيقتها لتبقى حتى لحظة وفاتها تحميهم وتضمهم الى صدرها بكل عطف الام الحنون لاطفالها لتجسد في لحظات موتها معنى الامومة الحقة.
اكثر ما يؤلم زين بالصف الثالث الابتدائي بعد فقدها لوالدتها انها ستعيش وشقيقها وشقيقتها مدى الحياة دون ام وتوجه سؤالا للسائق " ليش تعمل هيك ليش تسرع ؟ " وتقول زين المتفوقة في دراستها والتي كانت تناديها والدتها الدكتورة " اشتقت للمدرسة ومدرساتي وزملائي كثير كثير" حيث انها ما زالت حبيسة البيت جراء وضع احد قدميها ب "الجبس" نتيجة الحادث الاليم .
" بناء على إحصائيات مديرية الامن العام فإنه يسقط في المملكة شخص جريح في حادث مروري كل 29 دقيقة في حين يقتل شخص في حادث مروري كل 9 ساعات ". تيتم الابناء بعمر تيتم والديهما .............................. شاءت الاقدار ان تتيتم فرح وهي في الصف الخامس الابتدائي بنفس العمر الذي تيتمت به والدتها علا ، فالاطفال الثلاثة ابناء لابوين تجرعا اليتم وهما صغيران حيث فقد الوالد انور كذلك والده وهو بعمر ابنته زين. الجدة "ام انور" التي كرمت قبل عشر سنوات في احتفال اقامه اتحاد المراة الاردني بمناسبة عيد الام كونها اما ترملت وهي صغيرة وربت اطفالها الى ان اوصلتهم الى بر الامان ، وما ان انهت رسالتها حتى ترملت ابنتها واخذت على عاتقها تربية صغار ابنتها والان ترمل اصغر ابنائها لتتولى تربية اطفاله الثلاثة وهم بعمر الزهور بعد وفاة زوجته . الطفلتان " فرح وزين " ما زالتا حبيستا البيت جراء وضع الجبس على قدميهما ولا تذهبان للمدرسة بسبب ذلك الحادث الذي ترك جرحا كبيرا في فؤادهما ولن يندمل مدى الحياة الى جانب براغي وندب وكسور ستلازمهما مدى الحياة . شاءت الاقدار ان يصادف عيد ميلاد انور الاربعين ذكرى وفاة زوجته علا التي ربطت بينهما علاقة زوجية بمنتهى السعادة ، اما الصغير محمد الذي كانت والدته تقول عنه " روحي معلقة فيه " فسيحتفل بعد اسبوعين بعيد ميلاده السابع لكن دون ان تطبع والدته قبلة على وجنتيه "المحمرتين".
" بلغ عدد الوفيات في شهر كانون الثاني الماضي جراء حوادث السير في المملكة (67) قتيلا ، مقابل (50) قتيلا جراء هذه الحوادث خلال شباط الماضي حسب إحصائيات مديرية الامن العام . وترجع عمة الاطفال الثلاثة "ام كفاح" التي تركت منزلها وابناءها ومدينتها الرمثا لتبقى بجانب اطفال شقيقها في مدينة العقبة التصاق علا تلك "الام الاستثنائية " بابنائها وملازمتها لهم كظلهم الى ما كان القدر يخبئه لتلك "الام المودعة " ، وليس كما كانت تظن لتيتمها صغيرة وحرمانها من حنان الام .. وصف الاب صعوبة ابلاغ اطفاله بوفاة والدتهم الذي استغرقه عدة ايام حيث اصطحب اطفاله الى غرف العناية التي تضم اناسا غائبين عن الوعي ليخبرهم بان والدتهم اذا كتب لها الحياة فستبقى غائبة عن الوعي مدى الحياة وتتألم حتى اقتنع الاطفال الثلاثة بان يطلبوا الموت والرحمة لوالدتهم .
وبعفوية الطفولة وبقلب ملهوف لحنان الام المفقود اخذ محمد يقول وهو ينظر لاخر صورة لوالدته التقطت لها قبل وفاتها بثلاثة ايام في عيد ميلاد فرح " طولت .. اشتقتلها ، لو اشوفها بس مرة " ، واكمل " مشتاق لماما .. لو اموت واروح على الجنة علشان اشوفها ". يواجه الاب يوميا تساؤلات تدور في ذهن اطفاله وتدل عليها نظرات عيونهم نتيجة غياب والدتهم . لا يجد اجابات لها ،وما زال جرح رحيل زوجته وحرمان اطفالها من عطفها وحنانها مفتوحا ليبقى عبرة للاخرين . ويبقى سؤال يدور في ذهن الاطفال الثلاثة " احنا مين حرمنا من شوفة ماما" ..؟