أبو فاطمة مواطن مصري اسكندراني. جاء الى الأردن في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ولم يغادرها منذ ذلك التاريخ، ولن يغادرها إلى أن تقوم الساعة. ورغم طول مكوثه في الأردن لم يفقد لهجته الاسكندرانية. وعندما كان يُسأل عن ذلك، كان يقول بلهجته: لساني ما بيتعوجش.
عاش أبو فاطمة في الزرقاء، وعمل بمهن يدوية على رأسها "الطراشة"، عرفه الجميع في الحي، وأصبح واحدا منهم. مرض في الفترة الأخيرة، وأصبح يتلقى المساعدات من أهل الحي لتعيله وتعيل عائلته الكبيرة. وبعد صراع مع المرض توفي أبو فاطمة، فاجتمع أهالي الحي وتكفلوا بدفنه في مقبرة الهاشمية في الزرقاء.
في المسجد الذي داوم على الصلاة فيه أكثر من 25 عاما، وقف إمام المسجد لينعيه، فخرج المئات من أهل الحي لتشييع جنازته. وفي صلاة مغرب ذلك اليوم، وقف الإمام ليحث الناس على التبرع لأهله الذين انقطعت بهم السبل، فلا صندوق معونة، ولا لجان زكاة يمكن أن تقدم لهم المساعدة، فهم ليسوا أردنيين. لبى الأهالي نداء الإمام وجمعوا فورا مبلغ (2750) دينارا، واستعد البعض بمبلغ شهري ثابت، وأخذ تاجران من أهل الحي على عاتقهما تأمين المواد التموينية الشهرية لعائلة أبي فاطمة. وأقام أهل الحي بيت العزاء، وتولى الإمام واجب العزاء بفقيد الحي "المقطوع من شجرة". هذه نخوة الأردنيين التي نعرفها، والتي نسأل الله أن لا تغيب عنا.
ما أحزنني لدى كتابة هذا المقال، أنني لم أستطع أن أذكر اسم ذلك الإمام، ولا اسم المسجد، ولا اسم الحي، ذلك أن ما قام به الإمام من كلام في المسجد وجمع للأموال مخالف لقانون الوعظ والإرشاد، وقانون الاجتماعات العامة، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون غسيل الأموال، ولقوانين أخرى باتت تحكمنا، وتحكم على نخوتنا الأردنية بالإعدام!!*