الهاكر كما يظن العديد من الناس هو الشخص المخرب الذي يخترق الشبكات ويسرق البيانات، وهذا ما لا يوافق عليه المتخصصون في الحاسوب ومن يعتبرون أنفسهم “هاكر”، لأن المخرب الذي يريد إلحاق الضرر بالآخرين يسمى لديهم كراكر وهي تسمية ابتكرها ريتشارد ستالمن للتفريق بين الهاكر الحقيقي والمخرب.
الهاكر مصطلح له تعاريف كثيرة، فهو يعني الشخص الذي يستمتع باكتشاف طريقة عمل الأنظمة، ويستغل قدراتها لأبعد مدى، والأنظمة هنا قد تكون حواسيب، أنظمة تشغيل، لغات برمجة، أو حتى لعبة قطارات تعتمد على المنطق لتركيبها.
الهاكر قد يعني أيضاً الشخص الذي يستمتع بالبرمجة ولا يكتفي بالقراءة عن نظرياتها، ويستطيع البرمجة بسرعة وكفاءة عالية، وقد يعني المصطلح الشخص الخبير في برنامج ما أو نظام تشغيل ما، وقد يعني الشخص الخبير في مجال معين كالفلك أو الإلكترونيات.
كل هذه معاني مختلفة لمصطلح واحد، للأسف وسائل الإعلام بدأت في استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى المخربين حينما بدأت الأخبار تظهر عن أشخص ألقي القبض عليهم لاختراقهم أنظمة حواسيب أو أنظمة اتصالات، يسمون أنفسهم: هاكر، وفي الماضي كان لم يكن الهاكر يقصد أن يخرب الأنظمة أو يسرق المعلومات، بل كل ما يريده هو تعلم كيفية عمل الأنظمة واكتشاف المعلومات التي تريد السلطات أو الشركات أن تبقيها بعيداً عن أعين الناس.
أخلاقيات ومبادئ الهاكر
هناك ثقافة خاصة للهاكر، مبادئ وقيم يؤمن بها، ويمكن تلخيص هذه المبادئ في نقاط محددة:
الوصول إلى الحواسيب وأي شيء يمكنه أن يعلمك معلومة جديدة يجب أن يكون كاملاً وغير محدود.
جميع المعلومات يجب أن تكون حرة، قابلة للتبادل بدون أي قيود.
لا تثق في السلطات وشجع على “اللا مركزية”، السلطات هنا تعني الإدارات التي تحاول فرض سيطرتها على المعلومات.
الهاكر يقيم بحسب قدراته في البرمجة، لا حسب شهاداته أو سنه أو لونه.
يمكن إبداع الفن والجمال باستخدام الحواسيب.
الحاسوب يمكنه أن يغير حياتك نحو الأفضل.
تاريخ الهاكر
بحسب كتاب Hackers: Heroes of the Computer Revolutin هناك ثلاثة أجيال من الهاكر ظهرت من خمسينيات القرن الماضي وحتى الثمانينات منه، الجيل الأول ظهر في معهد MIT، حيث كان الطلبة والأساتذة يتعاملون مع الحواسيب الأولى، حواسيب تأخذ غرفة كاملة وأسعارها تصل إلى الملايين وتحتاج إلى مكيف قوي لتبريدها، مع ذلك يمكن لساعة إلكترونية تباع بعشر دولارات اليوم أن تتفوق عليها من ناحية سرعة معالجات البيانات!
الجيل الأول بدأ في إرساء أساسيات البرمجة، وقد كان أغلبهم يبرمج مباشرة بلغة الآلة أو لغة التجميع (assembly)، وكذلك لغات أخرى مثل فورترن، وابتكرت لغة ليسب وبدأت تظهر أدوات لإنشاء الأدوات، مثل المحررات النصية والمترجمات، وابتكر البعض ألعاباً.
كان هذا الجيل منعزلاً عن المجتمع من حولهم، وكان الكثير من أبناء هذا الجيل ينظر للآخرين نظرة متعالية، فإما أن تكون هاكراً أو تكون من الفاشلين، هذا الجيل قدم الكثير وكان بإمكانه أن يقدم المزيد لولا هذه النظرة الاستعلائية.
الجيل الثاني ظهر في ولاية كالفورنيا، وهو جيل هاكر الأجهزة، مهندسون وطلبة يقومون بتجميع الإلكترونيات ليطوروا حواسيب شخصية مختلفة، هذا الجيل كان أكثر انفتاحاً وأكثر رغبة في التعاون والتعليم ومساعدة الآخرين، وتأثيره في رأيي أكبر من الجيل السابق، حيث ظهرت شركات كثيرة قامت على جهود الجيل الثاني، مثل شركة أبل ومايكروسوفت وأتاري وغيرها الكثير من الشركات التي للأسف انتهت عندما احتكر السوق حاسوب آي بي أم ونظام تشغيل مايكروسوفت.
الجيل الثاني حول الحاسوب من جهاز يبلغ سعره مئات الآلاف إلى جهاز يمكن لأي شاب أن يشتريه ببضعة مئات من الدولارات، هذا أحدث تغييراً كبيراً في عالم الحاسوب، فقد ازداد عدد المبرمجين، وأصبح الحاسوب علماً يدرس في الجامعات ولم يعد الحاسوب مقتصراً على نخبة من المعاهد والشركات، أصبح الحاسوب بفضل هذا الجيل أداة لإنجاز الأعمال في الشركات وأداة للتعليم والتسلية في المنازل، أصبح هواية للملايين حول العالم.
الجيل الثالث استغل انتشار الحواسيب لكي يبرمج الألعاب، ولن أتحدث كثيراً عن هذا الجيل، يكفي فقط أن أشير إلى أنه ابتكر أجمل الألعاب التي لا يزال الكثير منا يتذكرها ويفضلها على ألعاب اليوم، ألعاب الماضي وإن كانت بسيطة إلا أنها كانت ممتعة ومختلفة.
يمكن أن أضيف جيلاً رابعاً وهو جيل مبرمجي البرامج الحرة، بدأ هذا الجيل بالظهور على يد ريتشارد ستالمن الذي يقول عنه الكتاب أنه الهاكر الأخير الذي يتمسك بأخلاقيات ومثاليات الهاكر، هذا الجيل أحدث تغييراً ملحوظاً في عالم التقنيات، فالتقنية يجب أن تصل إلى أيدي جميع الناس على اختلاف مستوياتهم المعيشية، لذلك قام المبرمجون بإنشاء آلاف البرامج الحرة التي تعتمد على مبدأ حرية المعلومات ونشرها والوصول لها.
ما يعجبني في ثقافة الهاكر
هناك أمور كثيرة قد لا تعجبك عندما تقرأ عن هؤلاء المبرمجين والمهندسين، بعضهم يقضي أياماً في البرمجة دون أن يلتفت لشؤون حياته اليومية من نظافة وعلاقات اجتماعية، فتكون غرفهم قذرة، بعضهم يصاب بالاكتئاب الشديد وينتحر! بعضهم جعل حياته هندسة أجهزة وصنع برامج فقط ولا يهمه من شؤون الحياة سوى ذلك والطعام الرديئ.
من جانب آخر يعجبني تفاني المبرمج في إتقان صناعة برامجه وأدواته، تعجبني رغبته الدائمة في تطوير مستواه، وأحترم مبدأ تبادل المعلومات والخبرات بدون قيود، هذا المبدأ الذي للأسف نسيه الكثير من الناس بعد ما أصبح الحاسوب حكراً على شركات قليلة وأنظمة التشغيل أصبحت أسراراً لا يمكن لأحد الوصول لها.
كم أتمنى أن تعود تلك الأيام التي يصنع فيها المرء حاسوبه وبرامجه بنفسه، ولا أعني بذلك أن نجبر كل الناس على اتباع هذا الأسلوب فهذا غير منطقي ولا عملي، ما أتمناه هو أن يتوفر هذا الخيار لمن يرغب، ولا يحارب هذا التوجه بقوانين الملكية الفكرية كما يحدث الآن مع بعض الناس، فمثلاً يشتري أحدهم منتجاً تقنياً من شركة ما، يقوم بفكه ومحاولة معرفة طريقة عمله، ثم يقوم بعمل بعض التعديلات عليه، ولأنه يؤمن بأهمية مشاركة الآخرين بما تعلمه يقوم بنشر معلومات حول تعديل هذا المنتج في موقعه، هنا ينطلق جيش المحامين لكي يرسل له رسالة تهديد بأنه ينتهك الملكية الفكرية للشركة التي اشترى منها المنتج.
حدث هذا كثيراً، وفي كل عام أقرأ عن قضايا تدور في المحاكم بين شركة يعمل فيها آلاف الموظفين وشاب مراهق قام بتعديل منتج لهذه الشركة، ودائماً ما تدور هذه القضايا حول انتهاك الملكية الفكرية.
هناك تطرف وإرهاب فكري تمارسه هذه الشركات تجاه الزبائن، لم يعد الأمر مجرد الحفاظ على الحقوق بل تعداه إلى محاولة التحكم بما يجب أن يفعله الزبون تجاه المنتج، ولنأخذ مثالاً على ذلك: أفلام DVD، الكثير منها يبدأ بشعارات وإعلانات للشركات المنتجة وملاحظات وتحذيرات حول حقوق المنتج، في الغالب لا تستطيع تجاوز هذه المقدمات لكي تشاهد الفيلم نفسه، هل من حق الشركات أن تتحكم في طريقة مشاهدة الزبون للفيلم؟
للأسف أن الكثير من الناس لا يهتمون لمثل هذه القضايا ويتقبلون ما تفرضه بعض الشركات على أنه حقوق للشركات.
أعتقد أنه حان الوقت لكي نتجاوز مرحلة استخدام المنتج إلى مرحلة تطويره، سواء كان هذا المنتج جهازاً أو برنامجاً، إذا اشتريت منتجاً فمن حقك أن تستخدمه كما تشاء ومن حقك أن تتبادل المعلومات مع الآخرين حول هذا المنتج وبدون أي قيود.
منقووووول