[/SIZE] [SIZE=2]نطلق أبو العز متجهاً نحو مقابلة علها تخلصه من عمله الحالي ، ارتدى أجمل ما يمتلك ، وركب سيارته متجهاً نحو الفرج ، نحو ما اعتقد أنه الخلاص .
لم يكن أبو العز يملك سوى أربعة دنانير في جيبه ، وحتى لا يباغته حظه السيء عباً سيارته المهترئة بدينارين ونصف ، معتقداً بأن المسافة التي يود الذهاب لها لا تحتاج لأكثر من ذلك .
انطلق بعدها نحو الفرج ، وعلى عادته منذ أشهر ، لا يستمع إلا لأغنية واحدة ” شو هالأيام ” لصديقه الرحباني زياد …
شو هالإيام اللي وصلنالا قال إنو غني عم يعطي فقير
كنو المصاري قشطت لحالا عا هيدا نتفه و هيدا كتير
الحلوه دي الحلوه دي الحلوه دي بتعجن في الفجرية بيقولولك من عرق جبينو طلع مصاري هالإنسان
طيب كيف هيدا و كيف ملايينو و ما مره شايفينو عرقان
مش صحيح مش صحيح مش صحيح الهوا غلاب
وكأي شاب كان أبو العز ذا طموحٍ لامس جبين السماء ، وهمة عالية كالجبال ، أبو العز … أبو العز … ياااااا أبو العز .
لم يكن الارتجاج في مقود السيارة أمر غريباً ، فالشوارع التي توفرها حكومة أبو العز ، مصممة لضرب هيكل السيارة ، وتعطيل توازنها ، فالحكومة توفر دواحل للشوارع مصممة لعمل المطبات والحفر ” شعوراً منها بالمسؤولية تجاه مكانيكية البلد ” .
لكن الغريب هو ذاك ” التنتيع ” الواضح عند الضغط على البنزين ، لم يهتم أبو العز ، ” فالبواجي وسلاك البواجي ” لم يمضي عليها اسبوعين ، انطلق أبو العز متجاهلاً تلك الرقصات المتقطعة من سيارته ، ولكن للأسف عند أول اشارة أعلنت السيارة الإستسلام وبكل برود قالت ” فسسسسسس ” .
أبو العز ” المتخلف ” لا يتابع الأخبار ، وأبو العز ” الهتر ” لم يعلم بأن الحكومة الكريمة قد قامت برفع أسعار المشتقات النفطية ، للأسف يا أبو العز …. حظاً اوفر !!!
ولأن سفن أبو العز لا تعرف الهزيمة ، قرر شراء بطاقة ” أم الدينار ” ” وعمره ما حدا حوش ” ليتصل على أحد أصدقاءه ، ليأخذه إلى مقابلة الفرج .
ذهب أبو العز وعبأ بطاقة ” أم الدينار ” وحزن كثيراً عندما علم بأن البطاقة قد زادت عشرة قروش … فحكومة أبو العز الكريمة أعلنت وبعد تولي دولة رئيس الوزراء سمير الرفاعي ” اسم على مسمى ” ، الرفع حتى …… .
لم يكترث أبو العز وها هو يبحث عن رقم صديقه أبو ورد ليتصل به ، وأخيراً وجده ، كبس الزر الأخضر ، وانتظر سماع صوت أبو ورد …
ولكن من هذه ؟؟؟ امعقول أنها أخت أبو ورد !!!! للأسف يا أبو العز هذه الفتاة هي من شركة الاتصال تبلغك بأن رصيدك المتبقي لا يكفي لإجراء هذه العملية .
غضب أبو العز كثيراً … ” فالتنكيسة صارت تنكيستين ” وعاد إلى السوبرماركت ” بدو يشل أمله للزلمة ” .
لكن وفي طريق العودة .. وصلته الرسالة التالية .
” عزيزي المشترك استناداً إلى أحكام قانون الرسوم الاضافية للجامعات الاردنية رقم (4) لسنة 1985 وتعديلاته ، تم اقتطاع د1 من رصيدك دعماً للجامعات ”
أأأخ يا أبو العز … فمن يدعم الجامعات !!! أنت الذي تطارد على لقمة العيش ، أم ذاك الذي ” بسكرة من لياليه ” تحل مشكلة أُسر بأكملها .
غضب أبو العز كثيراً .. وما بدي احكيلكم شو حكا … لانه أبو العز لسانه طويل وما بخاف .
بس يا أبو العز … أنا معك بكل كلمة حكيتها .
واستمر يا أبو العز .. فماا بعد الضيق إلا الخوازيق ..
استيقض أبو العز من نومه ، وفتح شرفة منزله لتتسلل أشعة الشمس إلى غرفته ” الي قربت تمطر فيها ، من كثر ما هو مدخن ” ، فكما تعلمون أن أبو العز رفع في الأونة الأخيرة شعار ” بدي أصير ” ليحارب العبارة التي يرددها دائماً ” بأن اسمه تبذيرُ للاسماء ” ، وهذا الأمر يتطلب الكثير من التفكير ، والكثير من السجائر .
ركب سيارته التي يطلق عليها اسم ” حمرا ” وانطلق نحو عمله بهمة عالية ، وطموح لامس جبين السماء ، وفي طريق الذهاب أوقفه شرطي المرور ، ” وشمطه مخالفة …. طلعت من راسه ” ، وذلك لعدم ارتدائه لحزام الأمان ، فكما تعلمون أن حكومة أبو العز تعتبر سلامة المواطن في سيارته من أهم أولوياتها ، أما الكيان الصهيوني فلا يخالف على توسيخ مياهنا بالمجاري قبل فترة ، فالمواطن هنا خارج نطاق السيارة .
لم يهتم أبو العز ، وتحت شعار ” ياما الجمل كسر بطيخ ” ابقى الابتسامة مرسومة على وجهه ، وانطلق مصراً على أن الجبل لا تهزه مخالفة بخمسة عشر دينار .
وعندما وصل أبو العز إلى علمه ، سأله الموظف بجانبه ، عن حاله ؟؟
فلم يستطع السكوت ليدور الحوار التالي :
أبو العز : ما عرفت اكتشفوا أبار نفطية في الأردن !! ومتحركة كمان !! .
الموظف : وحد الله ، يعني خلص رح انصير دولة نفطية ، وتكنولوجيا وأسلحة .. بتحكي جد!!!
أبو العز : يا زلمة مش نفط … نفط … يعني شغلة رح ادخل على الدولة مصاري زي النفط .
الموظف : يعني خلص رح تبلش الأردن تستغل الصخر الحجري الموجود .
أبو العز : أنت فهمتني غلط ، بس تفكيرك عجبني . أنا بقصد مخالفات السير على الشوارع … وكله لمصلحة المواطن !!
الموظف الحدق : يا زلمة بسيطة ، شو على ايش مخالفينك اليوم .
أبو العز : والله يا صديقي على حزام الأمان .
الموظف الحكيم : يا أبو العز احمد الله . وبدي احكيلك قصة واستفيد منها :
” يقال أن قس كان يركب دراجته يومياً للذهاب إلى الكنيسة ، وفي عودته يقابله شرطي للمرور ، يلتف حول الدراجة ، يتفحصها جيداً ، حتى يجد شيء ليخالف القس عليه .” فبشمطوه مخالفة ” .. وإن لم يجد ” أكيد المخالفة على الدخنة ”
لم يستطع القس عمل شيء ، وأصبح يرجع إلى بيته كل يوم بورقة حمراء ومخالفات من كل الأنواع … حتى قرر ذاك القس شراء دراجة جديدة ، لكي يدحض جميع الحجج ، وحتى لا يقابله ذاك الشرطي ” الي مستلبسه ” قرر تغير طريق العودة ، والعودة من خلال الطريق الصحراوي .
ولحسن حظ القس كان الشرطي الي مستلبسوه منقول إلى الطريق الصحرواي ، فأوقفه وأصبح يلتف حول الدراجة وقال : والله ألف مبروك الدراجة الجديدة ، وجد مش عارف على إيش بدي أخالفك … بس مش خايف مروح لحالك من الطريق الصحراوي بدراجة !!!!!
القس : ليش أخاف وأنا معي الأب والابن والروح القدس .
الشرطي وكأنه وجد مليون دينااااااار : يعني مخااااااالف حمولة زااايدة !!! وبالتأكيد روح القس بالورقة الحمرا ”
أبو العز : طيب شو حكى القس .
الموظف : شو بدو يحكي ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ”
أبو العز وقد انتفض من الفرحة : يعني أسلم .
الموظف : يا زلمة … مهي شغلة بتكفر !!!
صحيح …. نسيت احكيلكم أنه الي قاعد جنب أبو العز …. مسيحي
لا يخفى على أحد أن أبو العز عاشق وملهم بالمثالية ، مع العلم أنه بعيد كل البعد عنها ، حيث أنه في الفترة الأخيرة أكتشف أن المثالية ” كــالمِثلية ” فكلتاهما لا تتوافقان مع ثقافة المجتمع .
إلا أن أبو العز .. ورغم محاولات أصدقاء السوء ، أراد أن يكون مثالياً … أراد أن يكون ” أبو العز المثالي ” ، وها هو صديقنا أبو العز وفي بداية سنته الأولى بالجامعة ، يبحث عن سبيل لتطبيق قناعته ، وفرض أفكاره المثالية على أبناء جلدته في الجامعة .
وأخيراً … وجد أبو العز ما كان يصبوا له ، فقد قامت الجامعة بوضع أربعة أنواع من سلال المهملات ” زجاج و علب و أوراق و قمامة اخرى ” .
ويا حلاوة أيامك يا أبو العز .. جاءت فرصتك لتثبت أن المثالية هي السلوك الواجب لكل قرد عفواً فرد في المجتمع ، فكيف إذا كان هذا السلوك صادر عن نخبة المجتمع وطبقته المثقفة ” أبناء الجامعات ” .
أبو العز … يا أبو العز … ياااااااااااااااااا أبو العز …
لم يتوانا أبو العز عن نشر فكرة إعادة تدوير المهملات ، وأهميتها على البيئة ، ودورها في انعاش الاقتصاد ، ولم يذق النوم يوماً وهو يفكر في كيفية ايصال الفكرة لأكبر قدر ممكن .
تتوالى الأيام .. وصديقنا أبو العز اقترب من الهدف المنشود فالفكرة التي كان ينشرها بعيدة كل البعد عن السياسية والتحرر ” بس ما حدا بنكر أنه احنا ابلد ديمقراطي ” … وانتشرت الفكرة عند أصدقاء أبو العز جميعهم … أبو العز بين الممرات ، أبو العز في السكويرات … أبو العز بالكفتيريا .. أبو العز في كل مكانٍ من أجل الفكرة .
ولحسن حظ صديقنا أبو العز … جاءت اللحظة .. وجاء الوقت الذي يقوم فيه عاملة النظافة بتفريغ محتوى سلال المهملات .. كم انتظرها بشغفٍ تلك اللحظة .. فهي التي ما انفك يحلم بها ..
بداً عامل النظافة بتفريغ سلة العلب في كيس كبير … العامل يفرغ .. وأبو العز ينظر وكادت دموعه تنهمر من الفرحة … بدأ العامل بتفريغ سلة الزجاج في الكيس الثاني … وأبو العز ينظر ” وضحكته كادت أن تصل لذنيه ” .. ثم أكمل العامل تفريغ سلة الأوراق في نفس كيس الزجاج ..
صعق أبو العز !!!! وانطلق نحو العامل ” وكان ناوي يشل أمله لانه خربط ”
وقال صارخاً : ” يا زلمة وحد الله هذا ورق !!!!!!!!! ”
العامل : حلو … بس شو الفكرة .
أبو العز الغاضب : يعني لازم اتفضيهم بكيس لحال !!!
العامل : يعني بشرفك !! أنت مصدق هالكلام . العلب أنا ببيعهم بس القزاز والورق .. ما بمشي ..
يا لها من لحظات حقيرة … فبعد كل هذا المجهود اكتشف أبو العز أن ما قاله صديقه أبو ورد واقعي .. فالمسؤلوين ينادون بالتطوير والنهضة ، كذاك الشخص الذي دعا ربه خمسة عشر عاماً كي يرزقه بولد … وقد نسي أنه ليس متزوجاً .. والمسؤلين ينادون بالتطوير والتغير وقد غاب عن بالهم أنهم لم يتخذوا أي اجراء حقيقي لذلك …
واتعيش واتوكل غيرها … يا أبو العز !!
لطالما شعر أبو العز بالحيرة أمام كل تلك القرارات التي تتخذها حكومته الموقرة ، ولانه لم يكن على إطلاع بالسياسة ، كان يلجأ دائماً لأصدقائه للسؤال عن السبب ؟؟ ليكون الجواب واحداً : “فلسفة الحكومة يااااا حمااار ” .
أصابت أبو العز حالة من رفض الواقع ، وعزم على تعلم الفلسفة علها تمكنه من فهم ” أسباب ” تصرفات الحكومة .
بدأ أبو العز بتعلم الفلسفة ، فأبحر في كتب أرسطو وأفلاطون ، وتعمق في فهم أسباب الوجود والهدف من الحياة ، وأصبح أبو العز قادراً على التميز بين الغاية والهدف ؟ وبين السبب والدافع ؟؟
أبو العز … يا أبو العز .. ياااااااا أبو العز .
لم يكن الطريق سهلاً أمام أبو العز ، فكل تلك الكتب الدفينة التي قراءها علمته أن يحب الحكمة بما أنها التعريف الثابت لعلم الفسلفة .
وبعد كل تلك المعرفة التي أكتسبها أبو العز ، حانت اللحظة ، وجاء الوقت كي يفتح التلفاز ويستمع إلى الأخبار .
لم يصدم أبو العز بقرار الحكومة بأن الخطأ في نتائج التوجيهي صادر عن ” خطأ بشري ” ، ولن يتم محاسبة أحد عليه ، ولم يكترث كثيراً بقرار الخارجية استدعااااء السفير الصهيوني وإعطاءه مذكرة شديدة اللهجة ” وياااااا شديد يا قوي ” ، ولكن ما لم يستطع أبو العز استيعابه ، هو أنه وبالرغم من كل تلك ” الرفعات ” للمواطن … ” قصدي ” للأسعار لم تستطع الحكومة إلا رفع الضرائب عن طعام ” البسس ” .
وأما احتياجات الإنسان من طعام ، فهي في ممرمى ” الرفع ” .
أبو العز فكر كثيراً وأبو العز .. الشاب الفتي .. ” ضربت فيوزاته ” … لأن الصدمة التي تعرض لها كانت كفيلة بذلك . ” الله لا يردك يا أبو العز ” .. فأنت من رفضت نصيحة صديقك عندما قال لك ذات يوم ” الجهل نعمة .. لن تعرف معناها … إلا إذا فقدتها ” …
استمر ابو العز في بحثه في علم الفلسفة .. واستطاع بعد فترة تأليف كتاب ” أسألوني قبل ما تفقدوني ” .. وأنتشرت عباراته الشهيرة على صفحات الانترنت .. ” أنا أقف أنا أنط … إذاً أنا جندب ” …. وعباراته التي حيرت الفلاسفة .. ” أنا أشك .. إذاً أنا إبرة ” …
وسلامتك من المعرفة … يا أبو العز !!!
لطالما حلم أبو العز باللحظة التي يكمل بها دراسته الثانوية ، وينهي تلك السنة المتعبة والشاقة ، ويتوج مجهوده بالانتساب إلى الجامعة بالتخصص الذي يناسب قدراته وطموحاته .
انتهى ذاك العام .. وبدءت المرحلة الجديدة بحياة أبو العز .. لكنها للأسف صفعة صديقنا ” كف ” افقده الكثير من أحلامه ، فالجامعة ليست للطامحين والحالمين .. الجامعة لمن يمتلك أكثر .
لم ييأس أبو العز وكما عهدناه قوياً في الشدائد … جباراً على الأزمات ،ليبدء البحث عن التخصص الذي يناسب ” حالته المادية ” .
وبالفعل ينتهي المشوار الشاق بصديقنا أبو العز بدراسة التمريض كون ساعته الجامعية لا تتجاوز الـ ” 10 ” دنانير .
أربع سنواات من العناء ، وثمانية فصول من ” المرمطة ” ، وصديقنا ابو العز صابر وراضي علي ناسيني وروحي فيه .. عفواً على الوضع ” المرير ” ومعاناة تحصيل القسط كل فصل دراسي .
تنتهي الأربع سنوات .. مخلفة الكثير من الخساااائر المادية ، فوالدة أبو العز لم يبقى لديها سوى خاتم الخطبة ، وكل ما في يدها من “أساور” قد راح ضحية التعليم في الجامعات الأردنية .
والمحزن أن صديقنا أبو العز لم يكن قادراً في تلك الفترة سوى العمل الليلي في بعض المطاعم .. فهي على الأقل قد تستطيع امداده بما يحتاج من نقود للذهاب إلى الجامعة ، ومع كل ليلة شاقة كانت تمضي عليه كان أبو العز يتخيل ذاك اليوم الذي سيشتري لوالدته ما فقدته من الأسوار سبيل تعلمه .
تخرج أبو العز الآن وفرحة التخرج قد قتلتها البطالة ، فأبو العز عاطل عن العمل الآن ، وقد تفاجأ أن الشهادة والدرجة العالية ليست كااافية للعمل ، فالعنصر المفقود الآن هو عنصر ” فتامين واو ” .
أبو العز … يا أبو العز … يااااااااااا أبو العز ..
استمر أبو العز في بحثه ، ولم ييأس ، ولم ينصاع لمقولة ” إذا ما إلك حزّ ، اقعد وانطز ” واستمر لمدة تتجاوز الثمانية شهور ، وأخيراً جاءته مكالمة الفرج ، مديرية التربية والتعليم تطلب معلمين آحياء على البرنامج الإضافي .
وبالفعل كان أبو العز أول الواقفين صباحاً على باب المديرية ، وبالفعل أصبح أبو العز استاذاً لمادة الآحياء لكن المحزن في الموضوع أن أبو العز لا يتقاضى سوى “180″ ديناراً .
ياااا أبو العز … يا أبو الأسوار الذهب ..
وها هو صديقنا أبو العز قد أصبح استاذاً … وأبو العز ” الي ما بعرف وين الله حاطه ” سيصبح قدوة لمجموعة من الطلاب .
وبالفعل تمضي أول ثلاثة أيام وأبو العز يريد طباعة اوراق الامتحانات للطلبة … يستأذن المدير ، ويجلس على جهازه … ليشااااهد الكارثة .. المدير مصبح ” كاااابسة معاه ” .. والمدير القدوة لمجموعة القدوات ” المعلمين ” يشاهد أفلام إباحية .
” انعجق ” أبو العز .. وذهب مسرعاً إلى غرفة المعلمين وإذا بإستاذ يحمل مجموعة كبيرة من “الدوسيات” … يرمي ما بها من محتويات ويرتب ” الدوسيات ” ، استفز هذا المنظر صديقنا أبو العز .. فسأله عن سبب رمي الأوراق .
فقال الاستاذ ” القدوة ” أنه طلب أبحاث من الطلاب لأن الأوراق التي يمتلكها في البيت قد زادت كثيراً وأراد الحصول على دوسيات ولم يكلفه الموضوع سوى طلب أبحاث من الطلبة .
صعق أبو العز … فمن راتب ” بخزي ” إلى تعليم ” بقرف ” .. إلى معلمين ” باعوا كل شيء حتى الضمير ”
للأسف يا أبو العز … ” حتى الهدف الوحيد بحياتك أنك تربي جيل واعي … طلع تسلل ”
لطالما كان أبو العز ملهماً بالشعارات الرنانة التي تنادي إلى الإصلاح والاخلاص في العمل ، ولأن صديقنا موظف لم يمضي عليه الحول بدء تدريجياً يستوعب الفراغ الكبير بين نظرياته المثالية ، وواقعه الردئ .
وعلى عادته لا يفقد الأمل بسهولة ، ففي بداية عمله جاءته عروض للعمل في شركات كبيرة لم يحلم بها ، إلا أنه وتحت شعار ” إلا الكرامة والشعب العنيد ” ظل مصراً على الوفاء لعمله الجديد وعالمه الآخر الذي اعتقد أنه سيكون سبيله لتحقيق أهدافه وفرض قدراته كما اعتاد دوماً .
تمضي الأيام .. حاملةً معها المزيد من البراهين والدلائل بأن نظرية السلسلة الغذائية التي درسها أبو العز ” في الصف التاسع ” هي واقع وحال الناس بهذه الأيام .. وأن الأسد لا بد أن يأكل الأرانب .. ولا بد للأرانب أن تأكل أبو العز كون أبو العز أضعف الكائنات في تلك السلسة الحقيرة التي اعتاد عليها الناس . لم يكن أبو العز سهلاً إلا ذاك الحد ، ولم يكن صديقنا ناكراً للجميل كغيره ، فكل مظاهر الرياء التي يشاهدها ، وكل المشاهد التي تتساقط بها الأقنعة عن وجه الناس لم تكن كفيلة بأن ينجر إلى ذاك التيار ، يبقى مصراً على الوفاء ، مع بعض التحسينات ، فلا تقل للأرنب بأنك خاطئ … لأنها ستدعس عليك وتأكلك بلا رحمة ، أما بالنسبة للأسود ” فقصتها قصة ” .
ومع أن أبو العز يمتلك الأيمان الكامل بأن كل الكائنات الأكبر منه في السلسلة الحقيرة ” بتدعس عليه وبتشل أمله ” إذا تعارضت مصالحها مع وجود كائن حقير كأبو العز إلا أنه كان على ايمان ثابت بأنه ومنذ زمن ينتظر الفرصة لتعلن أشواكه يومها الأخير ويرحل أبو العززززززززز بعيداً كشهيد موقف .
أبو العز … يا أبو العز … ياااااااااااااا أبو العز …
تمضي الأيام … وكأن أبو العز الكائن الحقير لا يمتلك طموحات ، وكأن أبو العز الكائن الأضعف في السلسة الحقيرة لا يمتلك غريزة كغيره ، لتكون الأيام كفيلة برسم عنوان واحد لصباحات أبو العز ” أنتم من قتلتم انتمائنا ” أنتم من اخترتم الطريقة التي سوف تكون الطريقة المثالية لتعامل معكم ” ابتسامة الرياء ، حااااضر ، أكيد ، شكراً كثير ، وبدون لأ أو أي علامة دالة على الرفض ” .
أبو العز لن يستسلم ، وأبو العز مكسور الجناح اليوم ، الذي يتقاضى راتب ما بكفيه بنزين .. وأبو العز الشفاف سيصبح يوماً ما يريد …
بحيث يكفيه شرفاً أنه لم يلبس يوماً الاقنعة التي ترديها الأرانب ، وباسمي وباسم أبو العز اتقدم لجميع من تتساقط اقنعاتهم يومياً بأنكم ايقضتم بداخلي الكثير من الطاقات المدفونة ..
فشكراً لكم ..
ويا آيها الموت انتظر أبو العز … سيصبح يوماً ما يريد !!!
[SIZE=2][/SIZE]