مفترق طرق؟ ثمة مبالغة في الوصف الذي يبدو, كمصطلح, متهافتاً على النحو الذي باتت عليه مفردات ومصطلحات عربية, أو على وجه الدقة «اللغة» التي تستخدمها معظم الانظمة العربية, من قبيل خلعها على نفسها صفة الديمقراطية واحترامها حقوق الانسان وايمانها (...) باستقلال القضاء, وخصوصاً في تغنّيها بالسيادة الوطنية والقرار الوطني المستقل, على نحو يمكن أن يلحظه المرء في استطلاعات الرأي العام المحلي في هذه الدولة العربية أو تلك..
ما علينا..
ليس هذا موضوعنا, رغم كل «الاغراءات» التي توفرها الحال العربية الراهنة, من اهتراء ورداءة وانحطاط, يمكن أن تجد ترجمتها العملية في ما يحدث على الساحة الدولية, كان آخرها التصويت الذي جرى في الوكالة الدولية للطاقة الذرية, حيث «هُزم» المشروع الذي قدمه العرب والذي يدعون فيه اسرائيل الى توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي وكانت النتيجة هزيمة مدوّية, ليس فقط في تصويت «51» دولة ضد القرار تتقدمها «راعية السلام» الولايات المتحدة الاميركية, التي حصل رئيسها على جائزة نوبل للسلام, وواصل ثرثرته في الدعوة الى عالم خال من الاسلحة النووية, وانما أيضاً في امتناع (23) دولة عن التصويت, وهي في معظمها من «اصدقاء» العرب المزعومين, لكنها وعند نقطة الحسم فشلت في اختبار النتيجة, فابتلع «عرب اليوم» ألسنتهم وخرجوا يكابرون بأن ما حدث ليس «هزيمة» بدليل أن «46» دولة أيدته, أي أنها في عرف عرب اليوم مجرد خمسة اصوات؟!
ومع ذلك ليس هذا موضوعنا..
بل هو السادس والعشرون من ايلول, حيث تنتهي «اليوم» فترة التجميد «العشرية» التي اعلنها بنيامين نتنياهو, في معرض «افضالاته» على السلطة الفلسطينية وبهدف جذبها الى طاولة المفاوضات, فكانت المفاوضات غير المباشرة التي تحولت الى «مسخرة» ما لبثت أن تطورت لتصل الى صيغة رقصة التانغو, حيث يعلم المهتمون بفنون الرفص وتاريخه أنها لا تتم (كما الزواج) إلاّ بإثنين..
الساعات الاخيرة في المشهد الراهن, تشي بأن الاسرائيليين الخبراء بل الدهاة في اختراع الحيل والاحبولات والكلام المرسل, الذي بلا معنى أو سند, يقولون في وضوح (يحسدون عليه) أن التجميد لن يتواصل وأن لا مبرر للسلطة في تهديدها(...) بالانسحاب اذا ما تواصل البناء, وبخاصة أن الاستيطان «تسارع» في عهد ايهود اولمرت وخصوصاً بعد مؤتمر انابوليس (أتذكرون ضجته وانفعالات العرب والسلطة؟) ولم تتوقف المفاوضات, فما الذي استجد ليخرج عليها اركان السلطة بالتهديد والانسحاب وغيرها من التصريحات, التي يحسبها نتنياهو وليبرمان استفزازية وعدم جدية من قبل السلطة؟
ثمة في الطرح الاسرائيلي وقاحة, لكنه تساؤل يستدعي التوقف عنده, والغرابة هي في الرد الفلسطيني على هذا السؤال, حيث يقول أحد اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (غسان الشكعة) أننا في عهد اولمرت كنا نتفاوض في مواضيع وملفات عديدة (...) أما الآن (مع نتنياهو) فإننا نتفاوض على موضوعات الحل النهائي؟
هل ثمة من يفك هذا اللغز (حتى لا نقول شيئاً آخر)؟
السلطة اذاً أمام اختبار حقيقي, بعد أن استنفدت كل الخيارات والمبررات والتفسيرات التي تطوعت (أو تطوع غيرها نيابة عنها), لتبرير سلوكها في اتجاه المفاوضات والذهاب حد الهرولة الى المفاوضات غير المباشرة وبعدها المباشرة, دون أي ضمانات أو تعهدات أو حتى تصريحات كلامية من الاميركيين أو الاوروبيين, دع عنك العرب الذين وفروا مظلة حماية لهذا القبول الفلسطيني وحددوا التواريخ والمهل (انتهت في اواخر تموز الماضي بالنسبة للمفاوضات غير المباشرة) لكنهم (عرب اليوم) لا يقيمون قداسة أو أهمية للتواريخ والمواعيد والعهود, إلا لعواصم القرار الدولي كما ينبغي التذكير..
«لا استطيع القول أنني سأترك المفاوضات, لكن يصعب عليّ استئناف المحادثات اذا كان نتنياهو يعلن انه سيواصل نشاطه في الضفة الغربية والقدس» قال محمود عباس لزعماء الطائفة اليهودية في نيويورك مؤخراً..
هل هي اشارة الى أنه قرر «الانثناء» حتى قبل أن يعرف الحل الوسط الذي سيعرضه عليه اوباما وهيلاري كلينتون (نيابة عن نتنياهو في واقع الحال)؟ أم أن مجرد الاتكاء على تصريح (غير دقيق على ما قال ناطقون باسمه) يشكّل مغامرة ولا بد من انتظار كلمته امام الجمعية العامة (مساء امس السبت) لمعرفة الوجهة التي سيقررها عباس, الذي قال ايضاً «ان الوقت معنا للبحث, ننتظر قرار اسرائيل حتى نهاية الشهر, نبحث ونقرر» ثمة شيء نسيناه وهو أن عيد العُرش الاسرائيلي (سوكوت) ينتهي يوم 30 الجاري وعندها سنعرف لكن مجلس «يِشع» يقول البناء سيبدأ فوراً..
من ينثني اولاً؟