كـاد الذاكـرة تكـون للعـرب هويـة
الرعـيل الأول : عـودة القسـوس
بحث موسى الكـايد
لم يكن عودة من قادة الثورة ولا من المخططين لها بل قام بدور الوساطة مع الوالي لتجنيب البلاد الخراب على يد الباشا المتعجرف سامي الفاروقي وفي الوقت نفسه لم يكن معاديا للثورة ولا ماشيا بقيادتها وأيضا لم يكن من مؤيديها لذلك اتهم بالتعاون مع الدولة على حساب الثورة « ولم يسلم من الاعتقال والحجز من قبل ضباط وجنود الحملة العسكرية ، هذه الحيادية ربما كان عودة يرى فيها مصلحة للبلاد وأهلها لان مثل هذه الظروف تتطلب طرفا ثالثا حتى لا تغلق كل الأبواب إمام القوى المتصارعة وعلى الرغم من هذه الحيادية التي وصفت من قبل البعض بـ «الحيادية السلبية » تعرض عودة للوشاية واتهم من قبل السلطة بالتعاون مع جهات أجنبية.
كان اسم عودة القسوس يتردد في الجلسات السرية التي تعقدها الهيئات التنفيذية للجمعيات العربية المناهضة للفكر والسيطرة العنصري الذي ساد الإمبراطورية العثمانية بعد الانقلاب العسكري على السلطان عبد الحميد من قبل حزب الاتحاد والترقي وفي المقابل كانت السلطات الحاكمة تعمل جاهدة على استمالة الشخصيات العشائرية المتنورة إلى جانبها بعد أن نقدت بريقها الذي كان قبل نفوذ الحركة الصهيونية والحركة الماسونية في القرار السياسي فكان عودة القسوس من الشخصيات الوطنية المتأثر بالعمل النضالي الوطني الذي ساد الجنوب الأردني ظل وفيا للنهج الوطني العربي مدافعا عن لغته وتاريخه وحضارته وكان مع المناضل مصطفى وهبي التل «عرار» السيف القاطع على من حاول التطاول على الشخصية العربية الأردنية في بعدها العربي والتاريخي ولم يتعصب ولم ينحز الا للوطن ، وكان رمزا من رموز الحركة الوطنية ...
والشيء الذي يميزه هو التوازن في شخصيته وقدرته على المصالحة ما بين الاضداد كان يملك القدرة على تكييف ذاته وفقا للأوضاع المستجدة هو محرك سلوكي لانه متصل بدافع المحافظة على البقاء والاستمرارية ، ويقتضي التكيف مرونة عقلية وسرعة في البديهة ...
الوظائف التي شغلها في العهد العثماني
متصرفية الكرك :
® صفحة 8 / 9 :
كانت الحكومة العثمانية في بادئ الأمر قد قررت أن تكون ( معان ) مركزاً لمصرفية اللواء وأن تكون الكرك والسلط والطفيلة قائمقاميات تابعة لـ ( معان ) ، واعتبرت حدود هذا اللواء : وادي السرحان شرقاً ، نهر الأردن – البحر الميت – وادي عربة غرباً ، نهر الزرقاء شمالاً ، ومداين صالح جنوباً ، وأن يكون اللواء مرتبطاً بوالي سوريا في دمشق ، ولكن الأهلين احتجوا على هذا الإجراء ورأت الحكومة أن ( الكرك ) أكثر ملائمة ، فأصدر السلطان أمرا باعتبار ( الكرك ) مركزاً للواء ،وجعل أقضية معان والسلط والطفيلة وناحيتي تبوك ومدائن صالح تابعة لها ..
بقيت المنطقة الجنوبية دون حكومة بعد انسحاب إبراهيم باشا .........
عام 1893 أوعزت الحكومة العثمانية في الآستانة إلى والي الشام ( رؤوف باشا ) للعمل على احتلال المنطقة وتوطيد الأمن فيها ..... وعين حسين حلمي باشا متصرفاً للواء الكرك .. وخصص لهم ( شيوخ الكرك ) رواتب شهرية ، مشترطاً أن يكونوا هيئة انضباط تساعد في اقرار الأمن...
بنى المتصرف حسين حلمي باشا : داراً للحكومة مقابل القلعة القديمة وجامعاً إلى جوارها ، وعمل على إصلاح القلعة لتكون مسكناً للجنود ، ثم بدأ يفرض الضرائب على الاهلين ، وفتح مدرسة ابتدائية . .
وبعد ثلاث سنوات عين للمتصرفية خلفاً له : ( صادق باشا ) ، شقيق الصدر الأعظم كامل باشا ، وكان رجلاً مرتشياً معتداً بمركز أخيه ، وفي عهده قطعت الحكومة رواتب المشايخ ...
وتولى المتصرفية بعد ذلك ( رشيد باشا ) : كان رجلاً قانونياً محباً للعمران ، أنشأ في الكرك مدرسة من تبرعات الأهلين وباشر بتجديد بناء ( الجامع العمري ) ، كما أنشأ داراً للحكومة في السلط ، وأخرى في الطفيلة ، وفي عهد هذا المتصرف بدأ أهل الكرك ببناء قرىً جديدة في منطقتهم ، نقل ( رشيد باشا ) قبل أن تجيب الحكومة طلبه بتأسيس محكمة نظامية في الكرك.
الشيخ قدر المجالي الشيخ ساهر المعايطة الشيخ حسين الطراونة السيد عودة القسوس.
تم تعيين ( مصطفى بك العابد ) شقيق عزت باشا العابد صديق السلطان عبد الحميد ، وقد كان رجلاً مغروراً يقبل الرشوة علناً ولا يبالي بأحد ، وفي عهد هذا المتصرف تشكلت في الكرك محكمة نظامية عام 1902 .
منذ عام 1892 إلى بدايات شهر شباط من عام 1902 لم يكن في الكرك مجلس قضاء ولا حتى محكمة تدار من قبل قضاة إنما كانت سلطة المتصرف فوق كل القوانين وكانت قراراته تصدر عن ديوانه دون الرجوع أحيانا إلى أعضاء مجلس إدارة المتصرفية ..
عندما انشأت الدولة العثمانية في الكرك متصرفية تشمل الجنوب الاردني وقضاء البلقاء «السلط» عين عودة القسوس عضوا في مجلس ادارة اللواء وقيل: كان عودة القسوس يتولى في مجلس إدارة الكرك تمثيل الطائفة الأرثوذكسية و كان متصرف اللواء لا يعرف شيئا من اللغة العربية ولم يفهم عليه من أعضاء المجلس إلا عودة القسوس والشيخ حسين الطراونة الذي مثل المسلمين في المجلس باعتبارهما ملمان باللغة التركية » .
( مجلس المبعوثان ومجلس الولاية ) :
® صفحة 10 :
بعد الانقلاب العثماني سنة 1908 جرت أول انتخابات لمجلس المبعوثان وانتخب توفيق المجالي مبعوثاً عن لواء الكرك وهو الأردني الوحيد الذي حصل على عضوية ذلك المجلس ، أما لواء حوران فقد مثله سعد الدين المقداد . .
وهذا المجلس بمثابة مجلس نواب خاص لإدارة الولاية ينتخب أعضاؤه من قبل مجالس الإدارة في الأقضية ، وقد جرت الانتخابات لعضوية المجلس عل فترتين ، فانتخب عن شرقي الأردن في الفترة الأولى السادة :
عودة القسوس عن الكرك . .
يوسف السكر عن السلط . .
عبد النبي النسعة عن معان . .
عبد المهدي محمود عن الطفيلة . .
عبد القادر التـل وعبد العزيز الكـايد ( العـتوم ) عن قضائي عجلون وجرش . .
أما الفترة الثانية فقد مثل شرقي الأردن السادة :
زعل المجالي ، محمد الحسين ، علاء الدين طوقان ، خليل التلهوني ، حسن العطيوي ، نجيب الشريدة ، وشوكت حميد .
عقد مجلس المبعوثان ثلاث مرات وكان مجلس عام 1908 وهو المجلس الثاني أما المجلس الثالث فقد كان عام 1914 واستمر حتى نهاية الحرب الكبرى ( 1918 ) ومثل توفيق المجالي لواء الكرك في المجلسين الثاني والثالث ) .
أحداث الكرك :
® صفحة 18 :
كانت تعبيراً شعبياً صارخاً عن سخط الاهلين واحتجاجهم على سوء الإدارة العثمانية وشطط المسئولين في محاولتهم تطبيق أنظمة وقوانين لا تتفق وأحوال البلاد
أسبابها :
1. قطع الحكومة رواتب المشايخ في عهد المتصرف ( صادق باشا ) ...
2. رفض والي سوريا ( إسماعيل فاضل باشا ) الموافقة على تعيين ( قدر المجالي ) شيخ مشايخ الكرك عضواً لمجلس إدارة اللواء بعد أن فاز بأكثرية الأصوات....
3. إرهاق الحكومة لعامة الناس بالضرائب ....
4. عسف ورشوة وفساد الإدارة العثمانية ...
5. القانون الذي سنته الحكومة ونصت فيه على الخدمة الإجبارية في الجيش وجمع السلاح من الاهلين ، وهذا كان السبب الرئيسي لإعلان العصيان والانتفاض على سلطان الحكومة ..
6. ما أظهره رجال عشيرتي السلايطة والكعابنه من ممانعة في إحصاء نفوسهم بعدما ظهر من سوء تصرفات مأمور الإحصاء المعين لهم .
بعد انطلاقة ثورة الكرك بقيادة الشيخ قدر بن صالح المجالي أصبح أمام خيارات يصعب اختيار واحدة منها ولكن الشيء الذي أخاف عودة تلك التصريحات التي أطلقها القنصل الفرنسي في القدس والتي مفادها أن سامي الفاروقي قائد الحملة على الكرك سيقتل أهل الكرك بمسلميها وبمسيحييها ويومها اعتبر عودة التصريحات مقدمة للفتنة في الكرك.
أما توفيق المجالي النائب في البرلمان العثماني (مجلس المبعوثان) والمقيم في العاصمة استانبول كشف ان الوالي والمتصرف هما أداة للتنفيذ فقط وان القيادة السياسية المركزية وبتخطيط من الحركتين الصهيونية والماسونية ستعمل على إشغال المواطنين في محاربات داخلية عشائرية ومذهبية والغرض من ذلك ان لا تتكرر الهبات الشعبية والمهيأة في جبل الدروز وجبل شيحان الكرك وفي الوقت نفسه إثارة الفتن بين القبائل البدوية والقبائل الفلاحية . .
ومما لا شك فيه ان الادارة العثمانية كان لها مصلحة في انتصار قوى الاستقرار والفلاحة بما يضمن لها تأمين طريق الحج والتوقف عن دفع الإتاوات للقبائل وفي الوقت نفسه تحصيل الضرائب بصورة مجدية ومنتظمة.
وبعد أن آلت السيطرة الفلاحية قررت السلطات إضعاف النزعة الفلاحية العشائرية لصالحها . .
وفي مجال الفتنة المذهبية قامت السلطات بتحريكها ما بين جبل الدروز حيث الاكثرية الدرزية وسهل حوران حيث الأكثرية السنية وستوظف هذه النزاعات والمحاربة بين الجيران لتحقيق اغراضها ...
بعد حوارات حوران وجبل الدروز تذكر زعماء الكرك ما أعلمهم به توفيق المجالي عضو مجلس النواب العثماني بان السلطات المركزية تخطط لإجراءات مجملها إضعاف الشخصية الاعتبارية لزعماء ومشايخ المنطقة وسوق شبابها إلى الجندية الإجبارية بالإضافة إلى إفراغ المنطقة من الشخصيات المتهمة بالانضمام إلى الجمعية المحمدية التي تسعى إلى إعادة السلطان عبد الحميد إلى العرش السلطاني العثماني
تأديب جبل الدروز وحوران والكرك كون هذه المناطق تحتفظ بأسلحة كثيرة يستخدمها الأهالي للدفاع عن النفس من هجمات البدو وللتباهي بحملها وهي من مكونات الشخصية العربية ...
نفذت المرحلة الأولى من حملة سامي الفاروقي في جبل الدروز بنجاح وقرر البدء بالمرحلة الثانية في لواء الكرك وبنفس القوة العسكرية التي هاجمت الجبل :
* لم تكن حرية الرأي من ثقافة حزب الاتحاد والترقي الحاكم وبخاصة مع الولايات غير التركية كانت جمعية الاتحاد والترقي تميل إلى المركزية الشديدة وترى الحل الوحيد لهذه المشكلة أي مشكلة الأقوام المختلفة عربا كانوا أم غير عرب هو أن تأخذهم بالشدة والعنف والاستغلال ولا تؤخذ اجتهاداتهم على مبدأ الحرية فالحرية والرأي لغير التركي تذكرهم بأمجادهم التي ذهبت.
* قال عودة القسوس : حرية الرأي ولا حرية قرار الرفض وإلا ستطبق الفئة الحاكمة فلسفتها بالحكم تجاه العرب الشدة العنف الاستغلال .
* مارس الشيخ المناضل قدر المجالي حريته ورفض مجمل طلبات الفاروقي واعتبر برقيته اهانه
مقصودة مبرمجة للمشاعر والقيم فكانت النتيجة عدم الأخذ برأيه ومصادرة حريته وتزوير ختمه واتهامه بالتمرد .
مقابلة الوالي إسماعيل فاضل:
تجاوزات سامي الفاروقي :
اعتقد سامي الفاروقي ان سياسته القائمة على قاعدة الترهيب قد نجحت في الكرك فعندما تسلم العريضة المختومة بتواقيع وأختام مشايخ الكرك بالفرح والسرور واعتبر ذلك انجازا له وللمتصرف جهز حملة الغزو من ثلاثة طوابير عسكرية بقيادة اللواء شاكر باشا لاستكمال الإجراءات وقبل وصول قوة الغزو الى العراق
وكان عودة القسوس في بيروت قد عزم الرأي لحضور حفل تخرج شقيقه الطبيب الخريج « حنا القسوس » وتوزيع الشهادات بمناسبة تخرجه من كلية الطب الجامعة اليسوعية فقرر المشاركة بفرحة شقيقه بالسفر إلى دمشق ومنها الى بيروت فانتشر خبر سفر عودة إلى بيروت وجاءه الأهالي للتهنئة بأول طبيب كركي في العصر الحديث ومن بينهم المشايخ . .
وحمل المشايخ عودة وطلبوا إليه بإلحاح أن يقابل الوالي وان يعرض عليه صعوبة تنفيذ مطالب سامي باشا وما تجره على البلاد من فوضى واضطرابات نحن في غنى عنها في مثل هذا الوقت وأشاروا عليه أن يخبرهم برقيا بموقف الوالي من ذلك.
ويتوقعون خيرا من مقابلته لسعادة الوالي إسماعيل باشا الفاضل وان الحديث بينهما سيكون مباشرة لان عودة يتكلم التركية بشكل جيد ويجيد الحوار مع المسئولين الكبار، وتحكم وبلا صعوبة من الاجتماع مع سعادة الوالي ومنذ بداية اللقاء خرج عودة بالانطباعات التالية:
1- أن قائد الحملة سامي الفاروقي قد تجاوز حدود صلاحياته ولم يأخذ برأي ومشورة الوالي بالإجراءات التي فرضها على الاهلين في الكرك
2- ان مرجعية الفاروقي هي القيادة العليا في استانبول وليس الوالي بدمشق وانه الفاروقي يطمح بولاية الشام ويسعى للخلاص من إسماعيل باشا
3- ان الوالي يعرف جيدا أن المتصرف ضعيف الشخصية ولا يملك من مقومات الرجل الإداري شيئا واحدا ووصفه بالجبان . .
4- ان ردود الفعل عند الوالي جعلته يتخبط بآرائه :
كان الوالي صادقا عندما قال لعودة القسوس ان سامي باشا خدعكم في تأجيل التجنيد الإجباري لان مثل هذا القرار لا يصدر إلا عن السلطان أو عن من ينوب عنه وهذا يعني أن قرار التجنيد قد صدر منذ أحداث حوران وجبل العرب وإلا لماذا الحملة على الكرك والتجنيد يشمل الأعمار المتقدمة وليس الشباب فقط بدليل أن الوالي قال لعودة في اللقاء الأول : « وها أنا آمر بسرعة التجنيد واطلب إليك أن تساعد على ذلك فتعود إلى الكرك وتذهب فورا الى الثكنة العسكرية وتطلب إلى القائد أن يسلمك ألبسة الجندية والسلاح وتكون أول من ينخرط في الجندية وأول من يحصل على هذا الشرف في الكرك وعليك أن تقنع ذويك وكل من تستطع إقناعهم لإتباع أمرك.
* تظاهر الوالي بالاقتناع ولكن كل ما يريد هو ان يثبت لعودة القسوس انه ما زال صاحب قرار وانه هو المرجعية الوحيدة في بلاد الشام......
* وكان المهم عند الوالي/ ودعوته لقيادة فرع الحزب الحاكم في دمشق اي « فرع حزب الاتحاد والترقي الحاكم في دمشق » إلا ليضعهم في صورة التجاوزات التي أقدم عليها سامي الفاروقي وهي المكلفة بمراقبة الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة وأراد الوالي أن يكون عودة القسوس الشاهد على مخالفات الفاروقي أمام الحزب الحاكم.....
* أما موقف ممثل حزب الاتحاد والترقي فهو لا يقل استفزازا من قيادته السياسية العليا فحديثه بعيدا عن المشكلة موضوع البحث واعتبر ان المهمة الأساس لكل مؤسسات الدولة هي تتريك البلاد العربية وليس اللغة فقط وقال بصراحة وقحة : « ان المصلحة تقضي على حكومة الأستانة تحويل البلاد السورية والعراق الى مستعمرات تركية لنشر اللغة التركية التي يجب ان تكون لغة الدين .
** شعر عودة بان الوالي يهدف ويسعى إلى إضعاف سامي باشا الفاروقي وقياداته العسكرية باستقطاب العائلات المسيحية عن طريق عودة ويكون الوالي قد نجح ولو مؤقتا في خلق محور يعمل لصالحه ضد الفاروقي والمتصرف محمد طاهر ولكنه كان واعيا ولا يريد أن يسجل واحدة على نفسه أمام العائلات الكركية ويكون أول من يلبس البذلة العسكرية ولا يريد أيضا أن يكون كبش فداء للصراع بين الوالي وقيادات الغزو على الكرك لذلك قال الوالي : « ان ذلك لشرف عظيم ولكن الوقت غير مناسب لمثل ذلك وإذا تسرعتم في تنفيذ أمركم فتكون خسارة الدولة على الأمة عظيمة جدا.
** أصر عودة على نقل توجهات مشايخ وزعماء الكرك الذين أمنوه على نقل رغباتهم إلى الوالي وهي إعفاء أبناء الكرك من التجنيد الإجباري أو تأجيل سوقهم لعدة سنوات وان تكون خدمتهم في حال إقرارها في مناطق لواء الكرك وان تحل مشكلة مسح الأراضي بالتفاهم مع مشايخ ووجهاء البلاد وان تعسكر طوابير الفاروقي في أطراف مدينة الكرك وليس في داخلها.
* أما الوالي فقد تراجع عن رأيه وتراجع عن حماسته ونبرة التحدي للغريم سامي الفاروقي وأراد أن يكون صاحب القرار في مسألة التجنيد الإجباري ويضع أهل الكرك أمام واحد من الخيارين :
-الخيار الأول : أن يكون التجنيد مقصورا على الخدمة في لواء الكرك فقط .
- الخيار الثاني : تأجيل التجنيد في الكرك مدة عشر سنين .........
واشترط الوالي موافقة الصدر الأعظم على احد الخيارين واستناداً إلى الباحث محمود سعد عبيدات يقول عودة في مذكراته ما يلي : «وصرح الوالي بأنه لا يوافق على ترتيب لم يحظ بموافقته ثم عاد واقترح الأخذ بأحد أمرين: احدهما. أن يكون التجنيد في الكرك مقصورا على الخدمة في لواء الكرك فقط أو تأجيله مدة عشر سنين ويترك الخيار لأهل الكرك للأخذ بأحدهما. بان أهل الكرك يفضلون تأجيل التجنيد إلى ما بعد عشر سنوات فوعدني بعرض الأمر على مقام الصدارة العظمى والحصول على موافقة السلطان برقيا وسمح لي أن أواصل سفري إلى بيروت وأعود إليه بعد اختتام حفلة توزيع الشهادات اذ يكون قد ورده الجواب فيطلعني عليه.
عودة في بيروت ونتائج :
سافر عودة إلى بيروت لحضور توزيع الشهادات على خريجي كلية الطب البشرى ومشاركة شقيقه حنا القسوس بفرحة التخرج : ® صفحة (77)
(( 1885 – 1953 م ولد في مدينة الكرك :
أول طبيب أردني في القرن العشرين :
وأول أردني نشر له كتاباً باسمه . .
التحق بمدرسة الحكمة في بيروت عام 1901 م . .
فمدرسة عينطورة عام 1904 م . .
ثم المكتب الطبي الفرنسي في بيروت عام 1906 م . .
وحصل على شهادة الطب في تشرين أول 1910 م . .
تدرب في جامعة السوربون في باريس عام 1911 م . .
فترة التدريب في المستشفى الألماني في القدس . .
مارس الطب في اثنين من مستشفيات باريس ..
عين طبيباً في الجيش المصري برتية ملازم أول في بداية 1912 م ..
وعمل في الخرطوم وخدم مع القوات العثمانية أثناء حرب البلقان والحرب العالمية الأولى . . .
وعاد الى القاهرة في شهر آذار 1913 وفتح عيادة خاصة له ؛ وعاد الى الكرك وفتح عيادة خاصة له ..
وفتح عيادة له في دمشق . .أثناء حكم الملك فيصل الأول لسوريا . .
ولدى وجوده في دمشق تم اعتقاله من قبل السلطات العثمانية وأفرجوا عنه ، واستدعوه بعدها للخدمة في عدة مناطق . .
وفتح عيادة له في دمشق . .أثناء حكم الملك فيصل الأول لسوريا . .
عاد للكرك بعد اختلال سوريا من قبل الفرنسيين . .
والى عمان أثناء تأسيس الإمارة عام 1921 م . .
تم تعيينه في الحكومة الأردنية أوائل عام 1922 م حيث انتدب لتلأسيس المستشفى الحكومي في عمان . .
وعمل في المستشفى البلدي / عمان 1923 ، ومستشفى مأدبا 1928 ،
ومستشفى جرش 1931 ، وطبيباً في عجلون 1936 ، واحيل للتقاعد في 1 / 6 / 1938 . .
عين وزيراً للتجارة والصناعة في إمارة شرقي الأردن 1943 / 1944 . .
ترأس الجمعية الخيرية الأرثوذكسية . .
حصل على لقب ( باشا ) من الملك عبد الله 1946. .
ووسام الشجاعة من الحكومة التركية ،
ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى ووسام المقدس ووسام الحكومة اليونانية . .
ولمؤلفات وكتابات عدة . . )).
وكان بنيته الإقامة في بيروت ثلاثة أيام وذلك بناء على رغبة شقيقه إلا أن الوالي أمر بالعودة في اليوم الثاني كان في غاية السعادة بتخرج شقيقه حنا طبيبا ولكن سعادة الأخوين لم تكتمل لأنه لم يستطع أن يصطحب شقيقه معه إلى الكرك والاحتفال به بين الأهل والعشيرة بسبب الظروف غير المستقرة في الكرك فعاد الى دمشق وترك شقيقه في بيروت يحتفل مع أصدقائه بعيدا عن أهله وناسه في الكرك.
يحدثنا الباحث محمود سعد عبيدات يقول عودة : « فعدت في اليوم التالي إلى الشام بعد أن تسلم أخي حنا شهادة الطب من الجامعة اليسوعية بحضور الهيئة الفاحصة المؤلفة من ثلاث أشخاص من أعلام الطب في الدولة العثمانية وثلاثة أعلام في الطب من فرنسا. وقابلت الوالي فأخبرني بأنه قد نجح في مشروعه وأمرني أن أعود إلى الكرك وأزف البشرى إلى مشايخ الكرك».
وفي الكرك كانت المفاجأة ولم يزف البشرى للمشايخ بل المشايخ هم الذين بلغوه بنوايا سامي الفاروقي وضباطه وجنوده .....
استبشر عودة خيرا من الوالي عندما اعلمه بأنه استحصل من السلطان على تأجيل الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة عشر سنوات لأبناء لواء الكرك وأمره بالعودة فورا إلى الكرك ليزف البشرى إلى المشايخ واصدر الوالي أمره إلى إدارة سكة الحديد الحجازية بتأخير حركة القطار إلى ما بعد الظهر، ليكون عودة قد أنجز جميع متطلباته من الشام بناء على طلبه فخرج عودة من عند الوالي مودعا وشاكرا للوالي غيرته واهتمامه وابرق إلى الكرك وطلب أن يقابله بعض المشايخ في محطة القطرانه . . .
جبل الدروز وحوران :
جبل الدروز وحوران :
® صفحة 18
( سنة 1910 : اشتدت الخلافات بين الدروز والحوارنه ، فقامت الحكومة حملة عسكرية قوامها سبعة وثلاثين طابوراً بقيادة سامي باشا الفاروقي للقضاء على الفتنة وتوطيد الأمن والنظام ، وقد قامم الدروز دخول الحملة وجرى قتال بين الطرفين ، كان من نتائجه أن ألقى رجال الجيش القبض على زعماء الدروز وأحالوهم للمحاكمة العرفية ، فاعدم من أعدم وسجن من سجن ، وعندما لاحظ سامي باشا نجاح خططه في جبل الدروز وحوران أراد ان يقوم بنفس الإجراءات في لواء الكرك ، وأرسل برقية الى متصرف الكرك ( ظاهر بك ) وهو من أصل عربي من أجل جمع السلاح وتحير الأراضي والأملاك نفوس السكان ، وعند دعوته هيئة مجلس الإدارة وهيئة المحكمة وشيوخ البلاد كان المعارض الوحيد لدخول قوات سامي باشا ( قـدر المجـالي ) اما البقية فقد خافوا مغبة رفض دخول القوات وتفعل بهم ما فعلت بالدروز وحوران . . ) . .
ثورة الكرك :
® صفحة 18 :
كانت تعبيراً شعبياً صارخاً عن سخط الاهلين واحتجاجهم على سوء الإدارة العثمانية وشطط المسئولين في محاولتهم تطبيق أنظمة وقوانين لا تتفق وأحوال البلاد
أسبابها :
1. قطع الحكومة رواتب المشايخ في عهد المتصرف ( صادق باشا ) ...
2. رفض والي سوريا ( إسماعيل فاضل باشا ) الموافقة على تعيين ( قدر المجالي ) شيخ مشايخ الكرك عضواً لمجلس إدارة اللواء بعد أن فاز بأكثرية الأصوات....
3. إرهاق الحكومة لعامة الناس بالضرائب ....
4. عسف ورشوة وفساد الإدارة العثمانية ...
5. القانون الذي سنته الحكومة ونصت فيه على الخدمة الإجبارية في الجيش وجمع السلاح من الاهلين ، وهذا كان السبب الرئيسي لإعلان العصيان والانتفاض على سلطان الحكومة ..
6. ما أظهره رجال عشيرتي السلايطة والكعابنه من ممانعة في إحصاء نفوسهم بعدما ظهر من سوء تصرفات مأمور الإحصاء المعين لهم . .
® صفحة 21/ 25
كل هذه الأسباب دفعت شيوخ البلاد إلى التفكير جدياً بالثورة........ حتى قرروا أخيراً أن يقوموا بثورة عامة غايتها الفتك بجنود الدولة والتخلص من هذه الإجراءات التي اعتقدوا انها تهدف الى استعبادهم وتشتيتهم والقضاء على مقومات حياتهم الطبيعية وقد تم تعيين يوم الثلاثاء الموافق 23 تشرين الثاني 1910 موعداً لقيام كل عشيرة بمهاجمة الجنود والموظفين ........ على أن الظروف لعبت دورها أيضاً فانفجرت الثورة قبل موعدها المعين ، وذلك على أثر مهاجمة شبان العشائر أحد الضباط وخمسة جنود خلال مرورهم بمضارب عشائر الصرايرة والطراونة والضمور الذين كانوا يضربون خيامهم في أرض مؤتة والمزار وخلال زيارة واجتماع ( الشيخ قدر المجالي ) بهم ..
وتم تبليغ اهل قريتي العراق: الذين هاجموا الجنود ولجنة الإحصاء وتمكنوا من الفتك بهم ....
وخنزيرة : كانوا أقل قسوة إذ اكتفوا بالاستيلاء على أسلحة الجنود وخيولهم ...
بنو حميدة والسلايطة : هاجموا الجنود الذين كانوا يمرون قريباً من ( خربة أم الرصاص ) ...
وتوجه الشيخ قدر المجالي ورجال عشائر الصرايرة والطراونة والضمور باتجاه الكرك ...... واحتلوا دار الحكومة ومركز القيادة ودار البرق والبريد والسجن والمسجد وضربوا الحصار على القلعة ومن فيها ..
وفي محيط الكرك هاجم رجال العشائر موظفي الإحصاء والجنود ، كما هاجم البدو خط سكة حديد الحجازي بين محطتي الجيزة والمدورة وتعطيلها ، واستولوا على بعض محطات السكة وتخريب الجسور ....
وامتدت الثورة إلى معان والطفيلة .....
وعلى أثر نبأ الثورة المفاجئ ، قام سامي الفاروقي بإرسال حملة عسكرية بقيادة القائد صلاح الدين بك ، التي تم وصولها إلى محطة القطرانة بواسطة القطار يوم ( 29 ) أي بعد الثورة بثمانية ايام ،ومن هناك سارت الحملة إلى الكرك وبلغتها في ( 1 ) كانون الأول ، وقاموا بالفتك بالنساء والأطفال والعجزة دون تفرقة بين مقاتلين ومسالمين .. ومنها إلى الطفيلة والى معان موقع ( الشعار ) ، وارتكبوا من الفظائع ما تقشعر له الأبدان ، ونهبوا وسلبوا والقتل رمياً بالرصاص وفرض الغرامات . .
ونتيجة هذه الثورة عزلت الدولة والي سوريا ( إسماعيل فاضل باشا ) بعد أن اتهمه سامي الفاروقي بأنه حرض الاهلين على مقاومة إجراءاته ، وكذلك عزل المتصرف ( طاهر بك ) ، أما ( شاكر باشا ) قائد الحملة الأولى فقد أرسل مخفوراً من الكرك إلى دمشق بتهمة الإهمال والتقصير .
الأميرالاي ( ناجي بك ) خلف القائد صلاح الدين :
قام بمهاجمة مضارب المجالي والحمايدة ...
ومهاجمة أهالي قرى ( كثربا والعراق وخنزيرة ) ...
ومهاجمة عشائر الطراونة والنوايسة والقطاونة ...
ووجهت الحكومة مسؤولية القيام بيالثورة الى عشيرة ( المجالي ) . .
الأميرالاي ( عبد الحميد بك القلطقجي ) : شكل لجنة لتقدير ثمن المنهوبات فقدرتها بمبلغ ( ستين ألف ليرة ذهبية ) تعاون الاهلون على دفع نصفها والنصف الآخر للشيخ ( قدر المجالي ) باعتباره زعيم الثورة ..
على أن يدفع المبلغ على ستة أقساط سنوية وقد صادق والي سوريا ووزير الداخلية على هذا القرار ، ولم يدفع أهل الكرك هذه المبالغ كلها ، فقد تم تحصيل القسط الأول وجزء من القسط الثاني ، وكذلك جرى حجز على أملاك الشيخ ( قدر المجالي ) ،. . . وصرفت الحكومة النظر في العام التالي عن التحصيل لما لحق بأهل الكرك من ويلات ومصائب...
وفي هذا السياق واستناداً الىالأستاذ الباحث محمود سعيد عبيدات يقول عودة في مذكراته:
«فوجدت عددا من شباب العائلة في انتظاري فتوجهت معهم الى الكرك ووصلنا المدينة الساعة الحادية عشرة ليلا وفي الطريق شرحت لرفاقي كل ما دار بيني وبين الوالي «اسماعيل باشا الفاضل» من شؤون وذهب كل منهم يطمئن ذويه لكن مع الاسف منيت كل هذه المساعي بالفشل لان الذعر استولى على الاهلين بسبب قيام الحكومة بعملية تعداد النفوس بحماس شديد الامر الذي دفع الاهلين للقيام بثورة على الحكومة فقتلوا كل من وصلت اليه ايديهم من موظفين وجنود، وباشروا في ثورتهم هذه اعتبارا من منتصف الليلة التي وصلت بها الى الكرك وهي ليلة الاثنين في 22 تشرين ثاني سنة 1910م دون ان يعلموا بما دار بيني وبين الوالي من حلول ومع الفجر وانا في فراشي سمعت قصف المدافع ولعلعة الرصاص فادركت ان الثوار قد هاجموا دار الحكومة».
لم يكن عودة من قادة الثورة ولا من المخططين لها بل قام بدور الوساطة مع الوالي لتجنيب البلاد الخراب على يد الباشا المتعجرف سامي الفاروقي وفي الوقت نفسه لم يكن معاديا للثورة ولا ماشيا بقيادتها وأيضا لم يكن من مؤيديها لذلك اتهم بالتعاون مع الدولة على حساب الثورة « ولم يسلم من الاعتقال والحجز من قبل ضباط وجنود الحملة العسكرية. هذه الحيادية ربما كان عودة يرى فيها مصلحة للبلاد وأهلها لان مثل هذه الظروف تتطلب طرفا ثالثا حتى لا تغلق كل الابواب إمام القوى المتصارعة وعلى الرغم من هذه الحيادية التي وصفت من قبل البعض بـ «الحيادية السلبية» تعرض عودة للوشاية واتهم من قبل السلطة بالتعاون مع جهات أجنبية.
مواقف العائلات المسيحية من الفتنة :
يعد عودة موظفا في الإدارة وحافظ على هذه المهمة بالتزام يشهد له بذلك معظم الذين كان في امرتهم من عسكريين ومدنيين فلم يمارس خلال أعمال الثورة عنفا ثوريا ولم يحمل سلاحا بوجه السلطة لذلك اعتبر مواليا للسلطة في حدود وظيفته فاستغل ذلك ووظف هذه الموالاة لصالح ابناء الكرك ولنساء الكرك وللثوار أيضا فهو الذي أشار إلى العائلات من عشيرته القسوس بضيافة النساء المجاليات . .
نترك الحديث للباحث محمود سعد عبيدات حيث يقول عودة : «كانت نساء المجالي وأطفالهن موزعات في بيوت القسوس» كل هذه المدة «اي خلال ايام الثورة» فاقترحت عليهن ان يطلبن من وكيل المتصرف اعادة مفروشاتهن التي نهبها الجنود وسلموها الى مجلس المنهوبات وكان ذلك باستدعاء قدمته «شقا» ارملة الشيخ محمد المجالي فدعوت المجلس الى الانعقاد وطرحت الاستدعاء للبحث فحضر كثير من الأعضاء غير الكركيين ونقموا علي عندما شعروا باني أميل لإجابة الطلب ورغم كل المعارضات أخذت القرار بالأكثرية لإجابة الطلب ، وإعطاء النساء ما يكفيهن من المفروشات وبعد موافقة وكيل المتصرف على القرار أمرت وكيل المستودعات بدعوة النساء لتسلم المفروشات وفي اليوم التالي طلبت إليهن أن يستدعين لإعطائهن مؤونة من الحبوب فاتخذ القرار بالإجماع وأعطين كفايتهن من الحنطة.
والموقف الآخر كان هو الرد على تقارير القنصليات الفرنسية والبريطانية التي زعمت بان سامي الفاروق أعلن انه سيقتل «النصارى في الكرك مثل غيرهم فالتهمة بالثورة على السلطة ستنال الجميع» وكان القنصل الفرنسي في القدس قد رفع تقريرا الى حكومته ذكر فيه ان الثوار قتلوا جيرانهم النصارى وانه العائلات المسيحية في الكرك تعيش حالات الخوف والرعب من قبل أجهزة الدولة ومن الثوار أيضا «وان العائلات المسيحية تتوقع الذبح وقتل في الكرك حتى الآن أربعة من المسيحيين».
في ظل هذه الشائعات التي وصفها عودة بالفتنة تدخل في الوقت المناسب وتم الاتفاق مع قائد الحملة العسكرية على وضع إشارة على منزل كل بيت يعود للعائلات المسيحية «شريطة ان لا يخرجوا من منازلهم» وقد تم ذلك فعلا ولكن هذا الاتفاق وشرطه كان في صالح الثوار وبخاصة للذين تطاردهم قوات الحملة العسكرية» عندما فتحت العائلات المسيحية ابواب منازلها للهاربين والملاحقين من قبل رجال الجيش والدرك التركي وكان عودة القسوس شخصا يبحث عن المطلوبين ويؤمن لهم الحماية والامان في هذه المنازل كونها معفاة من التفتيش بناء على اتفاقات مسبقة كون الطوائف المسيحية لم تشترك بفعاليات الثورة ولكنها كانت معها بكل عواطفها الوطنية الصادقة».
والموقف الذي تجلت فيه النخوة العربية هو اعتراض عودة على اعتقال النساء الكركيات ونقلهن من سجن الى سجن وبصور وباشكال تعد مخالفة للعادات والقيم العربية وحتى التركية واشار الى ولادة السيدة بندر زوجة الشيخ رفيفان المجالي في سجن معان بانها وصمة عار على الفاروقي وضباطه وجنوده وهي من الكبائر التي ستبقى بعيدة عن النسيان وكان الوليد في سجن معان هو حابس باشا المجالي ولم تكتف السلطات بهذ العار بل قامت بنقل النساء من سجن معان الى سجن الكرك ومن بينهن السيدة بندر في يوم ولادة جنينها حابس
وعندما تسلم الامير اللاي اركان حرب عبد الحميد القلطنجي القيام بأعمال المتصرفية اعتذر للشيخ رفيفان عن هذه الفعلة الشنيعة..
مذكرات عودة وأحداث الكرك :
تعد مذكرات عودة القسوس حول أحداث وثورة الكرك 1910-1911 من أهم الوثائق التاريخية التي أرخت تاريخ وثورة هذه المدينة وشيوخها ولولا هذه المذكرات لكانت الوثائق العثمانية هي المصدر الوحيد للباحثين عن الثورة والتي وصفتها بالتمرد والفتنة والعصيان حتى ان بعض الكتاب العرب الذين لم يطلعوا على مذكرات القسوس أطلقوا على الثورة أسماء أساءت للتاريخ الأردني الحديث بالإضافة إلى الإساءة إلى للكرك وثورتها وقادتها .....
ووصف عودة صلاح الدين وناجي بك وفؤاد بك برجال عصابات ولم يكونوا عند مستوى وظائفهم بعكس أمير اللواء عبد الحميد القلطقجي الذي وضع حدا للإجراءات العسكرية وتنظيم جدول بها»وكان عودة من بين أعضائها واستطاع أن يحقق الكثير للاهلين ويكفى انه فتح بيته وبيوت عائلة القسوس للثوار وللنساء معا ولم يكن مهادنا أبدا ولم يسكت عن اهانه لا عليه وعلى أهالي الكرك ومشايخها . .
اذن كان عودة صاحب موقف ومشورة ويعرف متى يتخذ الموقف ويعطي المشورة
ما قبل الثـورة العـربـية :
يعد المناضل عودة القسوس من «جيل التنوير العربي» الذي أكد على أن الأمة العربية امة واحدة ، ويعتز بشرف الانتماء لهذه الأمة ، ويفخر بحضارتها ومن منهلها التاريخي الإسلامي ، على الرغم من عقيدته المسيحية ، فقد صالح بين العقيدة والعقائدية ، وجعل العباءة العربية الوحيدة التي تلف الجسد العربي ، وهو الذي قال : « إن التزاوج بين الشعور بالإسلام والشعور بالعروبة ازداد قوة بانتشار اللغة العربية وأصبحت تنتشر شرقا وغربا فهذا الشعور المتداخل بين العروبة والإسلام وما رافقه خلال العصور من مساهمة بين العاملين في حقول المعرفة بالعربية حتى لو أنهم لم يعتنقوا الإسلام هو الذي كان أساسا في حياة الناس العاطفية القومية فيما بعد وهو الذي يخمد حينا لكنه يعود إلى الظهور قومية فعالة فجاءت الثورة العربية الكبرى لتؤكد هذه الحقيقة »
وكان عودة من المؤيدين للثورة ، واخذ يبشر بانتصاراتها في الكرك و في القرى المجاورة، وتوجهات الشريف حسين إلى الكرك اخذ يشرح مضامينها إلى مشايخ ووجهاء الكرك . .
وقد اكتشف جمال باشا ، بعض الاتصالات السرية التي يجريها الأمير فيصل مع زعماء ووجهاء الكرك ، ® صفحة 55 ( وفي أيلول أرسل محمد جمال باشا يدعو الشيوخ للتوجه إلى دمشق لكي يحلوا ضيوفا على الحكومة هناك ويبدو أن الحكومة خشيت أن يقوم أهل البلاد في وجهها تعاونا مع الثورة، ولا بد أن أنباء اتصالات فيصل مع بعض الشيوخ قد نمت إلى المسؤولين الأتراك فأرادوا الاحتياط لذلك ، وقد لبى الدعوة عدد كبير من الزعماء ، وبعد أن قضوا مدة في دمشق فوجئوا باعتقال عدد منهم كالشيخ قدر المجالي ، والشيخ حتمل بن زبن وابن عمه تركي بن حيدر، والشيخ عبطان الفايز، والشيخ شهاب الفقير، وقد وجهت إلى المعتقلين تهمة الاتصال بفيصل وقبول هدايا وأسلحة ونقود ) .
النفــي :
بعد فشل الحملة على السويس وهزيمة الأتراك في العراق ، أرسل الشريف حسين ولده الأمير فيصل الى دمشق ، وأرسل الأمير علي الى المدينة المنورة ، وبقي الأمير عبدا لله ملازما لوالده ليساعده على إعداد خطط الثورة التي كان لا بد من إعدادها في مكـة . .
ولكي يغطي جمال باشا هزائمه وفشله في السويس ، بدأ مسلسل الإرهاب والقمع والقتل والنفي بحق زعماء البلاد الشامية وقد صدم الأمير فيصل بالإجراءات التركية فقد وجد ان الفرق العربية قد نقلت الى الأناضول وحل محلها الفرق التركية ، كما تم نفي عدة مئات من الرجال البارزين من البلاد الى الأناضول . .
® صفحة 78 ::
« الأتراك اتخذوا إجراءات في الكرك مماثلة للإجراءات التي اتخذت في السلط ومأدبا ومعان فنفوا من الكرك عددا من الوجهاء بينهم :
عدد من وجهاء الكرك : عودة القسوس ، خليل العكشة ، عبدالله العكشة وغيرهم . .
عدد من وجهاء السلط : صالح خليفة ، مطلق المفلح ، خليفة عبد المهدي ، يعقوب سكر ،صالح البخيت واخوانه الثلاثة ، مفضي النجداوي . .
واعدموا : احمد الكايد ( شقيق اديب الكايد وهو من عشيرة العواملة ) . .
مصلح الفاضل الربيع ( من عشيرة القطيشات ) . .
وآخر من عرب التعامرة . .
مادبا :يعقوب الشويحات، ابراهيم جمعان ، ابراهيم الطوال ، يوسف معايعه ، وسليم مرار وغيرهم . .
معان : عبدا لرحمن ماضي ، احمد ماضي ، محمد عبد الجواد ، وغيرهم الى مدين حماة ، وكانت تهمة المنفيين من معان ان لهم اتصالات مع جيش الأمير فيصل ».
وضرب الأتراك مدينة السلط بقنابل المدفعية وكادوا أن يدمروها تدميراً كاملاً . . لولا تدخل جمال باشا شخصياً . .!!
ونهب الأتراك قرية الفحيص . .
لم يكن عودة من قادة الثورة ولا من المخططين لها بل قام بدور الوساطة مع الوالي لتجنيب البلاد الخراب على يد الباشا المتعجرف سامي الفاروقي وفي الوقت نفسه لم يكن معاديا للثورة ولا ماشيا بقيادتها وأيضا لم يكن من مؤيديها لذلك اتهم بالتعاون مع الدولة على حساب الثورة « ولم يسلم من الاعتقال والحجز من قبل ضباط وجنود الحملة العسكرية ، هذه الحيادية ربما كان عودة يرى فيها مصلحة للبلاد وأهلها لان مثل هذه الظروف تتطلب طرفا ثالثا حتى لا تغلق كل الأبواب إمام القوى المتصارعة وعلى الرغم من هذه الحيادية التي وصفت من قبل البعض بـ «الحيادية السلبية » تعرض عودة للوشاية واتهم من قبل السلطة بالتعاون مع جهات أجنبية.
كان اسم عودة القسوس يتردد في الجلسات السرية التي تعقدها الهيئات التنفيذية للجمعيات العربية المناهضة للفكر والسيطرة العنصري الذي ساد الإمبراطورية العثمانية بعد الانقلاب العسكري على السلطان عبد الحميد من قبل حزب الاتحاد والترقي وفي المقابل كانت السلطات الحاكمة تعمل جاهدة على استمالة الشخصيات العشائرية المتنورة إلى جانبها بعد أن نقدت بريقها الذي كان قبل نفوذ الحركة الصهيونية والحركة الماسونية في القرار السياسي فكان عودة القسوس من الشخصيات الوطنية المتأثر بالعمل النضالي الوطني الذي ساد الجنوب الأردني ظل وفيا للنهج الوطني العربي مدافعا عن لغته وتاريخه وحضارته وكان مع المناضل مصطفى وهبي التل «عرار» السيف القاطع على من حاول التطاول على الشخصية العربية الأردنية في بعدها العربي والتاريخي ولم يتعصب ولم ينحز الا للوطن ، وكان رمزا من رموز الحركة الوطنية ...
والشيء الذي يميزه هو التوازن في شخصيته وقدرته على المصالحة ما بين الاضداد كان يملك القدرة على تكييف ذاته وفقا للأوضاع المستجدة هو محرك سلوكي لانه متصل بدافع المحافظة على البقاء والاستمرارية ، ويقتضي التكيف مرونة عقلية وسرعة في البديهة ...
الوظائف التي شغلها في العهد العثماني
متصرفية الكرك :
® صفحة 8 / 9 :
كانت الحكومة العثمانية في بادئ الأمر قد قررت أن تكون ( معان ) مركزاً لمصرفية اللواء وأن تكون الكرك والسلط والطفيلة قائمقاميات تابعة لـ ( معان ) ، واعتبرت حدود هذا اللواء : وادي السرحان شرقاً ، نهر الأردن – البحر الميت – وادي عربة غرباً ، نهر الزرقاء شمالاً ، ومداين صالح جنوباً ، وأن يكون اللواء مرتبطاً بوالي سوريا في دمشق ، ولكن الأهلين احتجوا على هذا الإجراء ورأت الحكومة أن ( الكرك ) أكثر ملائمة ، فأصدر السلطان أمرا باعتبار ( الكرك ) مركزاً للواء ،وجعل أقضية معان والسلط والطفيلة وناحيتي تبوك ومدائن صالح تابعة لها ..
بقيت المنطقة الجنوبية دون حكومة بعد انسحاب إبراهيم باشا .........
عام 1893 أوعزت الحكومة العثمانية في الآستانة إلى والي الشام ( رؤوف باشا ) للعمل على احتلال المنطقة وتوطيد الأمن فيها ..... وعين حسين حلمي باشا متصرفاً للواء الكرك .. وخصص لهم ( شيوخ الكرك ) رواتب شهرية ، مشترطاً أن يكونوا هيئة انضباط تساعد في اقرار الأمن...
بنى المتصرف حسين حلمي باشا : داراً للحكومة مقابل القلعة القديمة وجامعاً إلى جوارها ، وعمل على إصلاح القلعة لتكون مسكناً للجنود ، ثم بدأ يفرض الضرائب على الاهلين ، وفتح مدرسة ابتدائية . .
وبعد ثلاث سنوات عين للمتصرفية خلفاً له : ( صادق باشا ) ، شقيق الصدر الأعظم كامل باشا ، وكان رجلاً مرتشياً معتداً بمركز أخيه ، وفي عهده قطعت الحكومة رواتب المشايخ ...
وتولى المتصرفية بعد ذلك ( رشيد باشا ) : كان رجلاً قانونياً محباً للعمران ، أنشأ في الكرك مدرسة من تبرعات الأهلين وباشر بتجديد بناء ( الجامع العمري ) ، كما أنشأ داراً للحكومة في السلط ، وأخرى في الطفيلة ، وفي عهد هذا المتصرف بدأ أهل الكرك ببناء قرىً جديدة في منطقتهم ، نقل ( رشيد باشا ) قبل أن تجيب الحكومة طلبه بتأسيس محكمة نظامية في الكرك.
الشيخ قدر المجالي الشيخ ساهر المعايطة الشيخ حسين الطراونة السيد عودة القسوس.
تم تعيين ( مصطفى بك العابد ) شقيق عزت باشا العابد صديق السلطان عبد الحميد ، وقد كان رجلاً مغروراً يقبل الرشوة علناً ولا يبالي بأحد ، وفي عهد هذا المتصرف تشكلت في الكرك محكمة نظامية عام 1902 .
منذ عام 1892 إلى بدايات شهر شباط من عام 1902 لم يكن في الكرك مجلس قضاء ولا حتى محكمة تدار من قبل قضاة إنما كانت سلطة المتصرف فوق كل القوانين وكانت قراراته تصدر عن ديوانه دون الرجوع أحيانا إلى أعضاء مجلس إدارة المتصرفية ..
عندما انشأت الدولة العثمانية في الكرك متصرفية تشمل الجنوب الاردني وقضاء البلقاء «السلط» عين عودة القسوس عضوا في مجلس ادارة اللواء وقيل: كان عودة القسوس يتولى في مجلس إدارة الكرك تمثيل الطائفة الأرثوذكسية و كان متصرف اللواء لا يعرف شيئا من اللغة العربية ولم يفهم عليه من أعضاء المجلس إلا عودة القسوس والشيخ حسين الطراونة الذي مثل المسلمين في المجلس باعتبارهما ملمان باللغة التركية » .
( مجلس المبعوثان ومجلس الولاية ) :
® صفحة 10 :
بعد الانقلاب العثماني سنة 1908 جرت أول انتخابات لمجلس المبعوثان وانتخب توفيق المجالي مبعوثاً عن لواء الكرك وهو الأردني الوحيد الذي حصل على عضوية ذلك المجلس ، أما لواء حوران فقد مثله سعد الدين المقداد . .
وهذا المجلس بمثابة مجلس نواب خاص لإدارة الولاية ينتخب أعضاؤه من قبل مجالس الإدارة في الأقضية ، وقد جرت الانتخابات لعضوية المجلس عل فترتين ، فانتخب عن شرقي الأردن في الفترة الأولى السادة :
عودة القسوس عن الكرك . .
يوسف السكر عن السلط . .
عبد النبي النسعة عن معان . .
عبد المهدي محمود عن الطفيلة . .
عبد القادر التـل وعبد العزيز الكـايد ( العـتوم ) عن قضائي عجلون وجرش . .
أما الفترة الثانية فقد مثل شرقي الأردن السادة :
زعل المجالي ، محمد الحسين ، علاء الدين طوقان ، خليل التلهوني ، حسن العطيوي ، نجيب الشريدة ، وشوكت حميد .
عقد مجلس المبعوثان ثلاث مرات وكان مجلس عام 1908 وهو المجلس الثاني أما المجلس الثالث فقد كان عام 1914 واستمر حتى نهاية الحرب الكبرى ( 1918 ) ومثل توفيق المجالي لواء الكرك في المجلسين الثاني والثالث ) .
أحداث الكرك :
® صفحة 18 :
كانت تعبيراً شعبياً صارخاً عن سخط الاهلين واحتجاجهم على سوء الإدارة العثمانية وشطط المسئولين في محاولتهم تطبيق أنظمة وقوانين لا تتفق وأحوال البلاد
أسبابها :
1. قطع الحكومة رواتب المشايخ في عهد المتصرف ( صادق باشا ) ...
2. رفض والي سوريا ( إسماعيل فاضل باشا ) الموافقة على تعيين ( قدر المجالي ) شيخ مشايخ الكرك عضواً لمجلس إدارة اللواء بعد أن فاز بأكثرية الأصوات....
3. إرهاق الحكومة لعامة الناس بالضرائب ....
4. عسف ورشوة وفساد الإدارة العثمانية ...
5. القانون الذي سنته الحكومة ونصت فيه على الخدمة الإجبارية في الجيش وجمع السلاح من الاهلين ، وهذا كان السبب الرئيسي لإعلان العصيان والانتفاض على سلطان الحكومة ..
6. ما أظهره رجال عشيرتي السلايطة والكعابنه من ممانعة في إحصاء نفوسهم بعدما ظهر من سوء تصرفات مأمور الإحصاء المعين لهم .
بعد انطلاقة ثورة الكرك بقيادة الشيخ قدر بن صالح المجالي أصبح أمام خيارات يصعب اختيار واحدة منها ولكن الشيء الذي أخاف عودة تلك التصريحات التي أطلقها القنصل الفرنسي في القدس والتي مفادها أن سامي الفاروقي قائد الحملة على الكرك سيقتل أهل الكرك بمسلميها وبمسيحييها ويومها اعتبر عودة التصريحات مقدمة للفتنة في الكرك.
أما توفيق المجالي النائب في البرلمان العثماني (مجلس المبعوثان) والمقيم في العاصمة استانبول كشف ان الوالي والمتصرف هما أداة للتنفيذ فقط وان القيادة السياسية المركزية وبتخطيط من الحركتين الصهيونية والماسونية ستعمل على إشغال المواطنين في محاربات داخلية عشائرية ومذهبية والغرض من ذلك ان لا تتكرر الهبات الشعبية والمهيأة في جبل الدروز وجبل شيحان الكرك وفي الوقت نفسه إثارة الفتن بين القبائل البدوية والقبائل الفلاحية . .
ومما لا شك فيه ان الادارة العثمانية كان لها مصلحة في انتصار قوى الاستقرار والفلاحة بما يضمن لها تأمين طريق الحج والتوقف عن دفع الإتاوات للقبائل وفي الوقت نفسه تحصيل الضرائب بصورة مجدية ومنتظمة.
وبعد أن آلت السيطرة الفلاحية قررت السلطات إضعاف النزعة الفلاحية العشائرية لصالحها . .
وفي مجال الفتنة المذهبية قامت السلطات بتحريكها ما بين جبل الدروز حيث الاكثرية الدرزية وسهل حوران حيث الأكثرية السنية وستوظف هذه النزاعات والمحاربة بين الجيران لتحقيق اغراضها ...
بعد حوارات حوران وجبل الدروز تذكر زعماء الكرك ما أعلمهم به توفيق المجالي عضو مجلس النواب العثماني بان السلطات المركزية تخطط لإجراءات مجملها إضعاف الشخصية الاعتبارية لزعماء ومشايخ المنطقة وسوق شبابها إلى الجندية الإجبارية بالإضافة إلى إفراغ المنطقة من الشخصيات المتهمة بالانضمام إلى الجمعية المحمدية التي تسعى إلى إعادة السلطان عبد الحميد إلى العرش السلطاني العثماني
تأديب جبل الدروز وحوران والكرك كون هذه المناطق تحتفظ بأسلحة كثيرة يستخدمها الأهالي للدفاع عن النفس من هجمات البدو وللتباهي بحملها وهي من مكونات الشخصية العربية ...
نفذت المرحلة الأولى من حملة سامي الفاروقي في جبل الدروز بنجاح وقرر البدء بالمرحلة الثانية في لواء الكرك وبنفس القوة العسكرية التي هاجمت الجبل :
* لم تكن حرية الرأي من ثقافة حزب الاتحاد والترقي الحاكم وبخاصة مع الولايات غير التركية كانت جمعية الاتحاد والترقي تميل إلى المركزية الشديدة وترى الحل الوحيد لهذه المشكلة أي مشكلة الأقوام المختلفة عربا كانوا أم غير عرب هو أن تأخذهم بالشدة والعنف والاستغلال ولا تؤخذ اجتهاداتهم على مبدأ الحرية فالحرية والرأي لغير التركي تذكرهم بأمجادهم التي ذهبت.
* قال عودة القسوس : حرية الرأي ولا حرية قرار الرفض وإلا ستطبق الفئة الحاكمة فلسفتها بالحكم تجاه العرب الشدة العنف الاستغلال .
* مارس الشيخ المناضل قدر المجالي حريته ورفض مجمل طلبات الفاروقي واعتبر برقيته اهانه
مقصودة مبرمجة للمشاعر والقيم فكانت النتيجة عدم الأخذ برأيه ومصادرة حريته وتزوير ختمه واتهامه بالتمرد .
مقابلة الوالي إسماعيل فاضل:
تجاوزات سامي الفاروقي :
اعتقد سامي الفاروقي ان سياسته القائمة على قاعدة الترهيب قد نجحت في الكرك فعندما تسلم العريضة المختومة بتواقيع وأختام مشايخ الكرك بالفرح والسرور واعتبر ذلك انجازا له وللمتصرف جهز حملة الغزو من ثلاثة طوابير عسكرية بقيادة اللواء شاكر باشا لاستكمال الإجراءات وقبل وصول قوة الغزو الى العراق
وكان عودة القسوس في بيروت قد عزم الرأي لحضور حفل تخرج شقيقه الطبيب الخريج « حنا القسوس » وتوزيع الشهادات بمناسبة تخرجه من كلية الطب الجامعة اليسوعية فقرر المشاركة بفرحة شقيقه بالسفر إلى دمشق ومنها الى بيروت فانتشر خبر سفر عودة إلى بيروت وجاءه الأهالي للتهنئة بأول طبيب كركي في العصر الحديث ومن بينهم المشايخ . .
وحمل المشايخ عودة وطلبوا إليه بإلحاح أن يقابل الوالي وان يعرض عليه صعوبة تنفيذ مطالب سامي باشا وما تجره على البلاد من فوضى واضطرابات نحن في غنى عنها في مثل هذا الوقت وأشاروا عليه أن يخبرهم برقيا بموقف الوالي من ذلك.
ويتوقعون خيرا من مقابلته لسعادة الوالي إسماعيل باشا الفاضل وان الحديث بينهما سيكون مباشرة لان عودة يتكلم التركية بشكل جيد ويجيد الحوار مع المسئولين الكبار، وتحكم وبلا صعوبة من الاجتماع مع سعادة الوالي ومنذ بداية اللقاء خرج عودة بالانطباعات التالية:
1- أن قائد الحملة سامي الفاروقي قد تجاوز حدود صلاحياته ولم يأخذ برأي ومشورة الوالي بالإجراءات التي فرضها على الاهلين في الكرك
2- ان مرجعية الفاروقي هي القيادة العليا في استانبول وليس الوالي بدمشق وانه الفاروقي يطمح بولاية الشام ويسعى للخلاص من إسماعيل باشا
3- ان الوالي يعرف جيدا أن المتصرف ضعيف الشخصية ولا يملك من مقومات الرجل الإداري شيئا واحدا ووصفه بالجبان . .
4- ان ردود الفعل عند الوالي جعلته يتخبط بآرائه :
كان الوالي صادقا عندما قال لعودة القسوس ان سامي باشا خدعكم في تأجيل التجنيد الإجباري لان مثل هذا القرار لا يصدر إلا عن السلطان أو عن من ينوب عنه وهذا يعني أن قرار التجنيد قد صدر منذ أحداث حوران وجبل العرب وإلا لماذا الحملة على الكرك والتجنيد يشمل الأعمار المتقدمة وليس الشباب فقط بدليل أن الوالي قال لعودة في اللقاء الأول : « وها أنا آمر بسرعة التجنيد واطلب إليك أن تساعد على ذلك فتعود إلى الكرك وتذهب فورا الى الثكنة العسكرية وتطلب إلى القائد أن يسلمك ألبسة الجندية والسلاح وتكون أول من ينخرط في الجندية وأول من يحصل على هذا الشرف في الكرك وعليك أن تقنع ذويك وكل من تستطع إقناعهم لإتباع أمرك.
* تظاهر الوالي بالاقتناع ولكن كل ما يريد هو ان يثبت لعودة القسوس انه ما زال صاحب قرار وانه هو المرجعية الوحيدة في بلاد الشام......
* وكان المهم عند الوالي/ ودعوته لقيادة فرع الحزب الحاكم في دمشق اي « فرع حزب الاتحاد والترقي الحاكم في دمشق » إلا ليضعهم في صورة التجاوزات التي أقدم عليها سامي الفاروقي وهي المكلفة بمراقبة الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة وأراد الوالي أن يكون عودة القسوس الشاهد على مخالفات الفاروقي أمام الحزب الحاكم.....
* أما موقف ممثل حزب الاتحاد والترقي فهو لا يقل استفزازا من قيادته السياسية العليا فحديثه بعيدا عن المشكلة موضوع البحث واعتبر ان المهمة الأساس لكل مؤسسات الدولة هي تتريك البلاد العربية وليس اللغة فقط وقال بصراحة وقحة : « ان المصلحة تقضي على حكومة الأستانة تحويل البلاد السورية والعراق الى مستعمرات تركية لنشر اللغة التركية التي يجب ان تكون لغة الدين .
** شعر عودة بان الوالي يهدف ويسعى إلى إضعاف سامي باشا الفاروقي وقياداته العسكرية باستقطاب العائلات المسيحية عن طريق عودة ويكون الوالي قد نجح ولو مؤقتا في خلق محور يعمل لصالحه ضد الفاروقي والمتصرف محمد طاهر ولكنه كان واعيا ولا يريد أن يسجل واحدة على نفسه أمام العائلات الكركية ويكون أول من يلبس البذلة العسكرية ولا يريد أيضا أن يكون كبش فداء للصراع بين الوالي وقيادات الغزو على الكرك لذلك قال الوالي : « ان ذلك لشرف عظيم ولكن الوقت غير مناسب لمثل ذلك وإذا تسرعتم في تنفيذ أمركم فتكون خسارة الدولة على الأمة عظيمة جدا.
** أصر عودة على نقل توجهات مشايخ وزعماء الكرك الذين أمنوه على نقل رغباتهم إلى الوالي وهي إعفاء أبناء الكرك من التجنيد الإجباري أو تأجيل سوقهم لعدة سنوات وان تكون خدمتهم في حال إقرارها في مناطق لواء الكرك وان تحل مشكلة مسح الأراضي بالتفاهم مع مشايخ ووجهاء البلاد وان تعسكر طوابير الفاروقي في أطراف مدينة الكرك وليس في داخلها.
* أما الوالي فقد تراجع عن رأيه وتراجع عن حماسته ونبرة التحدي للغريم سامي الفاروقي وأراد أن يكون صاحب القرار في مسألة التجنيد الإجباري ويضع أهل الكرك أمام واحد من الخيارين :
-الخيار الأول : أن يكون التجنيد مقصورا على الخدمة في لواء الكرك فقط .
- الخيار الثاني : تأجيل التجنيد في الكرك مدة عشر سنين .........
واشترط الوالي موافقة الصدر الأعظم على احد الخيارين واستناداً إلى الباحث محمود سعد عبيدات يقول عودة في مذكراته ما يلي : «وصرح الوالي بأنه لا يوافق على ترتيب لم يحظ بموافقته ثم عاد واقترح الأخذ بأحد أمرين: احدهما. أن يكون التجنيد في الكرك مقصورا على الخدمة في لواء الكرك فقط أو تأجيله مدة عشر سنين ويترك الخيار لأهل الكرك للأخذ بأحدهما. بان أهل الكرك يفضلون تأجيل التجنيد إلى ما بعد عشر سنوات فوعدني بعرض الأمر على مقام الصدارة العظمى والحصول على موافقة السلطان برقيا وسمح لي أن أواصل سفري إلى بيروت وأعود إليه بعد اختتام حفلة توزيع الشهادات اذ يكون قد ورده الجواب فيطلعني عليه.
عودة في بيروت ونتائج :
سافر عودة إلى بيروت لحضور توزيع الشهادات على خريجي كلية الطب البشرى ومشاركة شقيقه حنا القسوس بفرحة التخرج : ® صفحة (77)
(( 1885 – 1953 م ولد في مدينة الكرك :
أول طبيب أردني في القرن العشرين :
وأول أردني نشر له كتاباً باسمه . .
التحق بمدرسة الحكمة في بيروت عام 1901 م . .
فمدرسة عينطورة عام 1904 م . .
ثم المكتب الطبي الفرنسي في بيروت عام 1906 م . .
وحصل على شهادة الطب في تشرين أول 1910 م . .
تدرب في جامعة السوربون في باريس عام 1911 م . .
فترة التدريب في المستشفى الألماني في القدس . .
مارس الطب في اثنين من مستشفيات باريس ..
عين طبيباً في الجيش المصري برتية ملازم أول في بداية 1912 م ..
وعمل في الخرطوم وخدم مع القوات العثمانية أثناء حرب البلقان والحرب العالمية الأولى . . .
وعاد الى القاهرة في شهر آذار 1913 وفتح عيادة خاصة له ؛ وعاد الى الكرك وفتح عيادة خاصة له ..
وفتح عيادة له في دمشق . .أثناء حكم الملك فيصل الأول لسوريا . .
ولدى وجوده في دمشق تم اعتقاله من قبل السلطات العثمانية وأفرجوا عنه ، واستدعوه بعدها للخدمة في عدة مناطق . .
وفتح عيادة له في دمشق . .أثناء حكم الملك فيصل الأول لسوريا . .
عاد للكرك بعد اختلال سوريا من قبل الفرنسيين . .
والى عمان أثناء تأسيس الإمارة عام 1921 م . .
تم تعيينه في الحكومة الأردنية أوائل عام 1922 م حيث انتدب لتلأسيس المستشفى الحكومي في عمان . .
وعمل في المستشفى البلدي / عمان 1923 ، ومستشفى مأدبا 1928 ،
ومستشفى جرش 1931 ، وطبيباً في عجلون 1936 ، واحيل للتقاعد في 1 / 6 / 1938 . .
عين وزيراً للتجارة والصناعة في إمارة شرقي الأردن 1943 / 1944 . .
ترأس الجمعية الخيرية الأرثوذكسية . .
حصل على لقب ( باشا ) من الملك عبد الله 1946. .
ووسام الشجاعة من الحكومة التركية ،
ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى ووسام المقدس ووسام الحكومة اليونانية . .
ولمؤلفات وكتابات عدة . . )).
وكان بنيته الإقامة في بيروت ثلاثة أيام وذلك بناء على رغبة شقيقه إلا أن الوالي أمر بالعودة في اليوم الثاني كان في غاية السعادة بتخرج شقيقه حنا طبيبا ولكن سعادة الأخوين لم تكتمل لأنه لم يستطع أن يصطحب شقيقه معه إلى الكرك والاحتفال به بين الأهل والعشيرة بسبب الظروف غير المستقرة في الكرك فعاد الى دمشق وترك شقيقه في بيروت يحتفل مع أصدقائه بعيدا عن أهله وناسه في الكرك.
يحدثنا الباحث محمود سعد عبيدات يقول عودة : « فعدت في اليوم التالي إلى الشام بعد أن تسلم أخي حنا شهادة الطب من الجامعة اليسوعية بحضور الهيئة الفاحصة المؤلفة من ثلاث أشخاص من أعلام الطب في الدولة العثمانية وثلاثة أعلام في الطب من فرنسا. وقابلت الوالي فأخبرني بأنه قد نجح في مشروعه وأمرني أن أعود إلى الكرك وأزف البشرى إلى مشايخ الكرك».
وفي الكرك كانت المفاجأة ولم يزف البشرى للمشايخ بل المشايخ هم الذين بلغوه بنوايا سامي الفاروقي وضباطه وجنوده .....
استبشر عودة خيرا من الوالي عندما اعلمه بأنه استحصل من السلطان على تأجيل الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة عشر سنوات لأبناء لواء الكرك وأمره بالعودة فورا إلى الكرك ليزف البشرى إلى المشايخ واصدر الوالي أمره إلى إدارة سكة الحديد الحجازية بتأخير حركة القطار إلى ما بعد الظهر، ليكون عودة قد أنجز جميع متطلباته من الشام بناء على طلبه فخرج عودة من عند الوالي مودعا وشاكرا للوالي غيرته واهتمامه وابرق إلى الكرك وطلب أن يقابله بعض المشايخ في محطة القطرانه . . .
جبل الدروز وحوران :
جبل الدروز وحوران :
® صفحة 18
( سنة 1910 : اشتدت الخلافات بين الدروز والحوارنه ، فقامت الحكومة حملة عسكرية قوامها سبعة وثلاثين طابوراً بقيادة سامي باشا الفاروقي للقضاء على الفتنة وتوطيد الأمن والنظام ، وقد قامم الدروز دخول الحملة وجرى قتال بين الطرفين ، كان من نتائجه أن ألقى رجال الجيش القبض على زعماء الدروز وأحالوهم للمحاكمة العرفية ، فاعدم من أعدم وسجن من سجن ، وعندما لاحظ سامي باشا نجاح خططه في جبل الدروز وحوران أراد ان يقوم بنفس الإجراءات في لواء الكرك ، وأرسل برقية الى متصرف الكرك ( ظاهر بك ) وهو من أصل عربي من أجل جمع السلاح وتحير الأراضي والأملاك نفوس السكان ، وعند دعوته هيئة مجلس الإدارة وهيئة المحكمة وشيوخ البلاد كان المعارض الوحيد لدخول قوات سامي باشا ( قـدر المجـالي ) اما البقية فقد خافوا مغبة رفض دخول القوات وتفعل بهم ما فعلت بالدروز وحوران . . ) . .
ثورة الكرك :
® صفحة 18 :
كانت تعبيراً شعبياً صارخاً عن سخط الاهلين واحتجاجهم على سوء الإدارة العثمانية وشطط المسئولين في محاولتهم تطبيق أنظمة وقوانين لا تتفق وأحوال البلاد
أسبابها :
1. قطع الحكومة رواتب المشايخ في عهد المتصرف ( صادق باشا ) ...
2. رفض والي سوريا ( إسماعيل فاضل باشا ) الموافقة على تعيين ( قدر المجالي ) شيخ مشايخ الكرك عضواً لمجلس إدارة اللواء بعد أن فاز بأكثرية الأصوات....
3. إرهاق الحكومة لعامة الناس بالضرائب ....
4. عسف ورشوة وفساد الإدارة العثمانية ...
5. القانون الذي سنته الحكومة ونصت فيه على الخدمة الإجبارية في الجيش وجمع السلاح من الاهلين ، وهذا كان السبب الرئيسي لإعلان العصيان والانتفاض على سلطان الحكومة ..
6. ما أظهره رجال عشيرتي السلايطة والكعابنه من ممانعة في إحصاء نفوسهم بعدما ظهر من سوء تصرفات مأمور الإحصاء المعين لهم . .
® صفحة 21/ 25
كل هذه الأسباب دفعت شيوخ البلاد إلى التفكير جدياً بالثورة........ حتى قرروا أخيراً أن يقوموا بثورة عامة غايتها الفتك بجنود الدولة والتخلص من هذه الإجراءات التي اعتقدوا انها تهدف الى استعبادهم وتشتيتهم والقضاء على مقومات حياتهم الطبيعية وقد تم تعيين يوم الثلاثاء الموافق 23 تشرين الثاني 1910 موعداً لقيام كل عشيرة بمهاجمة الجنود والموظفين ........ على أن الظروف لعبت دورها أيضاً فانفجرت الثورة قبل موعدها المعين ، وذلك على أثر مهاجمة شبان العشائر أحد الضباط وخمسة جنود خلال مرورهم بمضارب عشائر الصرايرة والطراونة والضمور الذين كانوا يضربون خيامهم في أرض مؤتة والمزار وخلال زيارة واجتماع ( الشيخ قدر المجالي ) بهم ..
وتم تبليغ اهل قريتي العراق: الذين هاجموا الجنود ولجنة الإحصاء وتمكنوا من الفتك بهم ....
وخنزيرة : كانوا أقل قسوة إذ اكتفوا بالاستيلاء على أسلحة الجنود وخيولهم ...
بنو حميدة والسلايطة : هاجموا الجنود الذين كانوا يمرون قريباً من ( خربة أم الرصاص ) ...
وتوجه الشيخ قدر المجالي ورجال عشائر الصرايرة والطراونة والضمور باتجاه الكرك ...... واحتلوا دار الحكومة ومركز القيادة ودار البرق والبريد والسجن والمسجد وضربوا الحصار على القلعة ومن فيها ..
وفي محيط الكرك هاجم رجال العشائر موظفي الإحصاء والجنود ، كما هاجم البدو خط سكة حديد الحجازي بين محطتي الجيزة والمدورة وتعطيلها ، واستولوا على بعض محطات السكة وتخريب الجسور ....
وامتدت الثورة إلى معان والطفيلة .....
وعلى أثر نبأ الثورة المفاجئ ، قام سامي الفاروقي بإرسال حملة عسكرية بقيادة القائد صلاح الدين بك ، التي تم وصولها إلى محطة القطرانة بواسطة القطار يوم ( 29 ) أي بعد الثورة بثمانية ايام ،ومن هناك سارت الحملة إلى الكرك وبلغتها في ( 1 ) كانون الأول ، وقاموا بالفتك بالنساء والأطفال والعجزة دون تفرقة بين مقاتلين ومسالمين .. ومنها إلى الطفيلة والى معان موقع ( الشعار ) ، وارتكبوا من الفظائع ما تقشعر له الأبدان ، ونهبوا وسلبوا والقتل رمياً بالرصاص وفرض الغرامات . .
ونتيجة هذه الثورة عزلت الدولة والي سوريا ( إسماعيل فاضل باشا ) بعد أن اتهمه سامي الفاروقي بأنه حرض الاهلين على مقاومة إجراءاته ، وكذلك عزل المتصرف ( طاهر بك ) ، أما ( شاكر باشا ) قائد الحملة الأولى فقد أرسل مخفوراً من الكرك إلى دمشق بتهمة الإهمال والتقصير .
الأميرالاي ( ناجي بك ) خلف القائد صلاح الدين :
قام بمهاجمة مضارب المجالي والحمايدة ...
ومهاجمة أهالي قرى ( كثربا والعراق وخنزيرة ) ...
ومهاجمة عشائر الطراونة والنوايسة والقطاونة ...
ووجهت الحكومة مسؤولية القيام بيالثورة الى عشيرة ( المجالي ) . .
الأميرالاي ( عبد الحميد بك القلطقجي ) : شكل لجنة لتقدير ثمن المنهوبات فقدرتها بمبلغ ( ستين ألف ليرة ذهبية ) تعاون الاهلون على دفع نصفها والنصف الآخر للشيخ ( قدر المجالي ) باعتباره زعيم الثورة ..
على أن يدفع المبلغ على ستة أقساط سنوية وقد صادق والي سوريا ووزير الداخلية على هذا القرار ، ولم يدفع أهل الكرك هذه المبالغ كلها ، فقد تم تحصيل القسط الأول وجزء من القسط الثاني ، وكذلك جرى حجز على أملاك الشيخ ( قدر المجالي ) ،. . . وصرفت الحكومة النظر في العام التالي عن التحصيل لما لحق بأهل الكرك من ويلات ومصائب...
وفي هذا السياق واستناداً الىالأستاذ الباحث محمود سعيد عبيدات يقول عودة في مذكراته:
«فوجدت عددا من شباب العائلة في انتظاري فتوجهت معهم الى الكرك ووصلنا المدينة الساعة الحادية عشرة ليلا وفي الطريق شرحت لرفاقي كل ما دار بيني وبين الوالي «اسماعيل باشا الفاضل» من شؤون وذهب كل منهم يطمئن ذويه لكن مع الاسف منيت كل هذه المساعي بالفشل لان الذعر استولى على الاهلين بسبب قيام الحكومة بعملية تعداد النفوس بحماس شديد الامر الذي دفع الاهلين للقيام بثورة على الحكومة فقتلوا كل من وصلت اليه ايديهم من موظفين وجنود، وباشروا في ثورتهم هذه اعتبارا من منتصف الليلة التي وصلت بها الى الكرك وهي ليلة الاثنين في 22 تشرين ثاني سنة 1910م دون ان يعلموا بما دار بيني وبين الوالي من حلول ومع الفجر وانا في فراشي سمعت قصف المدافع ولعلعة الرصاص فادركت ان الثوار قد هاجموا دار الحكومة».
لم يكن عودة من قادة الثورة ولا من المخططين لها بل قام بدور الوساطة مع الوالي لتجنيب البلاد الخراب على يد الباشا المتعجرف سامي الفاروقي وفي الوقت نفسه لم يكن معاديا للثورة ولا ماشيا بقيادتها وأيضا لم يكن من مؤيديها لذلك اتهم بالتعاون مع الدولة على حساب الثورة « ولم يسلم من الاعتقال والحجز من قبل ضباط وجنود الحملة العسكرية. هذه الحيادية ربما كان عودة يرى فيها مصلحة للبلاد وأهلها لان مثل هذه الظروف تتطلب طرفا ثالثا حتى لا تغلق كل الابواب إمام القوى المتصارعة وعلى الرغم من هذه الحيادية التي وصفت من قبل البعض بـ «الحيادية السلبية» تعرض عودة للوشاية واتهم من قبل السلطة بالتعاون مع جهات أجنبية.
مواقف العائلات المسيحية من الفتنة :
يعد عودة موظفا في الإدارة وحافظ على هذه المهمة بالتزام يشهد له بذلك معظم الذين كان في امرتهم من عسكريين ومدنيين فلم يمارس خلال أعمال الثورة عنفا ثوريا ولم يحمل سلاحا بوجه السلطة لذلك اعتبر مواليا للسلطة في حدود وظيفته فاستغل ذلك ووظف هذه الموالاة لصالح ابناء الكرك ولنساء الكرك وللثوار أيضا فهو الذي أشار إلى العائلات من عشيرته القسوس بضيافة النساء المجاليات . .
نترك الحديث للباحث محمود سعد عبيدات حيث يقول عودة : «كانت نساء المجالي وأطفالهن موزعات في بيوت القسوس» كل هذه المدة «اي خلال ايام الثورة» فاقترحت عليهن ان يطلبن من وكيل المتصرف اعادة مفروشاتهن التي نهبها الجنود وسلموها الى مجلس المنهوبات وكان ذلك باستدعاء قدمته «شقا» ارملة الشيخ محمد المجالي فدعوت المجلس الى الانعقاد وطرحت الاستدعاء للبحث فحضر كثير من الأعضاء غير الكركيين ونقموا علي عندما شعروا باني أميل لإجابة الطلب ورغم كل المعارضات أخذت القرار بالأكثرية لإجابة الطلب ، وإعطاء النساء ما يكفيهن من المفروشات وبعد موافقة وكيل المتصرف على القرار أمرت وكيل المستودعات بدعوة النساء لتسلم المفروشات وفي اليوم التالي طلبت إليهن أن يستدعين لإعطائهن مؤونة من الحبوب فاتخذ القرار بالإجماع وأعطين كفايتهن من الحنطة.
والموقف الآخر كان هو الرد على تقارير القنصليات الفرنسية والبريطانية التي زعمت بان سامي الفاروق أعلن انه سيقتل «النصارى في الكرك مثل غيرهم فالتهمة بالثورة على السلطة ستنال الجميع» وكان القنصل الفرنسي في القدس قد رفع تقريرا الى حكومته ذكر فيه ان الثوار قتلوا جيرانهم النصارى وانه العائلات المسيحية في الكرك تعيش حالات الخوف والرعب من قبل أجهزة الدولة ومن الثوار أيضا «وان العائلات المسيحية تتوقع الذبح وقتل في الكرك حتى الآن أربعة من المسيحيين».
في ظل هذه الشائعات التي وصفها عودة بالفتنة تدخل في الوقت المناسب وتم الاتفاق مع قائد الحملة العسكرية على وضع إشارة على منزل كل بيت يعود للعائلات المسيحية «شريطة ان لا يخرجوا من منازلهم» وقد تم ذلك فعلا ولكن هذا الاتفاق وشرطه كان في صالح الثوار وبخاصة للذين تطاردهم قوات الحملة العسكرية» عندما فتحت العائلات المسيحية ابواب منازلها للهاربين والملاحقين من قبل رجال الجيش والدرك التركي وكان عودة القسوس شخصا يبحث عن المطلوبين ويؤمن لهم الحماية والامان في هذه المنازل كونها معفاة من التفتيش بناء على اتفاقات مسبقة كون الطوائف المسيحية لم تشترك بفعاليات الثورة ولكنها كانت معها بكل عواطفها الوطنية الصادقة».
والموقف الذي تجلت فيه النخوة العربية هو اعتراض عودة على اعتقال النساء الكركيات ونقلهن من سجن الى سجن وبصور وباشكال تعد مخالفة للعادات والقيم العربية وحتى التركية واشار الى ولادة السيدة بندر زوجة الشيخ رفيفان المجالي في سجن معان بانها وصمة عار على الفاروقي وضباطه وجنوده وهي من الكبائر التي ستبقى بعيدة عن النسيان وكان الوليد في سجن معان هو حابس باشا المجالي ولم تكتف السلطات بهذ العار بل قامت بنقل النساء من سجن معان الى سجن الكرك ومن بينهن السيدة بندر في يوم ولادة جنينها حابس
وعندما تسلم الامير اللاي اركان حرب عبد الحميد القلطنجي القيام بأعمال المتصرفية اعتذر للشيخ رفيفان عن هذه الفعلة الشنيعة..
مذكرات عودة وأحداث الكرك :
تعد مذكرات عودة القسوس حول أحداث وثورة الكرك 1910-1911 من أهم الوثائق التاريخية التي أرخت تاريخ وثورة هذه المدينة وشيوخها ولولا هذه المذكرات لكانت الوثائق العثمانية هي المصدر الوحيد للباحثين عن الثورة والتي وصفتها بالتمرد والفتنة والعصيان حتى ان بعض الكتاب العرب الذين لم يطلعوا على مذكرات القسوس أطلقوا على الثورة أسماء أساءت للتاريخ الأردني الحديث بالإضافة إلى الإساءة إلى للكرك وثورتها وقادتها .....
ووصف عودة صلاح الدين وناجي بك وفؤاد بك برجال عصابات ولم يكونوا عند مستوى وظائفهم بعكس أمير اللواء عبد الحميد القلطقجي الذي وضع حدا للإجراءات العسكرية وتنظيم جدول بها»وكان عودة من بين أعضائها واستطاع أن يحقق الكثير للاهلين ويكفى انه فتح بيته وبيوت عائلة القسوس للثوار وللنساء معا ولم يكن مهادنا أبدا ولم يسكت عن اهانه لا عليه وعلى أهالي الكرك ومشايخها . .
اذن كان عودة صاحب موقف ومشورة ويعرف متى يتخذ الموقف ويعطي المشورة
ما قبل الثـورة العـربـية :
يعد المناضل عودة القسوس من «جيل التنوير العربي» الذي أكد على أن الأمة العربية امة واحدة ، ويعتز بشرف الانتماء لهذه الأمة ، ويفخر بحضارتها ومن منهلها التاريخي الإسلامي ، على الرغم من عقيدته المسيحية ، فقد صالح بين العقيدة والعقائدية ، وجعل العباءة العربية الوحيدة التي تلف الجسد العربي ، وهو الذي قال : « إن التزاوج بين الشعور بالإسلام والشعور بالعروبة ازداد قوة بانتشار اللغة العربية وأصبحت تنتشر شرقا وغربا فهذا الشعور المتداخل بين العروبة والإسلام وما رافقه خلال العصور من مساهمة بين العاملين في حقول المعرفة بالعربية حتى لو أنهم لم يعتنقوا الإسلام هو الذي كان أساسا في حياة الناس العاطفية القومية فيما بعد وهو الذي يخمد حينا لكنه يعود إلى الظهور قومية فعالة فجاءت الثورة العربية الكبرى لتؤكد هذه الحقيقة »
وكان عودة من المؤيدين للثورة ، واخذ يبشر بانتصاراتها في الكرك و في القرى المجاورة، وتوجهات الشريف حسين إلى الكرك اخذ يشرح مضامينها إلى مشايخ ووجهاء الكرك . .
وقد اكتشف جمال باشا ، بعض الاتصالات السرية التي يجريها الأمير فيصل مع زعماء ووجهاء الكرك ، ® صفحة 55 ( وفي أيلول أرسل محمد جمال باشا يدعو الشيوخ للتوجه إلى دمشق لكي يحلوا ضيوفا على الحكومة هناك ويبدو أن الحكومة خشيت أن يقوم أهل البلاد في وجهها تعاونا مع الثورة، ولا بد أن أنباء اتصالات فيصل مع بعض الشيوخ قد نمت إلى المسؤولين الأتراك فأرادوا الاحتياط لذلك ، وقد لبى الدعوة عدد كبير من الزعماء ، وبعد أن قضوا مدة في دمشق فوجئوا باعتقال عدد منهم كالشيخ قدر المجالي ، والشيخ حتمل بن زبن وابن عمه تركي بن حيدر، والشيخ عبطان الفايز، والشيخ شهاب الفقير، وقد وجهت إلى المعتقلين تهمة الاتصال بفيصل وقبول هدايا وأسلحة ونقود ) .
النفــي :
بعد فشل الحملة على السويس وهزيمة الأتراك في العراق ، أرسل الشريف حسين ولده الأمير فيصل الى دمشق ، وأرسل الأمير علي الى المدينة المنورة ، وبقي الأمير عبدا لله ملازما لوالده ليساعده على إعداد خطط الثورة التي كان لا بد من إعدادها في مكـة . .
ولكي يغطي جمال باشا هزائمه وفشله في السويس ، بدأ مسلسل الإرهاب والقمع والقتل والنفي بحق زعماء البلاد الشامية وقد صدم الأمير فيصل بالإجراءات التركية فقد وجد ان الفرق العربية قد نقلت الى الأناضول وحل محلها الفرق التركية ، كما تم نفي عدة مئات من الرجال البارزين من البلاد الى الأناضول . .
® صفحة 78 ::
« الأتراك اتخذوا إجراءات في الكرك مماثلة للإجراءات التي اتخذت في السلط ومأدبا ومعان فنفوا من الكرك عددا من الوجهاء بينهم :
عدد من وجهاء الكرك : عودة القسوس ، خليل العكشة ، عبدالله العكشة وغيرهم . .
عدد من وجهاء السلط : صالح خليفة ، مطلق المفلح ، خليفة عبد المهدي ، يعقوب سكر ،صالح البخيت واخوانه الثلاثة ، مفضي النجداوي . .
واعدموا : احمد الكايد ( شقيق اديب الكايد وهو من عشيرة العواملة ) . .
مصلح الفاضل الربيع ( من عشيرة القطيشات ) . .
وآخر من عرب التعامرة . .
مادبا :يعقوب الشويحات، ابراهيم جمعان ، ابراهيم الطوال ، يوسف معايعه ، وسليم مرار وغيرهم . .
معان : عبدا لرحمن ماضي ، احمد ماضي ، محمد عبد الجواد ، وغيرهم الى مدين حماة ، وكانت تهمة المنفيين من معان ان لهم اتصالات مع جيش الأمير فيصل ».
وضرب الأتراك مدينة السلط بقنابل المدفعية وكادوا أن يدمروها تدميراً كاملاً . . لولا تدخل جمال باشا شخصياً . .!!
ونهب الأتراك قرية الفحيص . .