في الذكرى 13 لمجزرة - سريبرينيتسا - المهيبة
كمْ كانت مُوجعةً تلك الكلمات المرثيّة التي استهلّ بها الإعلامي المتألق "أسعد طه"حكايته ضمن سلسلة حلقات برنامج "يُحكى أن" و الذي بثته قناة الجزيرة لسنوات مضت..كم كان وقعها في نفوس كل من تحتويهم صفات الإنسانية جليلاً..أمام تعاظم شأن وبشاعة تلك المجازر و المحارق التي ارتكبها الجنود الصّرب ضد العُزّل البوسنيين (التطهير العرقي، الديني) مرثيّات تأبى الرحيل.. غزى فيها المقدم كل كلمات الرثاء لينسج بها تقريراً مؤثراً عظيماً سلب خلالها القلوب وعمّق بها الجروح..كانت فيه البطلة "صاااااااابرهْ" التي فقدت أطفالها و زوجها عنواناً بارزاً للأم الثّكلى الصّــــــابره..حين تكالبت عليها أهوال الغدر لتوقعها أسيرة للأسى و الحزن الذي اعترض طريقها يومها و أبى الزوال.. بقيت لها فيها الصور ذكرىً ممجّدةً و الثياب روحاً و رائحةً تُعاود بها الرحيل إليهم متى استجدّ الحنين بها إلى من كانوا يوما من الأهل و الأحباب.
اليوم تمر الذّكرى 13 عاماً على عُرس الموت الخالد (الإبادة الجماعية)الذي نشب أظافره المسمومة بين ثنايا تلك المدينة اليتيمـــة سريبرينيتسا اليوم تستعيد ذكراها من الألم..تحمل شيئاً من الوجع الذي اكتسح بَهْو ساحاتها التي كانت عامرةً بالحياه..شيئاً من اليُتم الذي احتلّ براءة أطفالها ، جفون ثكلاها، حكايات شيوخها.. دراما قد يغفلها التاريخ المُجحف،الحافل بطوابير الموت..لكنّها قابعةً في قلوب الملايين ممن تحتويهم أبجدية الآدمية بعيدًا عن كل الانتماءات..تأبى الرحيل عنهم مهما تباعدت بهم الأعوام و الآلام.. ليبقى فيها العام 1995 شاهدًا على واحدةً من أبشع المجازر التي عرفتها الإنسانية جمْعاء..في غضون أيامٍ فقط قُُتل ما يزيد عن 10 آلاف إنسان بوسني على يد القوات الصّربية المجهزة بأعتى أنواع الأسلحة لتُنتزع بذلك معالم الحياة من المدينة ويحتل مكامنها الموت الرخيص.. الموت سهواً على أُسس عرقية طائفية دينية تحكّمت فيها الضمائر الميّتة على مقدرات الأمور..
لينال فيها الصّرب جوائز الأوسكار على فعلتهم الشنيعة..فشربوا نخبهم على جثث الموتى من المسلمين ..أحداثٌ تراجيديةٌ أتقنوا فيها الأدوار أمام أنظار المجتمع الدولي العادل و المنصف للحق والقوات الهولندية المرابطة في المكان..( التي وضعتها الأمم المتحدة لحفظ الأمن و السلام) حين أبت إلا أن تسْهم في صنع فِلمٍ هزليٍّ صَمَت فيه الأمن والسلام لينهى حكايته بكل تفان.. حين تباطأت أمام ما يحدث وفسحت المجال واسعا لتنفيذ الجريمة.. وبتأييد شامل من سيد السلام الرئيس اليوغوسلافى" سلوبودان ميلوزوفيتش" و غيره من مجرمي الحرب الذين شهد لهم العالم شناعة أفعالهم ..و تلطخت أياديهم بدماء شهداءٍ أبرار..ما كان ذنبهم سوى أنهم استجابوا لدعوة نزع السلاح و البقاء تحت الحماية الدولية..مقابل العيش بأمان..فكان لهم الأمان مغلفاً بالغدر الذي صنعت تفاصيلها سيول الدماء..مجزرة شهد لها العالم..فاجعة عُظمى حلّت بأبناء البوسنة..قبورٌ جماعية تقشعر لها الأبدان لا تزال تبحث عن موتاها في غياهب الغابات و الجبال و السهول..رجال ،نساء،أطفال..تراءت جثثهم في كل مكان..وكأنها الطامة الكبرى نصبت خيامها هناك..فطاب لها المُقام.
اليوم فقط تقف سريبرينيتسا على الأطلال،لتُعاود الرحيل إلى أبنائها و تحمل شيئا من رفاتهم المخلّد..إلى من مشوْا على أرضها،،وشربوا من مائها،،علّها تنال شيئاً من الوصْل الذي طال فيه الغياب.. تودع به شيئا من الرحمة لشهدائها الميامين ،،اليوم تستنفر الذكرى لتروى حكايات لا يمحوها النسيان..فالمصاب جلل..و الشأن عظيم لا يحتمل الهجران.
(مدينة الأحزان)..في القرن 21 و حاضر تكالبت عليه الأحداث و المستجدات التي اكتسحت كل الساحات و عبرت بكل يسر ليتجدد الانقسام على أسس عرقية،دينية،قومية،طائفية.. تجاوزت كل التوقعات..حين استُفحل الأمر..و أبى الرحيل..فأين أنت يا سريبرينيتسا من العرب..أين أنت من الإسلام..وهل العِرض يبقى رهينةً أمام تعاظم شأن الانتماءات التي أضحت من المُسلّمات و الأولويات في كل التوجهات..؟