يجد الأردنيون أنفسهم محاطين بجملة من القرارات التي تضمن ارتفاعا غير عادي للأسعار خلال الفترة المقبلة، وفي بالهم شهر رمضان الذي يشهد دائما قفزات كبيرة في معدلات التضخم عادة ما تفشل الحكومات في ضبطها.
كل هذا والخزينة في أسوا حالاتها، حيث تكشف التسريبات الواردة من دهاليز وزارة المالية أن الحكومة بالكاد تجمع قيمة الرواتب الشهرية، ولم تسدد خدمة الدين حتى اليوم، وأن معظم أشكال الإنفاق غير الجاري شبه متوقفة.
الدول الشقيقة لم تحسم أمرها حيال تقديم مساعدات نقدية للأردن وقرارها بهذا الشأن مرتبط بثلاثة عوامل هي: فشل سياسات محاربة الفساد في المملكة، واشتراط اتخاذ خطوات تؤكد اعتماد الأردن على نفسه في حل مشكلاته من خلال اتخاذ خطوات تخفف من قيمة دعم السلع.
ومن الأسباب التي تبطئ من قرار الدول الخليجية في مساعدة الأردن، كيفية إنفاق المنح التي قدمت للمملكة في ماضي الأيام، إضافة إلى موقف الأردن من المشهد السوري، حيث تميل بعض هذه الدول لموقف أكثر حسما تجاه نظام بشار الأسد.
وعدم حسم النقاط السابقة، يجعل هذه الدول غير مستعجلة في تقديم المنح للأردن، ما يزيد الوضع الداخلي قتامة، ويدفع المتابعين إلى تقديرات سيئة حيال الوضع المالي والنقدي.
داخليا لم تكلف حكومة الطراونة نفسها عناء اتخاذ قرارات توفر مزيدا من الإيرادات المحلية بعيدا عن جيب المواطن، فتراها تؤجل عرض تعديلات قانون ضريبة الدخل والمبيعات على الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، التي تتضارب الأنباء حول إمكانية انعقادها.
فيما زيادة الرسوم على شركات التعدين التي قررتها الحكومة، مؤجلة إلى حين، حيث جاء قرار مجلس الوزراء بتطبيقها اعتبارا من منتصف العام المقبل، وفي هذا سوء تخطيط، وضعف تقدير لمدى حاجة الخزينة لكل مصدر للسيولة للتخفيف من وطأة الحالة المالية.
كل العوامل السابقة يضاف إليها الأداء السيئ للحكومة في ملف الإصلاح السياسي، وتحديدا في ماهية قانون الانتخاب الرجعي، الذي يتوقع أن يقر بشكله النهائي خلال الأسبوع الحالي، ويرجح ان يلقى موجة مقاطعة تتجاوز تهديدات الإسلاميين لتطال شرائح واسعة من المجتمع.
الواقع السياسي والاقتصادي الذي تمر به المملكة، ساهم بخلق مزاج شعبي سيئ غير متفائل بمستقبل البلد اقتصاديا وسياسيا، وقلق كبير أفلحت الحكومة في خلقه حيال مستقبل الاستقرار النقدي، ما أدى إلى زيادة حجم التحويل من الدينار إلى الدولار بقيم تتراوح بين 600 – 700 مليون دينار منذ بداية العام.
وتسببت العقلية العرفية التي تدير ملف الإصلاح السياسي، في خلق أجواء من عدم اليقين، حيال فرص عودة الاستقرار السياسي وهدوء الشارع وتوقف المسيرات، الأمر الذي ألقى بظلاله على معدلات الاستثمار الأجنبي، وإيرادات القطاع السياحي وانعكاس ذلك على احتياطي العملات الصعبة، الذي تراجعت قيمته بحوالي 1.7 مليار دينار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.
الخراب الذي تسببت فيه السياسات الرسمية، جعلنا نقترب من حافة الهاوية، ويكاد أن يضع البلد في أجواء انفجار مجتمعي خانقة، فماذا سنفعل حيال الأزمة المالية الحالية وتفاقمها المتوقع؟
وكيف سيتم التعاطي مع حالة النزق المجتمعي التي يزيد منسوبها كل يوم بفعل فاعل؟
صحيح أن الفقر عض الأردنيين، لكن ما هو أخطر من العوز القهر الناجم عن عدم احترام الوعي، ومحاولات تسيير المجتمع في مسار واحد غير مرض للطموحات، سننتظر ونرى هل ستأخذوننا إلى طريق النجاة أم إلى طريق الضياع.
الفرصة ما تزال مواتية لقليل من المراجعة لتعديل المسار في ربع الساعة الأخير
الغد