إذا كان رأس الدولة قد بشرنا قبل ايام وخلال لقائه مع النواب، ان دعما خليجيا في الطريق لتحسين الاوضاع الاقتصادية، وجاء بعده بايام وزير التخطيط، ليفصل أن السعودية تعهدت بدعمنا بـ مليار و250 مليون دينار، وعلى إثر الوعود الخليجية زار امس رئيس الوزراء دولة الكويت، فما الذي دفع الحكومة على حين خلسة، الى اتخاذ قرار برفع اسعار البنزين العادي 13% ؟
سقط الان الخطاب الرسمي الذي اتخمنا به الوزراء منذ بداية تشكيل حكومة التحضير للانتخابات بأن رفع الاسعار لن يمس الشرائح الفقيرة، فها هو قد وصل الى البنزين العادي، ولم يعد الرفع مقصورا على اصحاب السيارات الفارهة والجبات كما يحلو لبعض الوزراء عندما يفكرون بأن يقتربوا في اللغة من الناس الشعبيين.
تخطىء الحكومة الانتقالية إن اعتقدت أن لعبها باعصاب المواطنين، ليس لعبا في النار، فقد اصبحت الاوضاع المعيشية لا تطاق، واخو اختو الذي يستطيع أن يؤمن معيشة اسرة صغيرة من دون أن يكون مثقلا بالديون.
صحيح ان حراكات الاحتجاج على قرارات الحكومة الاخيرة، كانت ضعيفة، وهذا ليس بكل الاحوال عائد الى تفهم المواطنين للاوضاع المالية العامة للدولة، ولا ثقة أن قرارات الحكومة تتناسب مع ممارساتها، لكن بشاعة الصور التي تنقل من جارتنا الشمالية، تجعل المواطنين يضعون في افواههم حجارة حتى تبقى صامتة، وهذا بكل الاحوال لن يبقى طويلا، فكفى ضغطا على الاوتار المشدودة، والاعصاب المرتجفة.
بعد الان، لن تشتري الفئات الشعبية الفقيرة، وللدقة المعدمة، كل أسطوانات الإصلاح السياسي الشامل، بأي ثمن، لأن التوافق على أفضل قانون للانتخاب، وإقرار قانون أحزاب عصري غير موجود في أي بلد في العالم، وقانون اجتماعات عامة ليس له مثيل، وقانون انتخابات بلدية متطور أكثر من القوانين السويسرية، ليس أولوية لإنسان همه الأول والأخير تأمين لقمة العيش لأطفاله، أو شراء علبة دواء لتخفيف حرارة ابنه المريض، لأنه لا يمكن أن تطلب من إنسان يعيش في ضنك شديد بأن يحلم بالديمقراطية والإصلاح السياسي، وبأن عليه أن يصفق لأي نجاحات قد تحدث في هذا المضمار.
الغريب أن الحكومة قررت رفع اسعار البنزين العادي رغم أن اسعار النفط عالميا في هبوط منقطع النظير، حتى وصل الامر بالامين العام لاوبك أن يصرح امس ان أسواق النفط تتلقى امدادات زائدة بعض الشيء، وسعر البرميل اقل من 97 دولارا، فما هي قصتنا مع الفاتورة النفطية، وهل المليار الذي تكسبه الحكومة لصالح الموازنة من جيوب المواطنين بسبب فرق اسعار النفط صحيحا وانه لم يعد يكفي؟
العرب اليوم