صدر تقرير لجنة التحقيق الخاصة بدور رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، واظهر التقرير أن بعض المراكز تستخدم أقفاصاً لاحتجاز الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد دان التقرير أربع مؤسسات اثنتان منها حكوميتان (وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الصحة)، واثنتان وطنيتان (المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، ورغم أهمية التقرير وما احتواه إلا أن ما لفت نظري أمور أخرى غير التقرير.
أول هذه الأمور أن وزير التنمية الاجتماعية المهندس وجيه عزايزة قد اعترف بمسؤولية الوزارة عما حدث بسبب تقصيرها في أداء دورها والقيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولكنه اكتفى بتقديم اعتذاره للشعب الأردني قائلاً بالحرف «كنت أفكر بالاستقالة ولكنني أدركت أن الحكومة انتقالية وقررت التحدي بالإصلاح وعدم الهروب»، إلا انني لم أجد رابطاً منطقياً بين انتقالية الحكومة وعدم الاستقالة.
وزير التنمية الاجتماعية كان عليه التقدم باستقالته فوراً خصوصاً وأن كثيراً من الخروقات والتعديات قد تمت في زمن جلوسه على كرسي الوزارة في عهد حكومة سابقة، وبالتالي هو يتحمل المسؤولية الأخلاقية والإدارية أيضاً، ولا أقل من تقديم الاستقالة بعد تحمل هذه المسؤولية، ويبرز سؤال هنا ماذا لو كانت الحكومة غير انتقالية هل كان سيقدم استقالته؟
ولم تتوقف الدهشة عند هذا الموقف من الوزير بل تجاوزته حين أعلن معاليه بالحرف أن: «جلالة سيدنا هو الضمانة الوحيدة لوقف الانتهاكات بدور الرعاية»، وهي محاولة غير مدروسة ومرتبكة للاختباء خلف جلالة الملك، فماذا لو اكتشف بعد فترة وجود انتهاكات في إحدى أو بعض دور الرعاية، فهل يعني ذلك أن الوزارة تتخلى عن مسؤوليتها، وأن الضمانة الملكية غير كافية.
لمعلومات معالي الوزير فإن ما يسمى بالضمانة الملكية يقدمها جلالة الملك بنفسه ليشير إلى وجود إرادة حقيقية في الدولة للسير باتجاه محدد، ولا يجوز لأي شخص كان أن يقدم مثل هذه الضمانة نيابة عن جلالة الملك.
أرجو أن تكون الحكومة متابعة لتصريحات وزير التنمية الاجتماعية، وأن تكون قادرة على إدراك مكامن خطورتها.
وكذلك على النواب بعد صدور التقرير مساءلة الوزير حول ما جاء فيه، وعلى مجلس النواب إن وجد أن الوزير المختص مسؤول عما جرى بحكم كونه وزيراً في المرحلة التي غطاها التقرير المطالبة بطرح الثقة به، وهو أحد الأدوار الرقابية التي يمارسها مجلس النواب على السلطة التنفيذية.
وعلى الجانب الآخر بدا الدكتور محيي الدين توق مرتاحاً جداً وهو يحمل المسؤولية للمركز الوطني لحقوق الإنسان، وذلك لتقاعس المركز عن القيام بدوره في مراقبة دور الرعاية وإصدار التقارير الدورية حولها، ولكنه، ربما، قد نسي أنه هو نفسه كان المفوض العام للمركز لولاية كاملة وبالتالي فهذا التقصير المشار إليه في دور المركز يقع من ضمن مسؤولياته نفسه، ولذا فإن تحميل المركز الوطني لحقوق الإنسان جانباً من المسؤولية يعني بكل وضوح تحميل توق نفسه هذه المسؤولية، وبالتالي كان من الجدير أن يقدم توق اعتذاراً رسمياً صادراً عنه شخصياً لتقصيره بالقيام بواجبه حين كان مفوضاً عاماً للمركز الوطني لحقوق الإنسان.
استقالة الوزير واعتذار توق هما نتيجتان حتميتان للتقرير الصادر عن لجنة التحقيق، وذلك حتى نعتاد في الأردن على مفهوم المساءلة والمحاسبة.