دأبت مراكز أبحاث على دراسة تلك الظاهرة ومعناها في هذا التوقيت المصري الدقيق .. هل هي عودة للناصرية أم هي ترجمة لقوة التيار المتشكل من ثورة 25 يناير .. وماذا يعني أن يحصل حمدين 22 بالمائة من الاصوات مقابل 23 بالمائة لأحمد شفيق و26 بالمائة لمحمد مرسي .. أرقام متقاربة جدا يمكن لطعون صباحي أن تغير المعادلة إن هي تم تصحيحها.
قبل ان يخلع حسني مبارك بايام خلال العام الماضي، كان محدثي من القاهرة أحد الدبلوماسيين المصريين الذي لايروق له جمال عبد الناصر يقول لي ” المهم الا يحكم مصر الاخوان المسلمون .. فلتعد الناصرية الى الحكم ” .. خففت من وطأة مخاوفه في الوقت الذي لم يكن فيه صباحي قد اعلن ترشحه للرئاسة المصرية، وفي يوم الاقتراع قبل ايام هاتفني الدبلوماسي ليؤكد لي أنه يدعو لصباحي بالفوز.
اليوم يقف صباحي عند النقطة المضيئة التي تؤهله لأن يكون المستقبل الحتمي في حكم مصر.. إنه ترجمة لثورتين كبيرتين أدتا الى التغيير في مصر والمنطقة ، 23 يوليو 1952 ويناير 2011 .. لكن النقطة المركزية انه الصدى لقوة شعبية ستشكل في المستقبل قيادة المجتمع المصري الذي بات يحتاج لهزة حكم مثلما هز واقعه بثورته المظفرة .. ومن الموثوق به ان المصريين الذين اعطوا صباحي كلمتهم في صندوق الاقتراع، قرروا استكمال ثورتهم بالصعود الى السلطة والامساك بها، بعدما كادت أن تفلت مقابل التباشير الواضحة بأنها قد تفلت ايضا من أيديهم في 16 و17 يونيه القادم.
هذا المرشح الناصري الذي ملأ الشيب رأسه لم يغامر بسمعته الوطنية عندما ترشح للرئاسة.. كان على علم بأنه حاصد للأصوات بلا منازع، وان السواد الأعظم منها لا يريد لثورته ان تختطف وهي في عز صباها، بل ان دورتها لم تكتمل بعد. وقد تكون حيرته اليوم أكبر بكثير من قراره بتفجير تلك الثورة وهي تقف امام احتمالين اما محمد مرسي او احمد شفيق .. أي بين المغامرة بحكم غير مكتشف سابقا يحمل الكثير من الكلام، وبين ماهو استمرار لنظام حسني مبارك، وقيل كثيرا ان مصر لن تخرج من حكم العسكر وهي غير مؤهلة بعد لحكم مدني بناء على ظروفها الداخلية وواقع الأمر في المنطقة كلها.
ظاهرة حمدين صباحي إذن تحت مشرحة الدارسين باعتبارها ان لم تكن هوية حكم مصر حاليا، فلربما هي حكمها المؤجل الى مرحلة لاحقة. واذا كان قد تم التحكم بعدم وصولها الى السلطة اليوم، فمن الواجب، ربما كما ستقول تلك الدراسات، العمل منذ الآن على منع وصولها الى رئاسة مصر في المرحلة المقبلة. ظاهرة صباحي انذار إلى كل القوى العربية والعالمية ان مصر قررت طريقا مجربة ولكن بأسلوب حديث متجاوز لأخطاء تلك التجربة.