ليس لدي مبرر لتأخير الكتابة عن ما جرى بحق عضو هيئة مكافحة الفساد سناء مهيار، رغم وقع المفاجأة الكبير الذي سببه توقيفها من قبل المدعي العام قبل نحو أسبوعين.
وقد يكون للتغييرات والتطورات التي تمت في اليوم الثاني من توقيفها دور في تأجيل الكتابة، خصوصا تلك المتعلقة بإطلاق سراحها فورا وبدون كفالة، والتغييرات التي طالت موقع رئيس المجلس القضائي ورئيس محكمة التمييز.
اليوم سناء عادت إلى عملها عضوا في الهيئة، لكنني متأكدة بدرجة لا تقبل الشك أن سناء التي عملت في القطاع العام لعقود، لن تنسى مطلقا ما حدث معها، وستتذكر دائما أن مكافأتها على نهاية الخدمة هي أن تقضي ليلة في سجن النساء في الجويدة.
أبناء وبنات سناء أيضا يستذكرون دوما ما حدث لوالدتهم؛ السيدة الفاضلة التي حرصت دوما على المال العام.
وستترك تجربة الوالدة جرحا عميقا في قلوبهم لما أصابها، وستحفر في ذاكرتهم أن محاربة الفساد تركت الفاسدين الحقيقيين ووضعت سناء خلف القضبان، في مفارقة غير عادلة أبدا.
عدت لأكتب عن سناء رغم أن الموضوع انتهى منذ أسابيع، ولعل السبب التذكير بضرورة إعادة سياسات محاربة الفساد إلى الطريق الصحيحة، بشكل يشفي غليل المجتمع، وبحيث يوضع خلف القضبان الفاسدون ممن نهبوا وأهدروا وأضاعوا أموال الناس.
ولا يظنن القائمون على سياسات محاربة الفساد أنها ستنفع إن لم تتم الإجابة عن كثير من الأسئلة التي ما تزال تلح على مجتمع بات يوقن أن النوايا ما إن تتوفر حتى تتبخر، ونعود أدراجنا من جديد للبدء في الحديث عن عدم جدوى كل ما جرى في سبيل محاربة الفساد.
الأسئلة كثيرة، ومنها: لماذا لم يوضع قانون “من أين لك هذا؟” وبأثر رجعي حتى اليوم؟ ولماذا لا يعدل قانون هيئة مكافحة الفساد بشكل يقوي الهيئة ويحميها من تغول جهات أخرى؟ ولماذا يسكت الكلام عن كثير من الملفات التي فتحت ولم تعد نسمع عنها حرفا منذ زمن؟
وطالما أن معايير محاربة الفساد ما تزال تخضع لمزاج بعض المسؤولين، فإن تكرار حالة سناء ليس مستحيلا، ووجود أبرياء خلف القضبان أيضا يصبح أمرا مباحا؛ ما يتطلب تحصين الجهات المعنية بمحاربة الفساد وتقويتها وحمايتها، بحيث لا يتم رفع الحصانة عن عضو في هيئة مكافحة الفساد من دون علم المسؤولين في الهيئة.
ثمة أخطاء وخطايا كثيرة ارتكبت في الخطوات التي رافقت سياسات محاربة الفساد. والخطير أن النتائج التي لمسها المهتمون بمحاربة الفساد، وهم على الأغلب كل الأردنيين باستثناء المستفيدين من الفساد، محدودة؛ ما سيؤدي إلى اتساع حالة عدم الرضا.
المجتمع اليوم يرفض قرارات رفع الأسعار، وحجته إلى جانب عدم قدرته على دفع مزيد من الكلف، هي ضرورة استعادة جزء من الأموال التي ضاعت نتيجة عمليات الفساد لحل مشاكل الموازنة من عجز ودين.
مطالب استعادة الأموال كحل لمشكلة المالية العامة قد لا تكون عملية، لكنها بالتأكيد انعكاس لإحباط الأردنيين من سياسات محاربة الفساد التي لم تجدِ نفعا حتى اليوم، إذ اكتشفنا أنه لا يوجد فاسدون في الأردن.
آن الأوان لتغيير أسلوب ونهج محاربة الفساد اللذين لم يعودا يقنعان طفلا، بشكل يمكن من اتخاذ خطوات عملية في هذا المجال، ويوجِد طريقة تبدد الشكوك التي تتنامى يوما بعد يوم حيال نوايا محاربة هذه الآفة.
الغد