ليس من بلد محاصر بجغرافيته وبتاريخه مثلما هو حال لبنان.. كان العين الدامعة على فلسطين، فصار جزءا من أزمتها .. ومع الوقت صار مكانا لكل سياسة وفكر واعتدال وتطرف .. وهاهو العين التي بدأت دموعها مع سوريا، فاذا به يتحول إلى مسرح لأزمتها.
يوم تقاطر اللاجئون الفلسطينيون هاربين من فلسطينهم إبان النكبة الأولى، وجد جزءا منهم في لبنان ملاذا آمنا، لكنهم لم ينسوا فلسطين إنما تأثروا بالسياسات العربية فصار لكل اتجاه عربي أثره في الفلسطينيين الذين تبعثروا الى أحزاب وتنظيمات مختلفة وحركات، وكان أثر ذلك جليا في حركة مقاومتهم المسلحة.. ومهما قاوم الفلسطينيون مفهوم التعايش الكاذب في الساحة اللبنانية بين طوائفها ومذاهبها، فقد وقعوا أسرى لها، خصوصا وأن البعض منهم يأمل أن يحمل الهوية اللبنانية، فستون عاما ونيف من التواجد في لبنان كافية لاعتبار الأجيال اللاحقة لمن عايش النكبة لبنانيين. لكن ثمة من يعتبر ان الوجود الفلسطيني المتأثر بالواقع اللبناني بات يشكل لغما لا يعرف متى انفجاره لكنه حتما قد ينفجر في اتجاه التركيبة اللبنانية الوعرة .. وبدل أن يظل الفلسطيني على انتظار العودة إلى فلسطينه، صار المكان الذي يشعر بالتأبد به عنوانا لتحويل معاركه، وهو أمر مؤسف.
أما التداخل اللبناني السوي فهو الآن أكثر وضوحا من أي وقت مضى، لكنه أيضا بات خاضعا لتناقضات الساحة اللبنانية وانقساماتها.. إن مشقات الاخوة اللبنانية السورية كانت دائما عنوان العلاقة مع سوريا عبر أوقاتها وخصوصا منذ ايام الوحدة السورية المصرية وما تلاها من مجيء حزب البعث على الحكم. لكنها كانت أكثر تأثيرا ابان الحرب الأهلية اللبنانية اذ دخل السوريون بقواتهم العسكرية الى جميع الأراضي اللبنانية تقريبا في محاولة لوقف تلك الحرب ولمنع تقسيمه ونجحوا في ذلك، لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة الكاملة على أضلاع أزمته التي ظلت متوترة حتى اثناء وجودهم. ومع ان الجيش السوري خرج من لبنان عام 2005 الا انه لم يكن ليعني اخراج التأثير السوري عليه، وهو ما يبدو اليوم أكثر وضوحا ازاء انقسام اللبنانيين من أزمة سوريا، حيث بات لبنان الخاصرة التي تتنفس منها المعارضة السورية، ومن خلالها يطل شبح الاضطراب الأمني، والذي بدا أمس في أولى تجلياته وقد يتصاعد مستقبلا الى الحد الذي يصبح فيه شبيها الى حد بعيد بالاضطراب الحاصل في سوريا، إن لم نقل في مستوى النزيف السوري وأكثر.
وهكذا بات لبنان محتدما بحقيقتين واقعيتين: التأثير الفلسطيني والآخر السوري إضافة إلى العوامل التي نشأت عن اغتيال رفيق الحريري وأدت الى تمذهب ساحته بعدما كانت الصخرة السنية الشيعية صلبة ومقدسة، ودون ان ننسى الحلم الاسرائيلي بتفجير التناقضات اللبنانية وخصوصا بعد بروز حزب الله المقلق لها.