منذ تشكيلها حتى بيانها الوزاري, أعلنت حكومة فايز الطراونه عن توجهات وإجراءات لمعالجة أزمة المالية العامة, بعضها صحيح ( مثل زيادة الضريبة على البنوك وشركات التعدين) وبعضها بلا معنى مثل التخفيض الجزئي للدعم من دون إطار اجتماعي, وبعضها مجرد عناوين مثل التخفيض المأمول في نفقات الوزارات.. الخ
واضح أننا بإزاء أفكار واقتراحات متراكمة من هنا وهناك, بلا رؤية, ولا تنتظمها خطة شاملة, وإنما شيء ما يقع بين الخضوع لمتطلبات صندوق النقد الدولي وبين الحسابات السياسية, ومسوَّى بعقلية المحاسبين!
أولا, في الرؤية, هنالك ثلاث نقاط جوهرية, هي:
(1) لا يمكن معالجة أزمة المالية العامة من دون منظور الهوية الإقتصادية: منطقة حرة نيوليبرالية أم دولة قطاع عام? سؤال لا يمكن القفز عنه الآن; لقد سقطت النيوليبرالية في العالم كله, وهي المسؤولة في بلدنا عن الأزمة المالية والإقتصادية,كما عن مؤسسة الفساد الكبير. ولا يوجد حل في ظل النيوليبرالية إلا الحل الجزئي المتمثل في المزيد من إفقار وتهميش الأغلبية عن طريق المزيد من الإجراءات التقشفية والرفع التعسفي للدعم. وفي تقديري أن ما يلائم الأردن هو خيار القطاع العام القيادي في ظل إقتصاد ثلاثي: عام وخاص وتعاوني.
(2) لا يمكن الفصل بين أزمة المالية العامة والأزمة الإقتصادية أو بينهما وبين المنظور الاجتماعي الوطني. وإلا فنحن بإزاء تجدد الأزمة في الشق المالي من جهة والإنفجار الاجتماعي من جهة أخرى.
(3) لا يمكن حل أزمة المالية العامة الحالية بوسائل المساعدات الخارجية;أولا لأنها تفاقمت إلى حد لا يمكن تأمينه من المانحين, وثانيا لأن المساعدات هي دائما حل مؤقت ومرتبط بالظروف السياسية. وآن الأوان لكي نتحرر من هذه الحلقة القاتلة.
ثانيا, في الخطة, هناك خمس نقاط جوهرية متعاضدة, هي:
(1) في النفقات الرأسمالية; وصلت البلاد إلى حد التشبّع في مجال البنى التحتية وشراء المعدات والآلات والسلاح.. الخ, بينما إتضح فشل وفساد جميع المشاريع الكبرى. ولا بد من إتخاذ قرار وطني بوقف كامل للعمل في هذين المجالين, نهائيا, ولمدة خمس سنوات, باستثناء الصيانة.
(2) في النفقات الجارية; أولا, الخفض الجذري للمؤسسات المستقلة والعقود في القطاع العام بصورة قاطعة وفورية, ثانيا, إزالة كل أنواع الدعم (بخلاف الخبز والأعلاف) ربطا بإعتماد الراتب الاجتماعي لموظفي ومتقاعدي القطاع العام المدني والعسكري. وهو راتب يشمل تغطية كل مجالات المعيشة, ثالثا, إعلان الراتب الاجتماعي بوصفه معيارا للحد الأدنى للأجور, وإطلاق حرية النضال النقابي لتحصيله من أرباب العمل, رابعا, توحيد كل مؤسسات العون الاجتماعي في مؤسسة واحدة تغطي غير العاملين أو العاملين لحسابهم في مجالات لا تؤمّن أجر الحد الأدنى. وتتطلب هذه المعادلة,حكما, حل مشكلة النقل العام بين المحافظات وداخلها بالكلفة, وتحسين نوعي في الخدمات الصحية.
(3) إعادة تكوين النظام الضريبي كليا, بحيث يكون شاملا لكل أنواع الأرباح والدخل من أي مصدر كان, وزيادة الضريبة على الشركات الكبرى في كل المجالات, التعدين والمال والمصارف والإتصالات والتجارة, والضريبة التصاعدية على الدخل والأرباح الفردية من دون إستثناءات حتى 50 بالمئة, ربطا بإعادة تكوين الضريبة العامة على المبيعات من صفر ( على سلع سلة العيش) إلى 24 بالمئة تصاعديا.
(4) إنشاء خطة متكاملة لإحياء التعاونيات الزراعية والحرفية, وتقديم التسهيلات المالية والإدارية للتعاونيين, في إطار خطة متكاملة للتنمية الشعبية في المحافظات, على أساس أولوية المطالب والإدارة المحلية.
(5) إعادة بسط سيطرة القطاع العام على الموارد الوطنية والشركات الإستراتيجية في إطار برنامج سياسي ملزم.