لو أدرك الإنسان انه سيكون في لحظة ما في ذمة الله، وأن القوم سيمعنون في ردم التراب عليه حريصين على أن لا يترك مسام بينه وبين وجه الأرض، وأن غربته ووحدته الأبدية لا شفيع لها إلا الله جل في عُلاه!.
ولو أدرك الإنسان انه سيموت حتماً في لحظة لا يدري متى هي، وأن القوم سيلتقون بعد دفنه ولثلاثة أيام يتداولون فيها شؤونهم دون أن يتذكره أحد سوى ربما أسرته الصغيرة!.
لو أدرك الإنسان انه سيكون فور وفاته أمام الحساب العدل يتقرر مصيره الى جنة او نار دون أن يجد وسيطاً او نصيراً او فرصة للإفلات من هذا الحساب!.
ولو أدرك الإنسان ان هذا الكون العظيم أشبه ما يكون بمعمل ضخم عظيم يسير بنظام دقيق عظيم وأن الله جلت قدرته هو الخالق والمسير والمدبر لشؤون هذا المعمل العظيم الذي لا يتوقف إلا بقيام الساعة!.
ولو أدرك الإنسان ان الحد الفاصل بين الخير والشر مجرد «شعرة»، وأن الخير طريق الى الفوز بالجنة والنجاة من العذاب الشديد، وأن الشر طريق الى السقوط في الهاوية التي لا قرار لها!.
نعم… لو أدرك الإنسان كل هذا وغيره كثير لفرَّ من مسارب الشر إلى حيث الخير والصلاح، ولمَا كان كذاباً ولا منافقاً ولا فاسداً ولا حاسداً ولا ناكراً ولا نماماً ولا همازاً أو لمازاً ولا وضيعاً ولا جاحداً ولا تافهاً ولا كسولاً ولا خائناً ولا بخيلاً ولا شتاماً ولا مفترياً ولا لواماً ولا نذلاً او جباناً ولا خبيثاً ولا زانياً ولا مجاهراً بالكفر!.
باختصار لو أدرك الإنسان مجرد السر العظيم في جهله بمعرفة «صوته» في حين يعرف الآخرين بأصواتهم دون أن يراهم، لتيقن من أن «الله» جلَّ جلاله موجود في كل زمان ومكان يراقبه ويحاسبه في الدنيا والآخرة، وأن حسابه اليسير او العسير آت لا محالة وفي لحظة قد تكون الآن أو بعد لحظة!.
ختاماً، بمقدورنا نحن الناس الذين نحيا على هذه الأرض التي نطلق عليها أسم «أردنية»، أن نكون أنموذجاً طيباً في نقيض كل ما سبق من سمات وصفات وأن نتعاون على البر والتقوى وأن نصلح الفاسد ونزين الظرف للكافر كي يؤمن وللمرتد كي يرتد الى حيث يجب، وأن نجعل من هذه الأرض التي عليها نحيا شامة على هذا الكوكب، خاصة وأن حالنا اليوم لم يعد يبعث على ارتياح او سرور، بعد إذ ضيعنا الأمانة واشتدت الشحناء والبغضاء حتى بين أشد الناس قربى منا، فنحن جميعاً أطباء نشخص الداء دون أن يبادر أي منا لوصف الدواء الشافي، فلو أصلح كل فرد فينا نفسه وأسرته الصغيرة إن استطاع، لتحقق الإصلاح وليس مجرد الإصلاح الذي به نطالب، وإنما إصلاح أعظم وأسمى وأطهر وأنقى وهو كفيل قطعاً بأن يجعل أحدنا يلقى مصيره في ذمة الله مطمئناً راضياً مرضياً! ولا حول ولا قوة إلا بالله.