نخطئ إذا اعتقدنا أن الفضيحة التي فجرتها الـ “بي بي سي” في لندن حول “معاملة الأطفال” في مراكز الاحتياجات الخاصة، مجرد رسالة لإدانة وزارة التنمية الاجتماعية او “اتهام” العاملين في تلك المراكز بـ”الإساءة” لهؤلاء الاطفال او اهانتهم، هذا بالطبع جزء من الحقيقة، لكن رسالة الإدانة تتجاوز ذلك الى المجتمع الذي أفرز هذه الحالة، و الدولة التي “عجزت” عن حماية هؤلاء وقصّرت بحق مراقبتهم وتأمين ما يلزمهم من رعاية، وكذلك الى “إعلامنا” الذي انشغل عن هذه القضايا وخسر “مكانته” أمام الناس ليرضي الحكومات فقط.
حين ندقق في “الفضيحة” التي سمعنا اصداءها تتردد في لندن وغيرها من العواصم العربية والأجنبية أكثر مما سمعناها في بلادنا، سنلاحظ أن اهتمامنا بالمسألة ظل محصوراً بـ”العنوان” الذي اشار اليه التقرير المصوّر، ولم ننتبه الى أن ثمة “عناوين” اخرى تعاني من ذات الإهمال والإهانة، خذ – مثلاً – دور ايواء الايتام التي اكتشفنا قبل نحو (15) عاماً أنها تتعرض لأسوأ انواع المعاملة، وفزعنا آنذاك لدق الجرس، ثم اكتشفنا قبل عامين فقط ان “الحالة” لم تتغير، وحين أشار البعض لذلك اتهموا “بالإساءة” لمؤسساتنا الاجتماعية وعوقبوا على ما فعلوه.. وخذ – ايضا – دور الأحداث التي يعاني منها “اطفالنا” ايضا من أسوأ ما يمكن ان يخطر على بالنا من “تجاوزات” وللمصادفة – فقط – فقد تبين لي وأنا أجري بحثاً حول “المساجين” في سجوننا الأردنية أن نحو نصف هؤلاء قد خرجوا من “دور الأحداث ما يعني أن هذه “الدور” تنتج مزيداً من المنحرفين بدل ان تساعدنا على “تأهيلهم” وهم أطفال لكيلا يكبروا ويسيروا في طريق الجريمة.
هل نحتاج لفضيحة أخرى تفجرها إذاعة في لندن، أو صحيفة في واشنطن لكي نفتح عيوننا على “عيوبنا” وكي نتحرك باتجاه معالجة اخطائنا؟
وهل تكفي “لجنة” تحقيق بقضية “المراكز” لنطمئن بأن احوال حقوق الانسان في بلدنا بخير؟
وبالمناسبة ما هو رأي المركز الوطني لحقوق الانسان الذي لم نسمع صوته بهذه القضية ولا بغيرها؟
وهل سنكتفي بإغلاق “المراكز” المتهمة واحالة اصحابها الى القضاء.. ونقول إن الامور على ما يرام؟
وماذا عن “وزارة” التنمية الاجتماعية ومسؤوليها السابقين؟
أرجو أن يسامحني القارئ الكريم اذا قلت إن ما حدث في “مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة” هو مجرد “عينة” مما يحدث في مواقع كثيرة في بلادنا، في: المدارس والجامعات والمؤسسات الأخرى وفي الشارع ايضاً، بل هو منطق “نتعامل” فيه جميعا مع بعضنا البعض، واذا كان لدى احدكم شك بذلك فليتأمل كيف تتعامل معنا الحكومات، أليس هو منطق “الاستهانة” والإهمال؟
وكيف يتعامل معنا مجلس النواب أليس هو منطق “الإساءة” والاستعباط؟
وكيف نتعامل مع أحزابنا وكذلك نخبنا وكذلك بعض المسؤولين عنا؟
هو ذات المنطق الذي كشفته فضيحة “المراكز” لكن الفارق الوحيد ان هؤلاء الأطفال افتقدوا القدرة على الفهم والرد نتيجة لما يعانون منه من أمراض (شافاهم الله) وبذلك فهم أحوج منا الى “الرحمة والعطف”، فيما نحن لم نفتقد هذه “النعمة” ومع ذلك ما زلنا نكتفي بالصراخ والنواح، ولم نستطع بعد “تصحيح” أخطاء من يسيء الينا أو الرد عليه.
الدستور