نحن الآن لسنا بصدد الخلاف الدائر حول موضوع الطاقة النووية واستخدامها ومستلزماتها وآثارها البيئية, ولكن ما ينبغي أن يعرفه طوقان وأنصار المشروع النووي, أن المعارضين لهذا المشروع ينطلقون من وجهة نظر محترمة ومقدرة, ولها عدة أبعاد ووجوه لها وزنها واحترامها, فهناك أبعاد وطنية وأبعاد علمية وأبعاد بيئية وإنسانية, لا يمكن تجاهلها أو الانتقاص من وجاهتها, فالأصل أن تخضع هذه القضية لحوار وطني شامل وعميق لأنه يهم الوطن ويهم كل مواطن في هذا البلد.
فكل شيء تتحمله الخزينة التي تغذيها جيوب المواطنين وكل قضية وطنية وكل ما يتصل بحياة المواطن, الأصل أن يتم استشارة المواطنين فيه, وليس هذا الشأن حكراً على النخبة التي تعيش على كواهل دافعي الضرائب, ثم يعمدون الى احتقار العامة واحتكار المعارضين والمخالفين في الرأي.
نحن أمام أعراض المرض الحقيقي والمرض العضال الذي يصيب مجتمعنا الأردني وواقعنا السياسي, كما يصيب أغلب المجتمعات العربية والواقع السياسي العربي على الإجمال, والذي يمثل الصورة المقلوبة والهرم المقلوب, فالأصل أن الشعب هو صاحب السلطة الحقيقية, وله الكلمة العليا في كل صغيرة وكبيرة, وهو صاحب الدولة وصاحب المال, وصاحب القرار السياسي, وهو وحده المالك الحصري لحق اختيار صاحب السلطة ومتخذ القرار, وكل صاحب سلطة يستمد شرعيته من الشعب, وليس هناك مصدر لشرعية غير الشعب, إلاّ عندما تكون الأوضاع مقلوبة واستثنائية وطارئة بسبب أحد عوامل القهر والغلبة المفروضة قسراً التي صادرت الإرادة الشعبية.
ولذلك في الأوضاع المقلوبة يصبح كل شيء مقلوباً, فبدلاً من الخضوع لسلطة الشعب, واحترام إرادته, والسعي لخدمته ونيل رضاه, يصبح المتنفذون في موضع احتقار الشعوب, وكسر إرادتها وتوجيه الاهانة لها, ومعاملتها باحتقار وازدراء واستخفاف واستغفال, والمشكلة الكبرى حتى الآن في الشعوب العربية التي ما زال بعضها يقبل بهذا الازدراء ويتحمل الاستخفاف التسلطي الفوقي ويظن أن هذا هو الأصل, أو بدافع الخوف أو الطمع فيقبل بالدنيّة.
لكن الشعوب العربية أدركت الحقيقة, وهي تسعى جاهدة لاسترداد سلطتها وحقوقها المشروعة, وفرض إرادتها على المتنفذين وأصحاب السلطة, من أجل تصحيح الأوضاع, الخطأ وقلب الصورة المقلوبة وإعادة الأمور الى نصابها, ووضع حد لكل أنواع الاستخفاف والازدراء الذي يصدر عن الذين يفترض فيهم خدمة الشعب, والسعي لصون كرامته وحفظ حريته وتنفيذ إرادته.
[email]rohileghrb@yahoo.com[/URL]