اجواء «روما» حيث يعقد مجلس اسطنبول اجتماعاً (كان مقرراً عقده في القاهرة)، تقول أن دور برهان غليون قد انتهى وان الرجل الذي ظن نفسه «جيفارا» سوريا، لم تعد حاجة اليه، لاسباب عديدة، ليس أقلها انه فردي ومغرور ولا يقيم وزناً لأحد حتى من اعضاء المكتب التنفيذي، اضافة الى انعدام قدرته وتواضع خبراته التنظيمية والحزبية، وتذمره السريع وتهديده «بالاستقالة» إذا ما تمت تنحيته عن رئاسة المجلس، زد على ذلك فشله الشخصي – كما المجلس ذاته – في توحيد باقي «المعارضات» السورية التي تتكاثر كالفطر وتحمل اسماء ومسميات لم يعرف السوريون لها ماض سياسي او تجربة في معارضة النظام او حتى المشاركة في مظاهرة او مهرجان او ندوة سياسية داخل سوريا او خارجها، كما ان معظمهم في مجلس اسطنبول وخارجه يحملون جنسيات اجنبية وعلى رأسهم برهان غليون «الفرنسي».
ظن الذين يقفون خلف ابراز شخصية البروفسور في السوربون والمفكر الليبرالي، انهم بذلك يلبسون عباءة الحداثة ويستقطبون تأييد الدول الغربية وبعض الدول العربية التي تعلم ان غليون (والمجلس كله) مجرد واجهة لجماعة الاخوان المسلمين التي اخذت عملياً على عاتقها مهمة استيلاد مجلس اسطنبول بدعم مادي واعلامي ولوجستي تركي وآخر من بعض العرب ولم يتردد هؤلاء او يجدوا حرجاً او يدققوا في تاريخ وسيرة كل من ابدى «رغبة» للانضمام اليهم او دُفِع به الى الصفوف الاولى كي يكون من القادة والناطقين، بدءا من بسمة قضماني وليس انتهاء برضوان زيادة الامر الذي اثار الريبة والشكوك في نفوس كثيرين من المعارضين فاحجموا عن الانضمام واعتذروا عن عدم المشاركة، بعضهم كشف علنا عن هواجسه واسباب تمنّعه وغيرهم اختار لغة ملتبسة لتبرير عدم الانضمام.
خيبات المجلس عديدة وانجازاته (… لا تتجاوز حدود الصفر وكل ما يكتب عنه او تصريحات يصدرها قادته لا تجد لها رصيدا على ارض الواقع، قبل وليس فقط بعد مؤتمر اصدقاء تونس الذي انتهى الى فشل ذريع وليس الى المآل ذاته الذي انتهى اليه مؤتمر اسطنبول الذي اعترف به ممثلا شرعيا للشعب السوري، لكنه اعترف لم يتعد حدود الكلام وها هو المؤتمر الثالث (كان مقررا عقده في باريس ساركوزي) يذهب الى عالم الغيب، لان جدول اعمال الرئيس الفرنسي الجديد الذي سيتسلّم عمله غداً، حافل بالموضوعات الاكثر اهمية من اضاعة وقته او طاقمه الرئاسي الجديد لحضور مؤتمر لالتقاط الصورة واصدار بيانات لا قيمة لها..
الخائبون ليسوا فقط من داخل اعضاء مؤتمر اسطنبول بل وايضا هناك (في الخارج) من يشعر بالندم لرهانه الخائب على شخصيات وهيئات ومكونات المجلس، الذين انخرطوا في حرب تصفية حسابات بينهم واقتسام للغنائم وتصدّر المؤتمرات الصحفية ولم يقيموا اي رابط ولو ضئيل بينهم وبين الشعب السوري الذي يدّعون تمثيله والذين يجوبون العواصم استجداء لمّده بالمساعدات النقدية والعينية وبعضهم يجمع السلاح على ما قال في آخر تصريحاته مراقب عام جماعة الاخوان المسلمين السورية المهندس الشقفة يوم امس بان الوسيلة «الوحيدة» لاسقاط النظام السوري هي العمل العسكري(!!).
معارضو الداخل من الذين يرفضون عسكرة الاحتجاجات وما يزالون حتى اللحظة يدعون الى استعادة شعارها الاول سلمية سلمية، لم يثقوا ذات يوم بمجلس اسطنبول ورأوا فيه صناعة تركية وعربية وإن كانوا (مثل هيئة التنسيق) حاولوا الالتقاء معه على مشتركات الحد الادنى، لكن الاخوان المسلمون (اصحاب الحل والربط في مجلس اسطنبول)، افشلوا وثيقة القاهرة التي وقّعها هيثم المناع مع برهان غليون وعندما قال «الاخوان» لا، أصيب غليون بالذعر وزعم انها مجرد «مسودة».. وواصل «الاخوان» التحكم بالمجلس لانهم يريدونه لهم وحدهم ومَنْ معهم مجرد ادوات وبيادق مهما «لمّعتهم» الفضائيات ومهما اعتنى بهم الاعلام المكتوب او الندوات.. ولهذا لم يكن غريباً ان لا احد من تشكيلات المعارضة انضم اليه (بل العكس هو الذي حصل عندما خرج منه كثيرون وانشق عنه آخرون وما يزال في داخله من يجأر بالشكوى ويسوق الاتهامات، لكن الاخوان.. لا يبالون ما داموا هم التنظيم الاقوى والأهم والمحاور الحقيقي والمعتمد.. في الخفاء)، ناهيك عن خيبة الأمل في مجلس اسطنبول التي باتت الادارة الاميركية وبعض العواصم الاوروبية لا تخفيها ازاء هذا الاخفاق والعجز المتواصلين في ادائه.
اللافت في اجتماع «روما» هو ارتفاع اسهم جورج صبرا، الماركسي او الشيوعي السابق، واحد ابرز قادة حزب الشعب الديمقراطي، للحلول محل برهان غليون، أما التبرير الذي يثير الضحك في الآن ذاته هو ان الذين يدفعون به الى الامام يهدفون الى طمأنة الاقلية المسيحية (..) في سوريا من أن مجلس اسطنبول إذا ما نجح في تسلّم السلطة فإنه سيضمن مصالح وحقوق المسيحيين (..).
يكاد المريب ان يقول خذوني!
kharroub@jpf.com.jo