لم يؤخذ «البرلمان السوري المؤقت»، الذي اعلن عن تشكيله في يوم الانتخابات النيابية الرسمية الاثنين الماضي من داخل سوريا، على محمل الجد، مع انه يمكن ان يصبح جدياً، ويمكن ان يتحول الى محور او ربما الى مركز قوة للمعارضة السورية التي لا يزال العالم كله يعجز عن توحيدها، او حتى عن فهمها.
قد يكون البرلمان، الذي قيل إنه يضم ??? عضواً ولم يعلن سوى اسم رئيسه نايف شعبان وكتم اسم نائبيه الكردي والمسيحي وتعهد بتمثيل العلويين في مقاعده، مجرد خاطرة وردت في ذهن عدد من معارضي الداخل، الذين يبحثون عن دور او موقع، لكنه بالتأكيد يعبر عن إحساس بفراغ البيئة الشعبية المعارضة، او على الأقل عن شعور بأن هذه البيئة تحتمل المزيد من الهيئات والتشكيلات المدعوة لقيادة الشارع.
والثابت حتى الآن ان سوريا ضربت رقماً قياسياً عربياً في عدد التنظيمات المعارضة التي أفرزتها الانتفاضة الشعبية خلال الأشهر الـ?? الماضية، كما في عدد المنظمات التي انشأها النظام نفسه او تلك التي نشأت على ضفافه. والرقم المتداول لم يعد بالعشرات، بل تخطى المئات، وبات يوحي بأن لكل مدينة او قرية حزبها ومجلسها السياسي الخاص الذي يطرح برامج تبدأ بالدستور ولا تنتهي بالسياسة الخارجية لسوريا المقبلة.
للوهلة الأولى يوحي البرلمان المؤقت بأنه إضافة جديدة على هذا الحشد المعارض، لكن ظهوره في الداخل، واستناده الى تنسيقات الثورة التي أثبتت حتى الآن أنها الأكثر جدية في صفوف المعارضة، يترك الانطباع بأن ثمة مشكلة جدية تدور في ذلك الداخل الذي لا يزال العالم كله ينتظر كلمته الأخيرة وقياداته ورموزه البديلة لكل ما ركب على ظهر الشارع سواء من المعارضين التقليديين المقيمين بين مواطنيهم، او من المعارضين الطارئين المنتشرين في المنافي.
ثمة أزمة ثقة عميقة وأزمة قيادة اعمق بين الشارع وبين جميع الذين زعموا تمثيله والتحدث باسمه، لكنهم ما زالوا حتى اليوم يجادلون في التدخل الخارجي المستحيل ويتبادلون الاتهامات حوله، وحول الارتباط بالعواصم التي تستضيفهم وتدعوهم كل يوم الى الاتكال على أنفسهم طالما ان اميركا وروسيا تفاهمتا ضمناً على أن الحرب الأهلية هي الخيار الأفضل لسوريا ولجميع جيرانها من دون استثناء.
ما يعبر عنه البرلمان المؤقت في تشكيله وتوقيته ونصه التأسيسي، الذي قد يكون مجرد فكرة أقلية عابرة، هو أن ثمة فريقاً في الشارع السوري المعارض يعلن افتراقه عن الإسلاميين الذين ازدادوا تنظيماً وتمويلاً وانتشاراً ونفوذاً، وعن التشكيلات العسكرية المنشقة التي تزداد كل يوم حضوراً وتأثيراً في المشهد السوري، بما ينبئ بأن المستقبل سيكون حكراً لهذين الطرفين وسيخضع لتفاهمها وتقاسمهما.
البرلمان المؤقت إضاءة جديدة على متاهة لا مخرج منها.