في بحر من بحر الصمت الرهيب
نتيه عبر متاهات لا تنتهي
آملين الوصول لبر النجاة
فهيا معا نبحر
المتاهة الأولى :
للكلام آفاقه المتشعبة و التي تغور دوما بعيدا عن المعنى
و للحوارات امتدادات مهما توهجت لن تزيد إلا استعساء و انفلاتا
الكلام المشحون بالتوتر و الانفعال و الحسرة
و الحوار ينزع كل مرة نحو التصعيد و التفجير
ما عساي أفعل ، هل اغامر بالكلام?
و لو غامرت ، ماذا اقول و كيف يكون الرد و الرد المعاكس ?.
-تكلم ، انطق ،اصرخ ............
هكذا قال لي مخاطبي ، و لكني بقيت سادرا في صمتي لا رغبة لي في الكلام.
أداري صمتي بابتسامة محتشمة ، و أغوص في متاهات الحيرة و الأسى ،
تقتلني الهواجس و الريبة ، و تجهز على أمانينا و رغبتنا .
أنسحب في هدوء بعد أن أعياني الإنتظار و ربما صدرت مني حركات تدل
تنم عن الضجر و الملل ،
و ربما ظللت أنتظر في ضيق ما يجترح صفاقة الصمت و يخترق سديميته.
للصمت أوقات و للصراخ اوقات.........
و كلنا نتكلم ،نصمت ،نصرخ ، نضحك ،نحزن ، نفرح...
كل أوقاتنا نتمناها حبلى بالنشوة و الغبطة و الحلم ،
نتمناها تروم الاكتشاف المحموم و تتحايل على الغد المجهول...
ننخرط في دياجير المستقبل و تجشم أهوال خباياه عبر المغامرة و الحماس ،
المتاهة الثانية :
القمل يرتع في شعور رؤوس الصبية .يحكون بأصابع متسغة ، بقوة ،
يتألمون ثم يتلذذون ............
تشرئب أعناق من جهات مختلفة و تتوقف حركة السير بالبلدة ، فاليوم عيد...
يسود المكان صمت رهيب و الكل ينتظر ..........
كم هو مرعب هذا الصمت القاتل .........
تشرق شموس و تأفل......
يبزغ فجر و ينكشف......
يهل ضياء و يخسف.........
تتوالى الأيام و يتمطى الوقت
و تفقد حياتنا تناغمها و سيرورتها المعتادة ....
خطواتنا إيقاعها متذبذب يثر الملل و السآمة ...
و شمسنا تزحف نحو المغيب رويدا رويدا...
سادرون نحن في دركات الفاقة نستجد بنظراتنا و حركاتنا لاستدرار غد مفقود
يطل علينا عهد جديد بلا ملامح و لا تجليات .......
عهد تتداعى فيه كل القيم و الشرائع
و يكون فيه نظام قائم على الامتثال و الإذعان
تتوالى الفصول و المواسم و تتعاقب الأيام
يستشري التسيب و تعم الفوضى
إنه الزمن القادم
زمن رسخت دعائمه الولاءات المتناسلة و المباركات المتوارثة ..
زمن تتشابه فيه الحكايات و تتقارب الروايات ...
شخوص نمطية و أحداث معادة و مشاهد جاهزة...
من يصدق الرواة ?
من يثق بأكاذيبهم?
من يتذكر منا حكايات الجدات ، في عهدنا المشرق تحت ضوء الشموع و الفوانيس
في الخيام الرابضة تحت جنح ظلام دامس?
من يفكر في الرياح الهوجاء و العواصف و المؤامرات...
المتاهة الأخيرة:
أجرجر ذيولي كعادتي
و أحجل في امتدادات زمن متخم بالأعطاب و الآفات .
أتورط في مآزق انتدابات محبوكة.........
و تؤزمني ارتجاجات عابرة .......
تخذلني أحلامي الطائشة......
تستباح النوايا .......
تدجن الرغبات و لا خيار لي سوى الرضوخ و التفرج....
تتكرر النبرات و الإيقاعات
تضيع أماني أمتي في لجة الهراء العظيم.........
خاتمة :
سألوا معتوها ذات يوم :ما الفضيلة الحقة?
قال هي حب الوطن........
سألوه : و ما الخير يا معتوه?
قال عندما تنام و لا تنام فضائلك
و قالوا له : أرسل رسالة لبني قومك
فصرخ فيهم :أي بني قومي....
أنا لم أصغ انطباعاتي عن واقعكم كي أتحرر منها وحدي.......
و تبقوا أنتم مقيدين....
و إنما صغتها لنسمو كلنا على هذا الواقع المرير