عل كان أستاذنا الراحل يقرأ الغيب؟ عنه أتحدث واستأذنه في آن واحد فهو كما ـ نحن طلابه ـ نلقبه بالسهل الممتنع الذي اذا تحدث سحرنا بأسلوب رشيق قوي وعميق ساحر وجذاب وهو صاحب مبدأ لايحيد عنه إذ عندما تحولت مصر الي الاشتراكية كان هو ليبراليا فاختار أن يغادر مصر الي البنك الدولي وألا يبيع مبادءه,
وعاد عندما أصبحت مصر ليبرالية واختار النضال من أجل الديمقراطية وهنا استأذنه ـ رحمه الله ـ في نشر جزء من محاضرة كان قد ألقاها في نادي الصيد يوم3 إبريل عام1993 وكان عنوانها: الديمقراطية ومستقبل التنمية في مصر: أتحدث وأستأذن عن ومن أستاذنا المرحوم الدكتور سعيد النجار. ننقل من المحاضرة الجزء السابع بعنوان: الديمقراطية والاسلام السياسي وما قاله بشجاعته المعهودة دون تردد أو خوف ويكاد يكون حديث ذلك, لوقت هو حديث اليوم فماذا قال استاذنا؟ قال اننا لانستطيع الكلام عن استكمال المسيرة الديمقراطية دون الاشارة الي ظاهرة التطرف الديني, نعرف أن مصر تمر في الوقت الحاضر بمرحلة حرجة من جراء المواجهة مع الحافة المتطرفة من التيار الديني التي تعتقد ان التجديد في مصر والعالم الإسلامي لن يتحقق الا بالعودة الي ماكان عليه المجتمع الاسلامي في فجر الإسلام بكل تنظيماته ومؤسساته ورموزه وأشكاله وهذا هروب من الحاضر ودعوة الي الهجرة الي الماضي السحيق. ان مصلحة التيار الديني ذاته أن يكون أكثر تحديدا في كل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المطروحة وأن يتخطي مرحلة الشعارات العامة الي مرحلة أعلي من العمل السياسي وهناك نسبة عالية من أفراد الطبقة الواعية تري خطرا كبيرا في فتح ملف الديمقراطية مادام أن دعاة الاسلام السياسي لايفصحون عن نياتهم الحقيقة, وهم يبررون مخاوفهم بدليلين:
أولهما أن التاريخ لايدع مجالا للشك أن الحكومة الدينية والاستبداد السياسي صنوان لايفترقان, وهذا يصدق علي التاريخ الإسلامي عدا الفترة القصيرة للخلفاء الراشدين في فجر الإسلام ويصدق أيضا علي تاريخ المسيحية في أوروبا أما القول بأن الحكومة الإسلامية سوف تكون حكومة مدنية فهي ستكون حكومة دينية مثل غيرها مما عرفت البشرية عبر العصور, والدليل الآخر علي التعارض بين الحكومة الدينية والديمقراطية مستمد من الواقع المعاصر وهو ما نشهده في إيران والسودان, حيث استولي دعاة الإسلام السياسي علي السلطة وأقاموا نظاما للحكم لايعرف التعددية الفكرية أو الحزبية. أن الخروج من هذا المأزق يتطلب الدخول في حوار صريح وأمين مع التيار الإسلامي المعتدل لمعرفة نياته الحقيقية ومدي اتفاق برنامجه السياسي مع بعض المبادئ الأساسية التي تشكل جوهر الديمقراطية والتقدم وتتلخص في:
أ ـ أن الأمة التي لاتاريخ لها لامستقبل لها ومن ثم فإن التقدم وملاحقة الحضارة لايعني تجريد مصر من هويتها العربية والإسلامية.
ب ـ أن الإسلام دين العقل, غير أن العقل ليس شيئا جامدا ولكنه في تغيير دائم تبعا لتراكم المعرفة والتجربة الانسانية وتغير الظواهر الاجتماعية التي تحيط به, فالعقل الانساني في القرن الهجري الأول يختلف تماما عنه في القرن الـ15 هجريا.
ج ـ أن قوة مصر والبلاد الإسلامية وخلاصها من التخلف والفقر لايجوز أن يقف التفسير السلفي للنصوص في سبيل ذلك وواجبنا معرفة سر التفوق الساحق للحضارة الغربية وهو مالم يحدث دون تقدم مواز له في العلوم الاجتماعية مثل الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها ولكن يبدو أن الصلة بين الاثنين خافية علي بعض دعاة الصحوة الإسلامية إذ يرحبون بمكتسبات العقل في العلوم الطبيعية ويرفضونها علي العلوم الاجتماعية فهم يتمتعون بالسيارة والثلاجة والقطار وغيرها ويرفضون ما وراء ذلك من تنظيم سياسي واقتصادي واجتماعي, أن الأخذ بمكتسبات العقل في العلوم الاجتماعية لايقل أهمية عن الأخذ بها في العلوم الطبيعية وإذا لم نفعل ذلك فلا حضارة ولاحرية ولامدنية ولاتقدم ولاتنمية.
د ـ أن هناك فرقا بين الدستور وبين البرنامج السياسي لأي حزب, فالدستور لابد أن يتسع لكل المصريين علي اختلاف عقائدهم الدينية وبصرف النظر عن توجهاتهم السياسية, أما البرنامج الحزبي فيعبر عن وجهة نظر أنصاره ولذا لايجوز إقحام التوجهات الخاصة لحزب من الأحزاب في المبادئ والأحكام الدستورية سواء كانت توجهات إسلامية أو اشتراكية شمولية.
و ـ أن كل القوي السياسية ينبغي أن تلتزم ببعض القيم العليا التي تسمو فوق كل تشريع ولا يجوز لأي أغلبية برلمانية أن تتخطاها بمعني أن الأغلبية ليست مطلقة اليد تفعل ما تشاء اذا ما جاءت الي السلطة السياسية وإنما تتحرك في اطار مرسوم وهذه قاعدة أساسية في كل البلاد العريقة في القيم الديمقراطية.