كادا يلتقيان امس اكثر من مرة، وكادت بيروت تنضم الى العواصم التي تشهد على تبادلهما النظرات او ربما التحيات او حتى المجاملات البروتوكولية. ولا شك في أن موكبيهما تقاطعا عند اشارة مرور او زحمة سير او منعطف على الطرقات الوعرة للعاصمة اللبنانية.
لكن بيروت لم تكن محظوظة مثل اسطنبول او فيينا او بغداد او كابول او نيويورك طبعاً، مع انها كانت بحاجة الى تلك الصورة او الى تلك الذكرى التي تساعدها في التثبت من ان العالم قد تغير، وفي التأكد من ان الوفدين الاميركي والايراني اللذين جمعتهما الصدفة امس في العاصمة التي سبق أن كانت مسرحاً لصراعاتهما، ليسا عدوين في حالة حرب على ما يظن كثيرون من اللبنانيين.
سبق للوفدين ولبلديهما أن تفاهما وتعاونا وتواطآ في افغانستان والعراق وفي الخليج العربي، بل حتى في البحرين، التي تتعامل معها طهران باعتبارها قضية انسانية فيما تتعاطى معها واشنطن باعتبارها قضية اخلاقية.. من دون أن تكون سبباً اضافياً لنزاع مباشر بينهما، تماماً كما هو الحال بالنسبة الى لبنان حيث صار النأي بالنفس عن تحدياته هو كلمة السر الأميركية والإيرانية، مثلما هي كلمة السر اللبنانية المكشوفة.
لم يأتيا الى بيروت بنية التصادم ولا بنية التنافس. أرخت الأجواء الإيجابية لمفاوضات اسطنبول النووية الشهر الماضي بظلالها على التزامن العفوي بين الزيارتين. تبين أن تهديدات الحرب بين البلدين التي سادت في الأسابيع التي سبقت اللقاء في المدينة التركية، كانت مجرد تهويل او تخويف يخدم مبدأ التفاوض وخاتمته السعيدة المرجحة في لقاء بغداد في وقت لاحق من هذا الشهر. وهو ما ترفض أن تلاحظه غالبية لبنانية ساحقة ما زالت تعتقد ان الحرب حتمية، وما زالت تفترض أن أصداءها ستتردد في شوارع العاصمة اللبنانية.
مع ذلك، فإن بيروت لم تتوتر كثيراً بفعل الزيارتين المتباعدتين، ولم تتطاير الاتهامات المتبادلة بالعمالة والخيانة التي كانت تغطي سماء لبنان عندما كان يصل أي وفد اميركي او إيراني.. مع أن الوفدين جاءا هذه المرة الى العاصمة اللبنانية لاستكمال صراع أخير بينهما على سوريا يقترب من نهاياته التي لن تدرج على جدول اعمال الجولة المقبلة من المفاوضات النووية في بغداد هذا الشهر.
كانت بيروت امس على موعد سوري مع الوفدين الاميركي والإيراني، لا يستدعي تعبئة خاصة لأي طرف لبناني، لان التفاهمات الضمنية بين واشنطن وطهران السارية في اكثر من بلد، تنطبق على لبنان وتدفع في اتجاه إقناع اللبنانيين بأن الأزمة السورية أكبر وأخطر من ان يسمح لها بأن تعبر الحدود اللبنانية.