لم يكن الأمر بحاجة إلى أدلة حتى يقترن الحديث عن أن التعثر في المخطط الأميركي استدعى قدوم فيلتمان إلى بيروت بعد أن قدمت تجارب السنوات وربما الأشهر الأخيرة تحديداً ما يكفي من شواهد على أن وصول فيلتمان إلى المنطقة، يقتضي أحد أمرين:
إما تعديل في المخطط أو أمر عمليات جديد!!.
أمر العمليات تسبقه بالعادة مؤشرات لم تكن غائبة هذه المرة، حيث يأخذ التصعيد منحى واضحاً ما يلبث أن يصل إلى ذروته مع اطلاع الأدوات الأميركية في المنطقة على تفاصيله عبر اللقاءات التي يجريها فيلتمان ويبلغها شخصياً لدائرة محتضنيه في بيروت.
لكن الزيارة الحالية قد لا تشبه سابقاتها، وإن تقاطعت في المؤشرات العامة، باعتبار أن المهمة الأميركية الجديدة تواجه ضغطاً متزايداً ناتجاً عن نفاد الوقت أمام الإدارة الحالية، والإحساس بأن خيوط الإمساك بالمخطط لم تعد محكمة كما كانت في الماضي.
فالتركي الذي يغرد بمنطوق أطماع خلافته العثمانية يقابله القطري والسعودي بالتعبير عن الإحباط واليأس وتهديد من تحت الطاولة بوقف المحاولة، بينما الأوروبي المشغول بتبدلات الخارطة السياسية داخل دوله، لا يجد متسعاً للاستمرار في الضخ السياسي والإعلامي.
وعلى التوازي معه كان جو بايدن يحاول أن يفرغ آخر ما في الجعبة الأميركية فيما مهمة المبعوث الدولي كوفي أنان تحاول أن تنفذ إلى أرض الواقع متجاوزة الأفخاخ المنصوبة عربياً وإقليمياً ودولياً رغم العثرات التي تعرضت لها، والمفارق الصعبة التي تواجهها.
وفق هذه المعطيات يبدو حضور فيلتمان في الوقت الحرج، وقد يكون خارج إطار التأثير إذا لم تفضِ المهمة إلى إعادة حشد أدواته والشخوص التي يحركها ليعيد الزخم إلى المشروع الذي سبق أن روجه.
فالواضح أن فيلتمان يدرك مسبقاً أن العثرات التي حالت دون أن يستكمل المشروع خطواته واضحة بل هي علنية، والأوضح ربما أنه لا تغيب عن ذهنه جملة من الحقائق التي تؤشر إلى العجز والإفلاس، وهو يواجه معضلة اللهاث وراء التعديلات التي تقتضيها الضرورة للإبقاء على المشروع وأدواته.
غير أن هذا على ما يبدو ليس في أولويات فيلتمان، فالمهمة المحددة هي محاصرة مهمة أنان ومنعها من النفاد كي لا تصبح الورطة أكبر، وكي لا تخرج المسألة برمتها من نطاق السيطرة الأميركية التي تواجه وبوضوح خروجاً على النص في سيمفونية التآمر قد تطيح بكل ما عملت عليه واشنطن على مدى الأشهر الأخيرة، وإن القصف اليومي على مهمة كوفي أنان لم تعط النتائج المتوقعة، وبالتالي لابد من إعادة ضبط الإيقاع ليكون أكثر مقدرة على التأثير في اتجاهاتها.
لذلك نستطيع أن نفسر الكثير مما يجري سواء في تصاعد إرهاب القاعدة بفروعها وأصولها، وربما نجد إجابات على الكثير من الأسئلة التي تثيرها مواقف «جنون العظمة» التركية الأخيرة والتصريحات «الهستيرية» السعودية والقطرية، وقد نتفهم بعض دوافع الأمين العام للأمم المتحدة وانزلاقاته المتتالية خلال حديثه اللا متوازن عن مهمة المراقبين والعقبات التي تعترضهم.
الأخطر ربما تلك الحالة الهستيرية التي تمارسها أطراف ودول وقوى في عملية تهريب السلاح، لأن ما انكشف ليس سوى عينة صغيرة، وما تعده دوائر الاستهداف يتواصل التحضير لتمريره.
وإذا كان الجزء الأساسي من مهمة فيلتمان هو العتب على بعض الأطراف اللبنانية لعجزها عن تدارك فضيحة «لطف الله 2» فإن الجزء الآخر الذي لا يقل أهمية هو اتخاذ ما يلزم من احتياطات لمنع تكراره مستقبلاً، خصوصاً مع التحضيرات الجارية للتصعيد والتي أنتجت هذا الكم من الإرهاب سواء أكان من قبل القاعدة أم سواها من التنظيمات الإرهابية الأخرى أم عبر مسعى بايدن ولغته التحريضية.
قد يطول تجوال فيلتمان، وقد تطول معه تعليماته الجديدة.. وربما تكثر ملاحظاته.. وقد نجد بعد بايدن الكثير من الرؤوس الحامية في الإدارة الأميركية التي تبحث عن دور، وربما موضع قدم في بازار الانتخابات الأميركية القادمة.. لكن ما هو مؤكد أن «خفي حنين» اللذين طالما اعتاد فيلتمان على الظفر بهما كحصيلة لكل جولة، قد لا يحظى بشرف الحصول عليهما هذه المرة؟!!