تضيع الشعوب اذا لم تجد رموزها .. الرمز في حياة المرء ضمانة لأنسنته، لاحساسه بموقعه الصح في مسيرة الحياة. أتطلع الى ” الثورات ” العربية والى الحراك الشعبي فلا أجد سوى بحث عن قائد هو رمز مرحلة تناسلت من مراحل او من مرحلة محددة بعينها. الليبيون خسروا القذافي لكنهم لم يصنعو قائدا، لهذا السبب لم يتوقفوا عن امتشاق السلاح، لو كان القائد موجودا لقال كلمته فمشوا خلفه صاغرين. هو الفتنة الذكية التي لاتترك مجالا امام التفكير، قوله فصل، ونظرته هي الصائبة، هكذا كل القادة الذين تدين لهم شعوبهم، وهم كثر اذا ماذكرناهم، بل هم الوجه المشرق في بلادهم وفي العالم. واذا ماتطلعنا الى مصر المحروسة نجدها باحثة ايضا عن رمزها، الفرق كبير بين الرئيس وبين القائد الرمز .. وفي تونس، هي ذات المشكلة التي تجعل التونسيين لايهدأون. وفي اليمن مازالت اللا قناعة بالموجود هي القضية، وفي سوريا ستظل الحرب بين المدافعين عن الرمز وبين الساعين من أجل رمز بديل قد لايجدونه فيقعون اسرى الخيار الليبي. قرأت مقالا لرجل دين فتعجبت لسطوة تشي جيفارا عليه حتى انه اعتبره رمزا للحياة. يظل الرمز قائدا ملهما وحتى في قبره اذا ماكانت حياته نموذجا مطلوبا من كل الناس كما هو الحال مع خيار رجل الدين هذا. مازال رمز الفرنسي نابليون على سبيل المثال، ومازال تشرتشل حاصرا ولو ان شكسبير على سبيل المثال نموذج أرقى لدى البريطانيين.. بل مازال جورج واشنطن حاضرا في الوجدان الأميركي الذي تعاقب كثيرون على حكمه لكن عشقه الوحيد موجود على الدولار الذي يتداوله في حياته اليومية. أذكر مثلا، ان الفيتنامي لم يكن يحارب فقط من أجل بلاده بل لأن زعيمه هوشي منه كان ولاّدة قيم يعشقها، وعندما مات هوشي وجدوا المفاجأة في وصيته وهي عبارة عن رسالة الى اطفال فيتنام. اما ماوتسي تونغ فمشى مسيرة العشرة آلاف ميل ومعه الآلاف من الصينيين الذي كانوا وراءه .. ربما لو لم يكن امامهم لما فعلوها ، ومن خلال ذكريات تلك المسيرة الطويلة ان الذي تعرض له السائرون من مصاعب ادى الى ابادتهم بالجملة ومع ذلك استمر الباقون لأن الزعيم استمر.
لانخترع مفهوما اذا قلنا بالزعامة او بالقائد الرمز .. جميعنا بحاجة اليه.. في الطفولة يصبح الأب او الأم رمزا، اما العمر المتبقي فهو بحث سواء بارادة او بلا وعي عن قيمة تقود وتؤثر، تتحول الى مثال ونموذج. كل ذلك يندرج تحت احساس الحماية الذاتية. من كان لديه رمز اذن فليحمه حتى برموش العين.