ما الذي دفع السيد عون الخصاونة إلى تقديم استقالته؟ هذا هو السؤال الأهم الذي يفترض أن تتوجه اليه نقاشاتنا، ربما نختلف على عملية اخراج الاستقالة وعلى توقيتها وارسالها من انقرة، ربما -أيضاً- يتصيد البعض “المناسبة” لتصفية حساباتهم مع الرجل، ربما يبالغ آخرون في تحميل الموقف اكثر مما يحتمل، لا بأس، لكن من واجبنا أن نتذكر بأن الرئيس المستقيل حين مارس مهماته في الشهر الاول تحت إحساس “لاستقلالية” توجه إلى عناوين مهمة أرضت الشارع، ابتداء من قضية الاعتقال السياسي، إلى ملف حماس، إلى الخصخصة.. الخ.
ما الذي تغير إذن، وما الجديد الذي اكتشفناه حتى نصبّ جام غضبنا على “حكومة” ليست أفضل ولا اسوأ من سابقاتها؟ هل المشكلة في شخصية الرئيس القادم من منصة “القضاء” في لاهاي، في مماطلته بتمرير قوانين الاصلاح، في محاولته فتح بعض ملفات “الفساد”؟ أم المشكلة في برلمان -مثلاً- انحرف عن مهمته فأغلق “ملفات” الفساد وبرأ المتهمين فيها، وخاض معاركه دفاعاً عن مصالح اعضائه، وابدع -أيما ابداع- في استفزاز الشارع.
آخر ما يخطر ببالي أن ادافع عن أحد، فعلى مدى ستة اشهر لم اكتب كلمة واحدة دفاعاً عن “الحكومة” لكن من واجبي الآن أن أدعو -وهذا أضعف الايمان- إلى مسألتين: أولاهما ضرورة الالتزام بأخلاقيات العمل السياسي في “محاكمة” أية تجربة حكم مهما كان صاحبها، وتجربة الحكومة السابقة لها اخطاؤها بالطبع التي قد تختلف عن اخطاء سابقاتها، لكنه اختلاف في الدرجة لا في النوع، والمسؤول عن هذه الاخطاء ليست الحكومة وحدها وانما ثمة آخرون يتحملون معها وزر ما حدث، والمهم -هنا- أن نتعامل مع التجربة بعين الانصاف.
أما الدعوة الاخرى فتتعلق بضرورة البحث عن الاجابات المفيدة على سؤال “الوقت”: لماذا استقال الرجل؟ هل كان يُضمر “الرحيل” حين غادر عمان إلى انقرة؟ هل كانت قضية “التمديد للبرلمان” كفكرة وكقرار هي السبب؟ هل اصراره على “الولاية العامة” عجل في رحيله؟ هل كانت “اللحظة” السياسية الراهنة بما تحتاجه من قرارات اقتصادية صعبة ومواجهة مع البرلمان ومحاولة “لاشغال” الشارع هي من استولد “القرار” ودفع به بسرعة إلى الواجهة.. هل ثمة علاقة بين الاستقالة وبين ملفات الفساد المؤجلة؟.
قد تختلف الاجابات هنا، وقد نسمع كلاماً آخر ومبررات اخرى، لكنْ، ثمة سؤال آخر مهم وهو: ما الذي يمكن أن “يتغير” مع الحكومة الجديدة، وما هي “المعجزة” التي تحملها، وبماذا سوف تختلف عن الحكومات السابقة؟ هل تسمح لها تجربتها السابقة أن تقنع الشارع بشيء جديد؟ هل ستوفر لها علاقتها مع الاسلاميين وغيرهم من قوى المجتمع “مظلة” لتمرير قانون انتخاب مقنع؟ هل سيختلف وداعنا لها عن وداع من سبقها من الحكومات؟.
بدل أن تنشغل “بالروح” السياسي، وبتوزيع الاتهامات، من الافضل أن نتوجه الى العنوان الصحيح “للازمة” التي يعاني منها بلدنا، وأن ننظر إلى المستقبل وما يهمّ الناس، وقبل ذلك كله أن ننتصر للوطن لا للاشخاص، وللمقررات لا للاجراءات، ولمشروع الاصلاح الذي “تعطل”.
باختصار، لكي نفهم ما جرى، يجب أن نعترف بأن ما فعلناه بأنفسنا على مدى الشهور الماضية نحصده اليوم.. ويا ليت أننا نتعلم من تجاربنا “المرّة” ونقتنع بأن خيارنا الوحيد هو “الاصلاح” الذي يقنع الناس ويحمي الدولة ويجنبنا سوء المآلات، ومزيدا من الخسارات ايضاً!.