تراجعت الدكتورة فايزة ابو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي عما تردد من ان الحكومة المصرية ابلغت اسرائيل نيتها التفاوض بشأن تعديل اسعار الغاز الطبيعي المصدر اليها، وقالت ان الحكومة المصرية ليست طرفا في هذه القضية كونها نزاعا تجاريا بين شركاء تجاريين ولا تعكس اي توجهات سياسية.
هذا التراجع جاء بسبب حالة الاحباط التي سادت الشارع المصري بسبب تصريحات نسبت اليها بعد ساعات من انتشار نبأ ايقاف السلطات المصرية تصدير الغاز الى اسرائيل. فالشارع المصري كان يتمنى منذ زمن طويل وقف تصدير الغاز الى اسرائيل وقطع العلاقات معها، بل والغاء اتفاقات كامب ديفيد التي ادت الى وجود سفارة اسرائيلية في قلب القاهرة.
الدكتورة ابو النجا تجانب الحقيقة عندما تصف القضية، اي وقف تصدير الغاز، بانها نزاع تجاري بين شركاء تجاريين، وتحاول بذلك نفي الصفة السياسية لهذه القضية، والتقليل من الجانب الوطني الشجاع فيها. فالمجلس العسكري الحاكم الذي اتخذ القرار كان يريد ارسال رسالة واضحة الى الاسرائيليين مفادها ان مصر تغيرت وان الزمن الذي كانت تبيع فيه غازها الى اسرائيل باسعار زهيدة جدا اقل من سعر التكلفة قد ولى الى غير رجعة.
العلاقات المصرية ـ الاسرائيلية تدهورت بشكل ملحوظ منذ اندلاع شرارة الثورة المصرية، فالسفارة الاسرائيلية مغلقة منذ اقتحامها من قبل المتظاهرين وبعثرة محتوياتها، والسفير الاسرائيلي من النادر ان يتواجد في العاصمة المصرية، والغاز الذي كان يتدفق عبر الانابيب مرورا من سيناء الى تل ابيب توقف كليا بعد تعرضه للتفجير اكثر من 14 مرة في اقل من عام.
الهيستيريا التي تعم اسرائيل حاليا تعكس المستقبل الغامض الذي ينتظرها بعد خسارة نظام حسني مبارك ونظامه الذي كان الحليف الاوثق للحكومة الاسرائيلية بغض النظر عن ايديولوجيتها السياسية، سواء كانت اقصى اليمين او اقصى اليسار. فمن يلغي اتفاقات الغاز ابرز اوجه التطبيع الرسمي المصري ـ الاسرائيلي يمكن ان يقدم على الخطوة الاكبر الا وهي الاتفاقات الام التي انجبت هذا التطبيع التجاري اي اتفاقات كامب ديفيد.
اتفاقيات الغاز بين مصر واسرائيل كانت اكبر رمز للفساد في عهد النظام السابق، مثلما كانت اكبر اهانة واستغباء للشعب المصري. فمصر لا تملك فائضا في الغاز حتى تصدره الى اسرائيل باقل من سعر التكلفة، بل انها تعيش ازمة غاز حقيقية بينما يتمتع الاسرائيليون بهذا الغاز وكل استخداماته سواء للتدفئة او توليد الكهرباء او الوقود.
الشعب المصري كان ينتظر قيادة شجاعة تضع حدا لهذه الاهانة، وتعيد الاعتبار للكرامة المصرية، ولهذا جاءت فرحته كبيرة بالغاء اتفاقات تصدير الغاز.
لا نستبعد، وبعد ان اقدم المجلس العسكري على هذا القرار الشجاع، ان تكون محاولات حماية خط انابيب الغاز عبر سيناء من التفجيرات جادة بالشكل المطلوب، فاذا كان الاسرائيليون لا يدفعون ثمن الغاز الذي يستهلكونه، ومجموعة الفاسدين التي كانت تنهب هذه الاموال على شكل عمولات اما موجودة في السجون او هاربة من وجه العدالة واعترفت بجرائمها كاملة فلماذا يستمر الوضع على ما كان عليه في زمن مافيا الفساد وعرابها الاكبر الرئيس المخلوع حسني مبارك؟
لا نعتقد ان الغاز المصري سيعود في المستقبل القريب او البعيد الى اسرائيل، سواء كان قرار ايقافه تجاريا او سياسيا، فاذا كان سياسيا فقد اصبح من المستحيل التراجع عنه لانه رغبة شعبية قبل ان يكون رغبة رسمية، اما اذا كان تجاريا فان التفاوض لتعديل الاتفاقات الموقعة بشأنه قد يستغرق سنوات.
الاهم من كل ذلك ان هرم الفساد انهار وعاد الغاز المصري الى اهله بالكامل وهذا انجاز مشرف بكل المقاييس.
Twitter: @abdelbariatwan