بقدرة قادر تحول مجلس النواب إلى مقبرة لدفن تقارير لجان التحقيق النيابية, على قاعدة “اكرام الميت دفنه” وهذه خاصية لم يتميز بها المجلس الحالي بل كانت تصرفا اعتياديا في المجالس النيابية جميعها واولها مجلس 1989 الذي أزاح حبل المشنقة عن عنق أحد رؤساء الوزارات بفارق صوت واحد.
يبدو أننا أسرفنا “شعبا ونوابا وصحافة” في تصديق فكرة لجان التحقيق, فوجدنا بالتجربة التي هي أكبر برهان انها جزء من “الديكور ومساحيق التجميل” التي كانت مهمتها اخفاء العيوب لا الكشف عنها او علاجها.
فقد تابعنا على مدار اكثر من عشرين عاما, أن لجان تحقيق نيابية “ضاعت” على الطريق أو غرقت في التفاصيل وبعضها “خرج ولم يعد” وبعضها الآخر إستمر”في الطحن” من دون نتيجة ولم يصدر تقرير ينهي المهمة.
وهناك لجان تحقيق”عابرة للمجالس” وبعضها اعيد تشكيلها في ثلاثة مجالس, وهناك عشر لجان رحلت من المجلس الخامس عشر إلى الحالي وبعضها سيرحل إلى المجلس المقبل.
وأقدم لجان المجلس التي لم تنه تقاريرها منذ سنوات طوال, اللجنة الخاصة بالتحقيق في سد الكرامة, وكذلك لجنة التحقيق في برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي, وكذلك لجنة التحقيق في ترخيص وبيع احدى شركات الاتصالات, وقد دخل الوزراء المعنيون في اكثر من حكومة وبعضهم توفاه الله, لكن اللجنة ما زالت “صامدة” و”يا جبل ما يهزك ريح”.
اما المجلس الحالي فقد شكل اكثر من عشرين لجنة تحقيق لم ينته الشوط الا في خمس لجان هي “الكازينو والفوسفات وعطاء لأحد المكاتب الهندسية في سلطة العقبة وسكن كريم” و “سفر خالد شاهين” وكل هذه التقارير “بالمصادفة” انتهت بتبرئة الرؤساء والوزراء المعنيين.
هذا التصرف رسخ لدى الاردنيين مقولة: “إذا بدك تدفن قضية, شكل لها لجنة”.
لا نجادل هنا بدستورية تشكيل لجان التحقيق النيابية, لكن نخشى أن تتحول اللجان إلى”مطهِّر أو مبيض للصفحات السوداء أو تشويه الناصعة منها” لعدة اسباب اهمها ان بعض اعضاء اللجان غير مختصين في العمليات الفنية أو القانونية المطروحة, مثلما هناك مصالح لبعضهم في “الاتهام أو البراءة”.
لذا فالافضل ان يكون القضاء هو المختص في كل عمليات التحقيق وقد فعلت التعديلات الدستورية خيرا حين نزعت صلاحيات مجلس النواب في توجيه الاتهام لرؤساء أو اعضاء الحكومات واكتفت بدور في “الإحالة”.
العرب اليوم