الإصلاح نيوز- كتب: حسين بني هاني/
لولا عقدة النفط، ما كان للولايات المتحدة، ان تقيم تحالفاتها مع اي نظام في الشرق الاوسط ، لا يشبه قيمها السياسية، او يتنكر للديمقراطية بمخرجاتها المعروفة. ولولا امن اسرائيل، ما كانت لتسكت عن انتهاكات حقوق الانسان المزمنة في العالم العربي ، وتماليء قادته ، وتتغاضى عن فساد الحكم وافرازاته ، عندما ادركت بعد غزوة نيويورك، بان ظاهرة بن لادن ماهي الا تجسيد لفشل النظام السياسي العربي .
منذ ذلك الحين، ادركت واشنطن ان التغيير هو الحل، وانه يجب ان يحدث اليوم قبل غد، وان اساليب الحكم في العالم العربي اصبحت بالية، ويجب ان تتغير، ولكن دون كلف سياسية باهظة ، تطيح بالنفط وامن اسرائيل، لذا كان هدف حرب الخليج الاولى عام 91 بالنسبة لها، هو الحفاظ على النظام السياسي القائم ، وحتى على صدام ، وكان الراي حينها ، لربما تستدعي الحاجة اليه مرة اخرى لشكم ايران ، بينما كان هدفها ” اي الحرب” عام 2003 ليس الاطاحة بصدام وحسب، وانما تقويض النظام العربي برمته .
من هنا جاءت فكرة الربيع العربي ، عندما سارعت واشنطن عقب احتلال بغداد، لاطفاء الحرائق العسكرية داخل العراق، لتتفرغ وتبدا باجراء فكرة الحوار الحقيقي ، حول دور الدين وعلاقته بالمجتمع العربي ، حيث فتحت الباب على مصراعيه، عبر الاعلام ، امام الشعوب العربية، لمناقشة عوائد النفط واثرها عليهم ، وعندما شجعت الاعتماد على اقتصاد السوق، وعقدت العشرات من الندوات ، التي دعت اليها قادة الفكر الاسلامي في العالم العربي، وعندما اغتنم الاخوان في الوطن العربي الفرصة، لكي يدفعوا بافضل قادتهم المتنورين، للمشاركة فيها ، عندها وحسب حدث الاختراق ، حين تقدم الصفوف منهم ، اولئك الذين تخرج معظمهم من جامعات الغرب، يلوكون السنتهم بانجليزية مبهرة ، مشفوعة ببرجماتية مذهلة ، قال فيها الاسلاميون، ان خلافاتهم هي مع المشروع الصهيوني وليس مع اليهود، وان النفط للبيع ، وليس للتخزين، وان اقتصاد السوق، ركن اساسي في الدين الاسلامي ، الامر الذي اذهل الامريكيين، واثار اعجاب قادة واشنطن ، وشجعهم على مزيد من الحوار .
في تلك اللحظة تولدت القناعة لدى واشنطن، بان الفرصة ، لاحداث التغيير ، باتت لائحة تماما ، بل ووشيكة ، وانها بحاجة لرافعة امريكية عاقلة ، وانه لا حاجة لتوسيع قاعدة الاحتلال الامريكي خارج حدود العراق ، في ضوء ضراوة المقاومة ، التي دعمها الجميع في دول الجوار العراقي من وراء الكواليس ، وباتت ” واشنطن ” على قناعة ، بان مالم يتحقق بالحرب، يمكن ان يتحقق بالاعلام والاستخبارات والحوار مع الاسلاميين، وانه اذا لم يقم القادة العرب، بقيادة حركة الاصلاح طوعا، فان الاتصال بالنخب وتشجيعهم على التحرك، وتوفير الدعم لهم هو البديل، وخلصت الى ان الخليج عموما، لايمكن الاعتماد عليه كحليف لها لمحاربة الارهاب، او حتى الحفاظ على امن النفط، وان الفكر الوهابي الذي انتج شخصية مثل بن لادن ورفاقه، نقيض للحضارة الغربية، فسارعت في مطارحة الاسلام السياسي التركي الغرام ، وضيقت على عسكر تركيا ، لانجاح التجربة الجديدة الصاعدة، ولم تنس ان تغازل اسرائيل قبل ان تدب الغيرة في مفاصل قادتها .
كل ذلك حدث، وقوى الاسلام السياسي العربي حاضرة، تراقب المشهد احيانا، وتشارك به احيانا اخرى ، بل حرصت تلك القوى ، على مواصلة الاتصال بواشنطن ، وقراءة تفاصيل توجهها الجديد ، ووجدت هذه القوى ، ان واشنطن مستعدة لاحداث التغيير، على ان لا يشمل ذلك دول النفط العربي، وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي، فالتقط الاسلام السياسي في عموم الوطن العربي اللحظة ، لاقناع الحكم ولو على استحياء احيانا، بضرورة ابرام عقد اجتماعي جديد، بين الحكم والناس ، بينما تولى اخرون منهم،تداول هذا الامر في عواصم القرار الغربي، بشيء من الصراحة المقلقة للحكام ، والموحية باستعدادهم للتعاون ، واخذ زمام المبادرة، وتم التفاهم معهم مرة اخرى ،على استثناء النفط وامن اسرائيل، من نتائج اي تغيير وهذا ما كان .
اقنع الاسلاميون الغرب قبل الربيع ، ان مشكلة الانظمة العربية، هي فساد الحكم ، واسناد المناصب لغير المؤهلين، واصحاب الكفاءات ، وفقدان العدالة في توزيع عوائد الدخل ، بالاضافة الى غياب الحرية والديمقراطية، والافراط في الانفاق لدى الاسر الحاكمة ، وابدوا استعدادهم ” اي الاسلاميين ” لخلق قاعدة سياسية محلية مرنة ، برؤية واضحة للشرق الاوسط، تقوم على اساس الارتباط مع العالم الغربي ، وبناء شراكة حقيقة معه، باعتبارها ” اي الشراكة ” احد شروط الاصلاح الذي يؤمنون به ويتوقون اليه .
اعجبت هذه الرؤية الولايات المتحدة، رغم اقرارها بان مثل هذه السياسة ، تحمل في ثناياها الكثير من المخاطرة، وانها ربما تقود الى سيادة حقبة قصيرة مؤلمة ، لدى العالم العربي ، ومقلقة لديها ولدى اسرائيل، باعتبارها فعل سياسي مبنى للمجمهول ، ولكنها ادركت ايضا وايقنت، ان هكذا خطوة تتطلب قرارات تاريخية ، تؤسس لمرحلة قادمة ، طال انتظارها ، لدى عامة الناس في الوطن العربي، من جانب توحي بها واشنطن، انها الى جانب الطموحات العربية، بعد ان لحق تلك الشعوب ظلم كبير، بسبب وقوفها الى جانب الانظمة العربية ، ومن جانب اخر، تغسل بها عبر الربيع العربي، وعبر دعمها له ودخولها عليه ، ما علق بايديها من دماء العراقيين ، بعد احتلالها لبغداد، ،وتظهر بان حربها ضد القاعدة ، الذي اثار حنق المسلمين بانها حرب ضد الارهاب ، وليس ضد الاسلام .
هكذا بدت لي صورة الربيع العربي، بعد مرور عام ونيّف عليه، فرصة صنعها البسطاء والفقراء وابناء السبيل ، واغتنمها الاسلاميون ، ودفعت الشعوب ثمنها غاليا قبل الحكام ، ولايعلم الحاكم ولا حتى المحكوم مآلاتها ، ولكن الثابت الوحيد في هذا الربيع ، ان حقبة جديدة قد بدات، وان واشنطن والغرب غير غائب عنها ابدا ، ومن يتابع تطورات الوضع في سوريا، يدرك تماما كم هي حاضرة ، ثنائية النفط وامن اسرائيل ، على هوامش الدم السوري المراق ، والذي استطاعت اسرائيل بيعه ، في سوق المبادلات السياسية مع واشنطن ، حين اقنعت الغرب كله بان خريف الاسد افضل كثيرا من ربيع الاسلاميين ، وان نار الاول ابرد كثيرا من جنة الاخوان .،