الإصلاح نيوز/
تبدو أزمة الكرة المصريّة وقد وصلت إلى مرحلة، عجز فيها القائمون عليها عن الوصول إلى حلٍّ يبث فيها الحياة من جديد بعد أن دخلت في مرحلة “موت سريري” عقب أحداث مجزرة بورسعيد، التي تعرّض لها أنصار وجماهير الأهلي المعروفون شعبياً بالـ “ألتراس” يوم الأربعاء الأول من شباط/فبراير الماضي، عقب نهاية مباراة الأهلي والمصري ضمن منافسات بطولة الدوري الممتاز المحليّة، التي أُلغيت إثر تلك الأحداث الأليمة.
ولم تتوقّف تداعيات أحداث بورسعيد على تهديد النشاط الخارجي فقط للأندية المصرية، فمنظومة كرة القدم المصريّة برمتها أصبحت في أزمة كبيرة يصعب الخروج منها والعودة بالنشاط على شاكلته القديمة، أو بمعنى أصح كما كان عليه في الماضي القريب قبل تاريخ الأوّل من شباط/فبراير، فمجلس إدارة الاتحاد المصري أو كما يعرف شعبيا بـ”مجلس سمير زاهر” قدّم استقالته مُكرها ومُرغماً عقب أحداث بورسعيد، وتولّت إدارة وتسيير أعمال الاتحاد وشؤونه لجنة مؤقته يرأسها السيد أنور صالح، وواجهت هذه اللجنة العديد من المصاعب والمشكلات دفعت الجميع إلى الاعتقاد أن “تجميد” نشاط كرة القدم بشكل عام هو الخيار الأنسب، خاصة في ظل الظروف السياسية المتقلّبة التي تمرّ بها مصر، التي أصبحت خلالها على أعتاب انتخابات رئاسية هي الأمل الحقيقي لكل المصريين لإعادة الاستقرار إلى البلاد عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
صعوبات كبيرة وأوضاع قاسية
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة للأندية المصريّة لإعادة النشاط الكروي، حتى ولو كان على استحياء وذلك عن طريق إقامة دورة تنشيطية دعت إليها اللجنة المؤقّتة، ثم وبعد فشل إقامة تلك الدورة لأسباب تنظيمية وإعلانية إضافة إلى تكرار الاعتراض من وزارة الداخلية المصرية، جرت محاولات أخرى لتنظيم بطولة كأس مصر، وذلك لبث الحياة من جديد في المنظومة بشكل عام خاصة أن الأندية أصبحت تصرخ بسبب إيقاف النشاط، الذي جعلها تتكبّد خسائر مادية كبيرة نتيجة توقّف الدخل من عائد البث التلفزيوني والإعلانات والحضور الجماهيري، في الوقت الذي ما زالت فيه ملتزمة بعقود لاعبيها، وهو ما جعل بعض تلك الأندية مثل نادي الاسماعيلي يفكر جديّاً في إلغاء نشاط كرة القدم حتى تتحسّن الأوضاع الداخلية، كما قام نادي الاتحاد السكندري بإنهاء عقد مدرّبه الإسباني باكيتا بالتراضي.
أما ناديا الأهلي والزمالك فقد أمضيا وقتهما في تنظيم العديد من المعسكرات والمباريات الوديّة للحفاظ على الحد الأدنى من لياقة اللاعبين، وذلك لخوض مباريات دوري أبطال أفريقيا، ولكن السؤال الذي يعجز مجلسا إدارة قطبي كرة القدم المصريّة على الإجابة عنه، أو بالأحرى يخشون حتى في التفكير فيه، ماذا لو ودّع الأهلي أو الزمالك دوري الأبطال مبكرا ومن الأدوار الأولى؟، ماذا سيكون مصير اللاعبين والأجهزة الفنية في ظل الميزانيات الضخمة والرواتب الكبيرة التي يتكبدها الناديان.
اعتراض شعبي على عودة النشاط
المُثير أن الاعتراضات على عودة نشاط الكرة المصريّة بشكل طبيعي لم يتوقّف فقط على وزارة الداخلية المصريّة، إذ إننا يمكن أن نصف تلك الاعتراضات بالشعبية في المقام الأوّل، وذلك بسبب حالة الرفض التام من الجماهير المصرية وفي مقدمتها جماهير الأهلي على عودة النشاط، في ظل عدم محاسبة المتسبّب الحقيقي في مجزرة بورسعيد، من خلال محاكمة عادلة تتم في ظروف طبيعية يتم القصاص من خلالها من مرتكبي تلك الجريمة البشعة وممَن تستر عليهم وممَن سهل وقوعها وممَن تقاعس عن حماية ضحاياها، محاكمة يراها الكثيرون هي الأساس الذي يجب أن يبنى عليه أي جهد لعودة النشاط بشكله الطبيعي.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة، هل تظل كرة القدم المصريّة مرفوعة من الخدمة حتى تنتهي المحاكمة، أم أن مجرد انطلاق المحاكمة، وهو ما حدث بالفعل يوم الثلاثاء الماضي السابع عشر من نيسان/أبريل الجاري، يجب أن يكون إيذاناً بعودة الحياة إلى طبيعتها للملاعب المصرية؟.
واختلفت الرؤى في الردّ على هذا السؤال تحديداً، فالبعض يرى أن الأوضاع الماديّة السيّئة للأندية المصريّة حالياً وللعاملين في نشاط كرة القدم المصريّة بشكل عام يجب أن تدفع الجميع لإعادة النشاط بأسره، خاصة أن العديد من الدراسات المهتمّة باقتصاديات كرة القدم أوضحت أن إلغاء الدوري المصري كبّد السوق المحلي خسائر وصلت إلى مليار و200 مليون جنيه، بحسب ما أعلنه عمرو وهبة مدير التسويق في الاتحاد المصري لكرة القدم، الذي أوضح أن تلك الخسائر ناتجة عن فقدان الشركات الراعية لنشاط مهم ومثمر جدا بسبب ربحيته الهائلة وهو الدوري المصري، بالإضافة إلى عوائد البث التلفزيوني، التي من المفترض أن تذهب إلى الأندية.
أما على الجانب الآخر فيقف المعارضون لعودة النشاط الكروي، وفي مقدمتهم وزارة الداخلية، موقفاً متشدّداً، وذلك بحجة منطقيّة جداً وهي كيف يعود النشاط ولم يتم تنفيذ أي إجراءات جديدة وصارمة تضمن بشكل تام عدم تكرار حدوث مأساة بورسعيد؟.
السير في الاتّجاه الخاطئ
والحقيقة أن الاعتراض على عودة نشاط كرة القدم في مصر له وجاهته، بل هو اعتراض منطقي جداً، لأنه للأسف كل جهود اللجنة المؤقّتة، التي تدير أمور الاتحاد المصري لرأب الصدع وبث الروح من جديد في النشاط الكروي، بدت وكأنها جهود تسير في الاتجاه الخاطئ، فعلاج ما حدث لا يكون أبداً عن طريق التفكير في إطلاق بطولة جديدة أو إطلاق بطولة كأس مصر، وإلا لو الأمر بهذه البساطة لماذا إذن لا تستكمل بطولة الدوري؟، طالما أن الاتحاد المصري يرى أن الحل يكمن في تنظيم بطولة من جديد.
إن مَن يتابع الأحداث منذ وقوع مجزرة بورسعيد وحتى الآن، لا شك أنه سيصاب بحالة ذهول شديدة نتيجة أنه لم تتم حتى الآن وضع أي حلول منطقيّة أو علميّة لتأمين وضمان سلامة الجماهير، التي تذهب إلى الملاعب لمؤازرة فرقها، ولمنع تكرار الممارسات السابقة التي أدت إلى مأساة بكل ما تعنيها هذه الكلمة من معنى.
كيف لم تدفع الكارثة التي حدثت، المسؤولين عن إدارة كرة القدم المصريّة والمسؤولين في الأندية إلى اتخاذ إجراءات جديدة مثل إنشاء إدارات لروابط الجماهير داخل الأندية على سبيل المثال، تعمل هذه الروابط على إصدار تصاريح خاصة موسمية للجماهير الراغبة في تشجيع فرقها ويتم تسجيل الجماهير قبل الحصول على هذه التصاريح، ولا يسمح من الأساس لأي فرد لدخول المباريات إلا بعد إبراز هذا التصريح.
كيف حتى الآن لم يتم الاتعاظ مما حدث في ملعب بورسعيد، الذي شهد مقتل 74 متفرّجا، كثير منهم مات لانعدام إجراءات الأمن والسلامة داخل الملعب نفسه، ولأن بوابات ومخارج الخروج والهروب لحظة حدوث الكارثة لم تكن مهيأة لاستيعاب العدد الكبير من الجماهير للهروب من المدرجات، وهو ما أدى لوفاة البعض نتيجة الدهس والاختناق؟، كيف لم يجتمع المجلس الأعلى للرياضة في مصر مع أساتذة الهندسة الإنشائية في كليات الهندسة المصريّة من أجل دراسة إجراء تعديلات إنشائية على كل الملاعب والإستادات الكبرى في مصر، بما يسمح بسهولة الدخول والخروج من تلك الملاعب وسهولة الهروب أيضاً إذا ما وقعت كوارث أو أعمال شغب؟.
كذلك يوجد سؤال بالغ الأهمية يجب أن يوجّه للقائمين على إدارة شؤون كرة القدم المصرية حالياً، وهو ماذا عن المنتخب المصري، الذي أصبح كالطير المهاجر يقيم كل معسكراته خارج البلاد بل الفريق خاض ثلاثة معسكرات متتالية خارج مصر، واجه فيها منتخبات كينيا والنيجر والكونغو الديموقراطية في قطر، وأوغندا وتشاد في السودان، ثم أخيراً نيجيريا وموريتانيا والعراق في الإمارات، وذلك لعدم تمكّنه من إقامة مباريات في الداخل حتى لو كانت معزولة عن أي جماهير، وذلك لأسباب أمنية؟، ماذا عن هذا المنتخب، الذي سيلعب أربع مباريات في شهر حزيران / يونيو القادم بالتزامن مع إجراء مرحلة الحسم من الانتخابات الرئاسية المصرية.
هل فكر مسؤولو الاتحاد كيف سيتمكّن منتخب، عجز عن اللعب مع كينيا بدون جمهور في الغردقة على ساحل البحر الأحمر،، من اللعب رسمياً مع زيمبابوي في تصفيات كأس العالم في مطلع حزيران/يونيو القادم،، ثم سيواجه جمهورية أفريقيا الوسطى في منتصف الشهر ذاته؟، هل سيسمح الأمن بإقامة المباراتين وهو اساساً سيكون متفرّغاً لتأمين الانتخابات الرئاسية وما قد يتبعها من استفتاء شعبي على الدستور المصري الجديد؟، أسئلة كثيرة وحائرة تبحث عن إجابات شافية بدون جدوى، والمؤسف حقاً أنه منذ وقوع كارثة بورسعيد لم يتم التفكير بأسلوب صحيح لتلافي ما حدث مستقبلاً، كما أن جميع الحلول التي وضعت واقترحت من قبل المسؤولين عن إدارة كرة القدم المصريّة لم تر النور حتى الآن، وهو ما ينذر بتراجع مؤسف في مستوى كرة القدم المصرية، التي وصل منتخبها في مطلع عام 2010 إلى احتلال المرتبة التاسعة على لائحة تصنيف الفيفا للمنتخبات العالمية، وهو الآن يقبع في المركز الـ 55 برصيد 566 نقطة، علماً بأنه الآن في وضعية أفضل مما كان عليه في الشهر الماضي حيث كان يحتلّ المركز الـ64 وهو أسوأ مركز للفراعنة، منذ أن بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم إجراء هذا التصنيف. الجزيرة الرياضية