لا توجد, في العالم كله, دولة تسمح لحزب يريد تقويضها بالعمل العلني والتحشيد العنصري والمنافسة السياسية والانتخابية, إلا الدولة الأردنية! نحن نتحدث عن “حزب جبهة العمل الإسلامي” الذي أعلن, بلسان أمينه العام, حمزة منصور, عدم الاعتراف الصريح بكيان المملكة وهويتها.
لا يخفي حزب الإخوان, في هذا الزمن الخليجي, تطلّعه إلى أغلبية برلمانية وتشكيل حكومة ذات ولاية عامة. ولكن, بينما تسعى فروع “الإخوان” في البلدان العربية الأخرى إلى أسلمة الدولة, فإن الإخوان في الأردن يسعون إلى شطب الدولة الأردنية, ووضع البلد في تصرّف الشقيق الحمساوي. وقد أعرب منصور عن نوايا حزبه هذه من خلال الإعلان عن رفض قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية وتعليماته, ما يعني, فورا, تجنيس ملايين الفلسطينيين,وتغيير هوية البلد وإلحاقه بالعملية السياسية غربيّ النهر. ولا يهم ما هو مضمون تلك العملية, سلاما أم مقاومة, ففي الحالتين, على الأردن أن يظل معلقا من قدميه بانتظار إنتهاء تلك العملية, لكي يتحدد كيانه ويتوضّح مستقبله!
يمثل هذا البرنامج جريمة بحق الأمن الوطني الأردني, حتى لو كانت فلسطين محررة, فما بالك وهي تحت الاحتلال? فهل يمكننا, هنا, أن نغضّ النظر عن التوافق الحاصل بين هذا المشروع الإخواني والمشروع الإسرائيلي?
ولا أتحدث عن مؤامرة ولا عن خيانة, بل عن توافق موضوعيّ, فالأردن, عند الصهاينة, هو جزء من أرض إسرائيل, بينما هو, عند “الإخوان”, جزء من أرض فلسطين, وفي الحالتين يظل الكيان الوطني الأردني بلا ذاتية وخارج المعادلة.
كيف يمكننا, إذاً, أن نقبل بحكومة ” إخوانية” ¯ حتى لو جاءت عن طريق صناديق الاقتراع ¯ يكون هدفها إلغاء تعليمات فك الارتباط وفتح باب التجنيس ? هذه ستكون حكومة انقلابية ليس ضد النظام وإنما ضد الدولة. واين هي, في العالم كله, الدولة التي تسلّم رأسها بالانتخابات?
الأهمّ, في قانون الأحزاب المنظور لدى مجلس النواب الآن, ليس حظر الأحزاب الدينية, وإنما حظر أي حزب يرفض قرار فك الارتباط وتعليماته, ويرفض, بالتالي, كينونة الدولة الأردنية وهويتها الوطنية.
قرار فك الارتباط لعام 1988 وما تلاه من إعلان الدولة الفلسطينية في العام نفسه, أسّسا لواقع سياسي جديد بالنسبة للشعبين الشقيقين. وحدة البلدين انتهت. لكن الأردن تحمّل نتائج تلك الوحدة كاملةً, فاعتبر أن جميع أبناء الضفة الغربية واللاجئين المقيمين على أرضه بتاريخ 31 تموز ,1988 مواطنين أردنيين, بل وزاد على ذلك, فاعتبر أبناء الضفة الغربية غير المقيمين فيها بذلك التاريخ, أردنيين أيضا. وهو ما رفع نسبة الأردنيين من أصل فلسطيني من 37 بالمئة إلى 43 بالمئة. ويريد منصور ان يرفع هذه النسبة, مبدأيا, إلى 60 بالمئة…, أليس ذلك هو الوطن البديل?
الواقع السياسي الجديد الناشئ العام ,1988 لم تجر دسترته ولا قوننته. وهذا التناقض هو الذي يمنع توحيد الشعب الأردني, ويسمح بفوضى المواطنة والهوية, ويخلط المواطن بالمقيم, ويخلق بيئة سياسية تقسم البلد, كتلة في مقابل كتلة. و” الإخوان”, كأخصامهم في النظام, يريدون تأبيد هذا الانقسام, والإفادة منه سياسيا, مهما كان الثمن.
ynoon1@yahoo.com