سيمر قانون الأحزاب السياسية، ومن بعده قانون الانتخابات، برحلة شاقة وعسيرة، وثمة ما يشي بأن خواتيم هذه الرحلة، ليست مفعمة بالأمل كبداياتها.
البداية كانت، من الأحزاب السياسية وبعض مراكز الدراسات ومؤسسات المجتمع المدني، التي تقدمت جميعها، بمشاريع قوانين وتعديلات، تظل على تعددها وتفاوتها، أكثر تقدماً من ذاك الذي جاءت به “لجنة الحوار”، قبل أن يمر بـ”مصفاة الحكومة” وينتهي إلى “مقصلة البرلمان”.
في ما خص قانون الأحزاب، كنا اقترحنا، وقبل أن تنهي لجنة التعديلات الدستورية مهامها، بأن تصبح المفوضية العليا للانتخابات، مرجعية للأحزاب في نفس الوقت، وأن يطلق عليها اسم “المفوضية العليا للأحزاب والانتخابات”، على اعتبار أن قانون الانتخابات المقترح، سوف يلحظ في صياغته للنظام الانتخابي، شكل من أشكال “النسبية والتمثيل النسبي”، ما يجعل المفوضية حكماً، “متورطة” في عمل الأحزاب، والمفوضية كما هو معلوم، هيئة وطنية مستقلة ودائمة، ومن المفترض أن لا تكون مثار خلاف واختلاف.
لكن الأمر لم يمض على هذا النحو، فدار جدلٌ حول أي من وزارات الحكومة يتعين أن تشرف على الأحزاب وعملها ومدى التزامها بالقانون، وفي هذا السياق، وردت “الداخلية” و”العدل” و”التنمية السياسية” كبدائل محتملة لهذه المرجعية، استبعدت الأخير باعتبارها “وزارة غير أصيلة” أو “غير سيادية”، عرضة للتغيير والضم والإلغاء، وظل الاختيار محصوراً بوزارتين العدل والداخلية.
جاءت الحكومة بمقترح تشكيل لجنة تتبع وزير الداخلية، وأمينها العام يعين من داخلها، مع ممثلين لوزارات وهيئات أخرى، أثار هذا الأمر استياء الأحزاب، قبل أن تحيل اللجنة القانونية الأمر برمته، إلى وزارة العدل، ليعود مجلس النواب بملف الأحزاب من جديد، إلى وزارة الداخلية، لكأننا ندور في حلقة مفرغة، لا مخرج منها ولا مفر.
وليت أن الأمر وقف عند هذا الحد، بل أن مجلس النواب أضاف قيوداً جديدة تتعلق بتأسيس الأحزاب، منها “القيد الديني”، وهي إشارة لا تخفى مراميها على أحد، وتندرج في سياق العلاقة المتوترة بين الحركة الإسلامية ومجلس النواب، والتي شهدت تصاعداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، لكأننا أمام لعبة “تصفية حسابات” بين المجلس والحركة، وقد نسي الإخوان النواب، أن الدولة الأردنية بكليتها، مبنية على “مرجعية الإسلام دين الدولة، ونظام الحكم فيها ملكي نيابي مرتكز لشرعية دينية”.
المؤسف حقاً، أن هذا التوجه، غير المسبوق في تاريخ العمل السياسي الأردني الحديث والمعاصر، يأتي في ذروة صعود الحركات الإسلامية في العالم العربي، حيث العالم برمته، يتجه للاعتراف بشرعية الأحزاب الإسلامية ويقرر الانفتاح عليها والتعامل معها، وهو أمر يعكس “غرقاً” عميقاً، بتفاصيل المشهد المحلي وحساباته الضيقة، من دون التفات على الأفق العربي والإقليمي، الذي يقترح خيارات وبدائل أخرى مختلفة.
لا يمكن للتشريع، أن يُصاغ وفق مقتضيات لحظة سياسية طارئة، ولا يمكن للمشرّع أن يغلب حسابات ثأرية أو انتقامية من جهة أو تيار أو فئة من المجتمع، لكن هذا “النفس الكيدي” في التعامل مع الحركة الإسلامية، بدا طاغياً في خلفية التشريع.
وإذا كان تعامل النواب مع قانون الإنتخاب، على نفس شاكلة تعامله مع قانون الأحزاب، فأحسب أننا سننتهي إلى رزمة من قوانين العمل العام، لا ترقى إلى الحد الأدنى من الطموح الإصلاحي الذي يعتمل في صدور الإصلاحيين والنشطاء وعموم الرأي العام الأردني، أحسب أن مجمل مشروع الإصلاح السياسي، يتعرض اليوم، لعمليات تقزيم متدرجة، تبدأ بالحكومة ولا تنتهي بالنواب.
مثل هذه التشريعات، ليست عاجزة عن الإجابة عن أسئلة الإصلاح في الأردن، مثلها كفيل بزرع حقول ألغام كبيرة، ستنفجر في وجوهنا جميعاً، طال الزمن أم قصر، إن نحن أفقنا في نزع فتائلها المشتعلة قبل فوات الأوان، فهل نأخذ الحكمة ممن سبقونا في دول الجوار القريب والبعيد؟.
الدستور