إذا كنا جادين حقا في إجراء انتخابات نيابية قبل نهاية العام الحالي، فإننا بحاجة إلى حملة سياسية لتنقية الأجواء وتنفيس الاحتقانات.
حملة كهذه تعادل في أهميتها التوافق على قانون انتخاب يضمن مشاركة الجميع؛ فما قيمة المشاركة في أجواء الاستقطاب الحاصل بين مكونات المجتمع، والتوتر في العلاقة بين الدولة وقوى اجتماعية؟
واي نوعية من النواب ستفرز مثل هذه المناخات؟مسؤولية إدارة وقيادة الحملة السياسية تقع على عاتق الدولة بكل مؤسساتها؛ فهي الطرف المعني برعاية مصالح كل الأطراف، وتهيئة الساحة للتنافس وفق أسس عصرية تواكب التغيرات الحاصلة في المجتمع وتلائم أهداف العملية الإصلاحية.
الزاوية التي تنظر من خلالها الدولة إلى المجتمع هي العامل الحاسم في تشكيل هويته. السائد في أوساط الدولة حاليا نظرة تختزل المجتمع في تكوينات عشائرية ومناطقية وجهوية، بل طوائف وأصول ومنابت فقط، وتتعامل معه من هذا المنطلق، في تناقض صارخ مع خطاب سياسي نظري لا يكف عن التبجح بقيم الحداثة والمجتمع المدني.
لماذا لا تنظر الدولة إلى الأردنيين وتتعامل معهم بوصفهم أعضاء في نقابات مهنية وعمالية، وأحزاب واتحادات طلابية ونسوية، وروابط ثقافية ومؤسسات مدنية، وأندية وجمعيات خيرية وتعاونيات أهلية؟
إنهم الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين ترتبط حياتهم ومصالحهم وطموحاتهم ارتباطا وثيقا بهذه الأطر.ألم تأخذ الدولة على عاتقها إحياء الطبقة الوسطى باعتبارها العمود الفقري للمجتمع، ورافعة العمل السياسي؟
فهل تستقيم هذه الدعوة مع النظرة الرسمية السائدة حاليا؟
كيف للدولة أن تطلب من الناخبين اختيار ممثليهم في البرلمان بناء على برامجهم، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، بينما تكرس في سياساتها الهويات التقليدية والبدائية؟قبل ولوج موسم الانتخابات المقبلة، يتعين على الدولة أن تغير نظرتها إلى المجتمع والأفراد، وأن تتجه صوب مقاربة جديدة للعلاقة مع القوى الحية والناهضة في البلاد.
في الطريق إلى الهدف، لا بد من العمل على تجنب الأزمات وتفكيك القائم منها، والانفتاح على الاتجاهات الصاعدة في البيئات المحلية، ورعاية حوارات وطنية حول الأولويات الأردنية، وتمكين الشباب على مستوى البلاد من الحوار المباشر مع القيادة السياسية.
الانتخابات ليست مجرد صناديق اقتراع؛ هذا التعريف يفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، ويحولها إلى مجرد أداة للاستئثار بالسلطة.
ينبغي أن ترتبط الانتخابات بأهداف وطنية محددة تتصل بحياة الناس، وتحفزهم على المشاركة في تقرير مصيرهم.
حتى الآن لم نفعل شيئا لتغيير الصورة السلبية عن الانتخابات في أذهان الناس، بوصفها موسما للمنافع الشخصية ما دامت النتائج معروفة سلفا.لا تطلبوا من الناس أن يتغيروا قبل أن تغير الدولة نظرتها إليهم.