زهير عبد القادر
كان جدي رحمه الله يتحسرعلى ايام شبابه قائلاسقا الله على ايام زمان) والان اصبحنا نحن نقول نفس الجملة…هل تذكرون يا ابناء جيلي…ايام السهر الجميل تحت اشجار العنب في ايام الصيف الجميلة…هل تذكرون سهراتنا مع الاقارب والاحباب والجيران والاولاد والاحفاد؟…ما زلت اذكر جيدا ليالي الماضي الجميل وحكاياته وسهراته…كانت الاسرة تجتمع معا ابي وامي والاخوان والاخوات وعمتي وخالتي وجدي وجدتي …كنا نجلس جميعا (الجمعة او اللمة) نتسامر ونضحك ونسمع حكايات جدتي الطريفة وحكايات جدي البطولية…ونشرب الشاي والقهوة ونأكل (بذرالبطيخ والقضامة والفستق السوداني)ونتحلى بتذوق الملبس والحامض حلو…كنا نجلس ساعات طويلة نتمتع بشعوراللمة اوالجمعة التي تجمع الاهل والاقارب والاصدقاء المقربين …
كنا نتبارز من يوصل الجد والجدة الى منزلهما ليلا…ومن منا الشجاع الذي لايخاف ظلمة الليل….كنا نفرح عندما كانت الجدة تفتح الكيس الصغير المغلق في رقبتها وتخرج منه بعض النقود وتعطينا اياها وبالتساوي…نعم انها ايام زمان حين كان الراديو حصرا على المقاهي وعلى العائلات الميسورة…وكان يتجمع الرجال في المقهى القريب ليستمعون الى اهم الاخبار وتعليق احمد سعيد…كانت جارتنا ام سعيد تحضر لنا صحنا من الطعام كلما طبخت طبخة مميزة وكانت امي تقوم بالمثل كلما طبخت هي الاخرى طعاما مميزا….
لا اذكر في طفولتي اننا اغلقنا باب منزلنا الخارجي الا في الليل اما باقي الاوقات فيبقى مفتوحا لاستقبال الاصدقاء…وكلما اتى زائر تجمعنا حوله لنستمع اليه ونقدم له الشاي والقهوة …
ودارت الايام…ومات الجد والجدة والام والاب…واصبح الباب يغلق ليلا نهارا….وتوفر الراديو والتلفزيون والكمبيوتر والخلوي وبأعداد مختلفة في كل منزل…وكبر الصغار وزاد عدد الاسرة وتفرقوا في انحاء العالم طلبا للعلم او للقمة العيش الشريفة….واصبحت الزيارات قليلة وقليلة جدا…وان حصلت فتحصل بعد تحديد موعد للقاء…واللقاء عادة لا يطول…فاذا دخلت منزل احدهم فتجده يجلس على الفيسبوك…وزوجته مشغولة بمكالمة اخرى…واولاده اما على (الشات) او التويتر وبناته يشاهدون احدى المسلسلات التركية…تدخل بيت بعضهم وتشعر وكأنك داخل مؤسسة رسمية…الجميع مشغول…الجميع منهمك…الاحاديث اصبحت قصيرة جدا (مسجات)…والمواضيع مختصرة…ولسان حالهم يقول لك (اشرب قهوتك والله معاك)…ومما يعقد امور التواصل اكثر بين الاسر هو كبرالمدينة وقلة المواصلات العامة وازمة المواصلات…فاذا كنت تسكن في عبدون على سبيل المثال وتريد ان تزور احد الاقارب في جبل الاشرفية مثلا فتحتاج الى ساعات حتى تصل الهدف…وتستبدل الزيارة في مكالمة هاتفية قصيرة تتضمن اسئلة روتينية مكررة…كيفك؟ كيف الاولاد؟ كيف شغلك ؟زورنا ياعمي …مشتاقون…وتسمع على الجانب الاخر…الحمد لله…بخير…الله كريم…انشاء الله…وهكذا تنتهي المكالمة…
التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي المتطورة اثرت كثيرا على عاداتنا وتقاليدنا واعرافنا….ورغم ايجابياتها تفككت علاقاتنا الأسرية واصبحنا لانرى اقاربنا الا ايام الاعياد والمناسبات….واسمحوا لي في الختام ان اقول لكم كما قال جدي….سقا الله ايام زمان …صباح الخير.
zuhairjordan@yahoo.com