قال المرصد العمالي الأردني “الضروري تضافر كافة الجهود الرسمية وجهود منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بحماية الطفولة والأسرة وتنظيم سوق العمل، وتطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم”.
وقال المرصد بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الذي يصادف 12 حزيران لم يعد الرقم المتداول والذي يشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في الأردن يبلغ (33) ألف طفل، يعكس واقع الانتشار الكبير للأطفال العاملين في مختلف مواقع ومكونات سوق العمل.
وبحسب البيان فان التقديرات تشير إلى أن أعداد الأطفال العاملين تزيد عن ذلك كثيراً.
نص البيان
للمرة الثالثة على التوالي يصدر برنامج المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية ورقة تقدير موقف تتناول حال عمالة الأطفال في الأردن بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، وهي مناسبة لمراجعة واقع ظاهرة عمل الأطفال في الأردن والاستراتيجيات والسياسات التي استخدمت للحد منها.
وللأسف الشديد لم نستطيع تسجيل أي تقدم ملموس في مجال انخفاض الأطفال العاملين، إذ لا يوجد قاعدة بيانات وطنية لعمالة الأطفال تمكننا من معرفة فيما إذا كان هنالك انخفاض في عدد الأطفال العاملين في الأردن أم لا، الاّ أن من الواضح للعيان ومن خلال الملاحظة المباشرة انتشار هذه الظاهرة وبشكل كبير في مختلف محافظات المملكة.
ورغم أهمية الجهود والبرامج والمشاريع التي قامت وما تزال العديد من المؤسسات الأردنية الرسمية وبعض منظمات المجتمع المدني الأردنية والعالمية والتي تستهدف تشجيع الأطفال العاملين واعادتهم الى مقاعد الدراسة، وتحقيق بعض النجاحات في دمج الأطفال العاملين في النظام التعليمي، الاّ أن العامل الحاسم في وقف الاتساع المطرد لهذه الظاهرة يتمثل في اعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها في الأردن خلال العقود الماضية وما زالت تطبق، وهي التي أدت الى زيادة معدلات الفقر، إذ أن أغلبية الأطفال العاملين ينتمون الى أسر فقيرة، (حسب مختلف الدراسات العالمية والعربية والأردنية) تدفعهم حاجتهم للبقاء لإخراج أطفالهم من مقاعد الدراسة، أو التساهل في تسربهم من المدارس بهدف المساهمة في توفير مداخيل اضافية تساعد هذ الأسر على تلبية حاجاتها الأساسية.
وفي هذا السياق ربطت منظمة العمل الدولية وفي اطار جهودها لمكافحة عمالة الأطفال في العالم لعام 2012 بين احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية كطريق لمكافحة عمالة الأطفال، واعتمدت لهذه الغاية شعار “حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية: فلنضع حدًا لعمل الأطفال”.
وتكفي قراءة موضوعية لمكونات سوق العمل الأردني ولواقع الأطفال العاملين فيه لوضع علامة استفهام كبيرة حول الأرقام المتداولة حول حجم عمالة الأطفال في الأردن. فلم يعد الرقم المتداول والذي يشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في الأردن يبلغ (33) ألف طفل، يعكس واقع الانتشار الكبير للأطفال العاملين في مختلف مواقع ومكونات سوق العمل، إذ أن هنالك تقديرات تشير الى أن أعداد الأطفال العاملين تزيد عن ذلك كثيراً.
والأطفال حسب التعريف الذي قدمته اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من الأمم المتحدة عام 1989 هم جميع الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً. وقد اعتبرت منظمة العمل الدولية القضاء الفعلي على عمل الأطفال أحد المبادئ والحقوق الأساسية الأربعة في العمل لإعلانها الذي أعلنته في عام 1998 إلى جانب الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية والقضاء على جميع أشكال العمل الجبري والقضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة. وهنالك أيضا العديد من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بإلغاء والحد من عمالة الأطفال منها: اتفاقية الحد الأدنى للسن رقم 138، واتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182، واتفاقية العمل الجبري رقم 29.
وعلى المستوى الوطني فإن قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 والتعديلات التي أجريت عليه، يحظر تشغيل الأطفال والأحداث، فقد نصت المادة (73)، على منع تشغيل الأحداث (الأطفال) الذين لم يكملوا السادسة عشرة من عمرهم بأي صورة من الصور، وحظرت المادة (74) منه تشغيل الأحداث الذين لم يكملوا الثامنة عشرة من عمرهم في الأعمال الخطرة أو المضرة بالصحة. وذلك انسجاماً مع مضامين اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (138) لعام 1973، المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام التي صادق الأردن عليها في عام 1997، والاتفاقية رقم (182) لعام 1999 المتعلقة بالقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال، والتي صادق عليها الأردن في عام 2000 واتفاقية العمل العربية رقم (18) لعام 1966 بشأن عمل الأحداث.
وتشير بعض الدراسات الا أن عمالة الأطفال تتكثف بين الذكور وفي القطاع غير المنظم، حيث هنالك أعداد كبيرة يعملون كبائعين في الشوارع وعلى الإشارات الضوئية وفي العديد من الحرف مثل النجارة والحدادة وتصليح المركبات وأعمال الدهان وتنظيف السيارات والمطاعم والمخابز، الى جانب العديد من القطاعات الأخرى.
ويتعرض الأطفال العاملون للعديد من المخاطر أثناء عملهم وأبرزها الضرر من الآلات الثقيلة والأصوات العالية والإضاءة الضعيفة والتعرض للمواد الكيميائية، ولإصابات عمل بحكم عدم موائمة قدراتهم الجسمانية وطبيعة الأعمال التي يقومون بها. هذا بالإضافة إلى أن غالبيتهم يعملون بأجور متدنية جدا، وبساعات عمل طويلة تصل في الكثير من الأحيان الى (10) ساعات يوميا، ناهيك عن سوء المعاملة والاهانات النفسية والجسدية التي يتعرضون لها أثناء عملهم.
وتشير مختلف الدراسات والتي كان آخرها الدراسة الهامة حول “الآثار المترتبة على عمل الأطفال في الأردن” والتي أجراها “برنامج مكافحة عمالة الأطفال عبر التعلم”، أن الأطفال العاملين يعانون نتيجة لعملهم من مشاكل واضطرابات نفسية واجتماعية وجسمية. كذلك فإن العاملين منهم في المهن الصعبة يتعرضون للعديد من اصابات العمل التي يمكن أن تسبب لهم بعض الإعاقات. وغالبا ما تترك الأعمال التي يمارس فيها سلوكيات استغلالية نفسية وجسدية إلى زرع الإحساس بالدونية والظلم، الأمر الذي يدفع العديد من الأطفال إلى الانحراف والتمرد على معايير وقيم المجتمع. هذا إلى جانب ارتفاع نسب العمالة غير الماهرة في سوق العمل بسبب عدم خضوعهم للتدريب الممنهج، الأمر الذي يجعل إنتاجيتهم متدنية.
وبهذه المناسبة فقد بات من الضروري تضافر كافة الجهود الرسمية وجهود منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بحماية الطفولة والأسرة وتنظيم سوق العمل، وتطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم، والعمل على تفعيل سياسات مكافحة الفقر الذي يشكل السبب الرئيسي لهذه المشكلة، إلى جانب إعادة النظر في مستويات الأجور المنخفضة في الأردن وتقليل شرائح العملة الفقيرة، إذ أن الغالبية الكبيرة من العاملين بأجر في الأردن لا تتجاوز رواتبهم 300 دينار شهرياً، من خلال اعادة النظر بمختلف السياسات الاقتصادية التي قادت المجتمع الأردني الى ما هو عليه، والعمل على بناء نموذج تنموي مولد لفرص العمل اللائقة.
وبات ملحا كذلك قيام الجهات الرسمية ذات العلاقة بتطوير قاعدة بيانات تفصيلية ومجددة لهذه الظاهرة، وكذلك العمل على تشديد الرقابة من قبل المؤسسات الرسمية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال، والعمل على تطبيق القوانين التي تحظر عمل الأطفال، ووضع عقوبات رادعة لحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، هذا إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناتجة عن عمل الأطفال في المدارس والأسر.
المرصد العمالي الأردني/ مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية
عمان – الأردن، 12 حزيران 2012