ناهض حتر /
ولا أقصد المفاضلة. لكن ها نحن نغرق في مناقشات ماراثونية حول قانون الانتخابات, بينما أصبح واضحا أن الحكومة قد قررت طيّ توصية مجلس النواب بفسخ عقد خصخصة الفوسفات ومتعلقاته, بحجة أنها لا تزال تدرسها. متى تنتهي هذه الدراسة, وتظهر النتيجة? وهل هناك ما يضطرّ الحكومة لإعلان موعد, أو الإلتزام بمضمون التوصية ?
البرلمان الحالي, على علاّته, أوصى في ما بدا أنه تسوية: منع المحاكمة مقابل إلغاء خصخصة الفوسفات. طيّب. ممتاز. لا نريد محاكمة أحد لا في ملف الفوسفات ولا في سواه.. ولكننا نريد إسترداد ثرواتنا الوطنية وشركاتنا وأراضينا وأموالنا.
أخشى أن السجال حول قانون الانتخابات والنظام الإنتخابي وتوزيع الدوائر, ومن ثم الانتخابات وحملاتها وصراعاتها, سوف تنجح, حسب الخطة, في تفكيك قوّة الضغط الشعبية لتصفية ملفات الفساد والخصخصة. عندها سنكون قد بنينا ما يسمى الإصلاح السياسي على غشّ, بل على ورم سرطاني سوف ينتشر في جسد الدولة كله.
دعونا نتخيل الآن كم من توصية ممتازة سوف يصدرها برلمان كفؤ منتخب ديموقراطيا, ومن ثم تخزنها الحكومات في الأدراج! فلماذا تعب القلب? حكومة برلمانية أم غير برلمانية.. ليس هذا هو المهم..بل الأهم يكمن في موازين القوى الاجتماعية السياسية. وهذه الموازين لا تزال مختلّة لصالح الأقلية الكمبرادورية التي كوّنت ثروات خيالية خلال العقد المنصرم على حساب تفكيك الدولة الأردنية وإفقار أغلبية الأردنيين وتهميشهم.
هنا المفصل الرئيسي للصراع السياسي في بلدنا: خصخصة ¯ بمعناها الشامل ¯ أم لا خصخصة? الأولوية للبزنس أم للمجتمع ? للشركات أم للدولة ? للأقلية المثرية أم للأغلبية الشعبية? للقطاع الخاص أم للقطاع العام ?
هذه هي الأسئلة التاريخية التي تواجه الأردن في هذه المرحلة. وقد أجاب معظم الأردنيين عنها بوضوح شديد, وتشكّل في الأردن – والحمد لله – تيار جارف معاد للخصخصة – الشرعية والفاسدة معا – ومؤيد للقطاع العام المحدّث الديموقراطي. وتقدم هذه الإجابة, جزءا اساسيا من الحل اللازم للمشكلة المالية العامة التي ترزح تحت المديونية والعجز. فاستعادة قطاعات المناجم والإتصالات والطاقة والمرافق العامة, وعوائدها, كفيلة بتوفير عائدات مجزية للخزينة تحول دون وقوع الكارثة المالية المقبلة.
ورغم ترسّخ هذا الوعي الاجتماعي الدولتي, المعبّر عنه في المواقف والإعتصامات والمسيرات والأهازيج, لا يزال النهج النيوليبرالي مسيطرا, بل ويشنّ هجوما مضادا على العشائر الأردنية “-المحافظة” – كما تقول رويترز – والتي تشلّ مواقفها المعادية للخصخصة والفساد, ” الإستثمارات” وتعرقل اجتذابها.
لماذا تأتي الإستثمارات إلى الأردن? لسوقه الضخمة? أم لعمالته المدربة الرخيصة? أم لتوفر الطاقة لديه بأسعار زهيدة? أم لسواد عيونه? إنها تأتي عندما تكون هناك فرص للنهب بأقل كلفة ممكنة. ولذلك, نحن نريد إسترداد الثروات والمرافق والعقارات التي نُهبَتْ من بلدنا وشعبنا. هذه هي قضيتنا الرئيسية. وهذا هو جوهر مطالبنا, وعنوانها هو تنفيذ التوصية النيابية باسترداد الفوسفات أولا.
الفوسفات وليس الانتخابات… ليست هذه مفاضلة, بل تحذير حتى لا نتوه.