لا بأس من مقاربات او مغامرات فكرية اخرى لمعاينة ما يجري من احتجاجات شعبية في الشارع العربي, ومن هذه المقاربات ظواهر تستحق العناء الفكري للتمعن والتأمل على الاقل, ومنها اعتبار ما يجري نوعا من ظاهرة اشتغل عليها مفكرون وفلاسفة.. سواء داخل التاريخ او في الادب والمسرح, وهي ظاهرة قتل الاب..
في كتابه (الطوطم والتابو) يخبرنا عالم النفس الشهير, فرويد, ويتابعه الفيلسوف الفرنسي, فوكو, ان المجتمعات الاولى (القابلة للتعميم) شهدت صراعا بين الابناء, والاب الذي كان يستحوذ على كل شيء, القطيع والنساء والمراعي فثاروا عليه واقتسموا املاكه ودخلوا دورة اخرى من الصراع.
وقد شجعتني محاضرة للصديق العراقي, فاضل الربيعي حول تحطيم الرموز فيما سمي (الربيع العربي) وربطها باغتصاب النساء وقتل الاطفال وتبديل البيارق والاعلام شجعتني على الربط بين ما قاله وما كتبه فرويد, وما تناوله المفكر الراحل هشام شرابي حول النظام الابوي في (الدولة القطرية العربية الراهنة) وما تناوله الدكتور ملحس ايضا, وتشخيص المفكر المغربي الراحل, محمد عابد الجابري لهذه الدولة, بما هي ما قبل دولة في الواقع (ثلاثية القبيلة والغنيمة والعقيدة) (مستفيدا من فوكو ايضا)..
ذلك ان ما يجري هو انتفاضات من داخل القاعدة الاجتماعية للدولة (الابوية) التي لم تشكل بعد كدولة مدنية معاصرة, وذلك ان ما يجري هو صراع قبائل وطوائف مع قبائل وطوائف لتداول الغنائم (ليس ثمة اقتصاد معاصر بعد)..
وكما في المجتمعات الاولى, اخصاء الاب او قتله, فليس بلا معنى ان (الثورات العربية) الجارية مارست نوعا من الاخصاء تمثل في تحطيم الرموز السائدة للنظام (الابوي) وعلى رأسها مصدر قوته (الجيش) بتحطيمه او خلق بديل مسخ له وكذلك تحطيم او استبدال بيارقه وراياته (الوشم في المجتمعات الاولى) بالاضافة للضخ الاعلامي العجيب وغير المفهوم دون القراءة السابقة, لاغتصاب النساء وقتل الاطفال فقد ترافق قتل الاب في المجتمعات الاولى مع اغتصاب النساء والصراع مع الابناء (قتل الاطفال) مما اقتضى عند جهات اعلامية معروفة فبركة مماثلة, وحيث غاب المشهد المذكور عن ثورة ميدان التحرير في القاهرة فقد اخترعوا حكاية بديلة هي (فحص العذارى..) فيما اشتهرت في ليبيا حكاية اغتصاب ايمان العبيدي, كما لاحظ الصديق الربيعي وليس بلا معنى ان هذه الظاهرة ازدهرت في فترات الازمات في الادب والمسرح, كما في مسرحية سوفوكليس (اوديب) وفي رواية دوستويفسكي (الاخوة كارامازوف) ورغبة سوزيما في قتل والده.
mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net