عبدالهادي راجي المجالي
أحيانا اعرج على مستشفى الكرك الحكومي , فلدي اصدقاء كثر هناك وقد لفت أنتباهي قبل فترة شاب في مقتبل العمر أتى بوالدته الى الطبيب .
أنا لمحت (البكم) وقد توقف أمام الطوارىء ولمحت الشاب كيف أخرج ( حفاية ) الوالدة ..والبسها أياها , ثم حملها بين يديه , بكل خفة …ولم يجلس على كرسي الأنتظار بل ظل واقفا وهي بين يديه .
جاء الطبيب , وادخلوها الى غرفة الطوارىء وبقيت أراقب الحالة , ويبدو ان العجوز كانت تعاني من ضيق التنفس , وكانت تصف للطبيب حالتها وقد سمعت وصفا طبيا غريبا وتلك المرة الأولى الذي اسمعه في حياتي وهو :- ( والله يا دكتور أتقول طور قاعد ع صدري … بعد ذلك توسعت بالوصف :- ( شايف من هان أتقول أنك ضاربني شبرية ) , ومن ثم استرسلت بالوصف وقالت :- ( جنبي يا حكيم ..في الليل ما بنام منو ..بحس سيخ حديد بخزق فيه ) …..
،الطبيب كان يسمع ويبدو أن لديه خبرة بهذه الأوصاف , ….بعد ذلك طلب من الممرض أن يقوم بتجهيز (التبخيرة) …وفي تلك اللحظة قام الابن بأحضار قطن مبلل بمادة معقمة ثم بدأ بمسح أقدام أمه …وشاهدته أيضا يقوم بتلميع حذائها , وأكتشف في لحظة من التأمل ان أظافر قدمي والدته قد أسترسلا في الطول فأحضر مقصا طبيا صغيرا وبدأ بقصهما .
،وفي تلك اللحظة كان الأطباء يعبرون من الطوارىء والكل يسلم على العجوز يبدو أنها مراجعة دائمة للقسم ….
،تم وضع التبخيرة …لها وكان الابن منشغلا بتنظيف اقدام أمه , وبعد أن أنهى أحضر كما كبيرا من القطن المبلل وبدأ بمسح اثار السجائر على المدرقة …والعجوز كانت مستسلمه للبخار الذي يوسع القصبات وكانت بعد كل استنشاقه تطلق (كحة) مدوية يعقبها الأبن بكلمة :- (صحة يمة ..صحة)
بعد أنتهاء التبخيرة أعطى الطبيب العلاج للأبن ونبه العجوز الى التدخين وطلب منها أن تترك السجائر فوعدت على مضض , حمل الأبن الوالدة بنفس الطريقة التي أدخلها بها …وأثناء حمله سقطت (حفايتها) فحمل واحدة بيديه والثانية بقيت على السرير ..ولان يديه كانت سجادة أو سريرا لوالدته ولا تقويان على التحرك أنزل رأسه والتقط الفردة الثانية من الحفاية بفمه ثم وضعها اسفل أبطه , وغادر للبكم …
،سألت طبيب الطوارىء فأخبرني بأنها عجوز طاعنة في السن ولديها أربعة أبناء , ولأنها تعاني من الربو يختل النفس لديها في الليل ويحضرها أحد الأبناء وكلهم يعاملونها بنفس الطريقة ….كلهم يحملونها ويمسحون أقدامها ويتهافتون لرضاها .
،عدت الى عمان مساء، وأنا أفكر في مشهد هذا الشاب الذي ألتقط حذاء والدته بفمه ووضعه تحت أبطه وغادر , وفي داخلي شيء يخبرني أن الأم وطن …في المحافظات البعيدة عن عمان وحدها تشعر أن الناس ما زالت على فطرتها , لم تلوث بالشعارات ولا بالأحزاب ..ولا بالصراعات تشعر أن الناس هناك ….ما زالت نقية صافية .
الحب في الكرك أكبر من الأحزاب ومن الدعوات ومن اللحى ……