أثبتت جمعة ” الفداء للوطن” ¯ 6 نيسان الحالي ¯ أن سياسة التصعيد الأمني والاعتقالات, هي وسيلة فاشلة في وأد الحراك الشعبي أو حتى خفض شعاراته. بالعكس, تزايد عدد المتظاهرين والمظاهرات وارتفعت سخونة الهتافات لتوازي غضب أحرار الطفيلة أو تتجاوزه. وعند هذه النقطة, ينبغي أن تراجع السلطات, موقفها, وتطلق سراح المعتقلين فورا, وتطوي ملف الحل الأمني.
من المهمّ أن نظلّ واعين جميعا إلى الأهمية الاستثنائية للنموذج الأردني الذي ترسّخ خلال ما يقارب السنتين من الحراك السلمي, الوطنيّ الطابع, المستقل عن المؤثرات الخارجية, المنادي بأهداف واقعية مبرمجة ومحددة يمكن التفاعل معها, في مقابل التجاهل المستمرّ لها من قبل النظام السياسي. لقد أظهر الأردنيون قدرا استثنائيا من الصبر والحكمة والتسامح إزاء عملية نهب الأردن, التي تكشفت ملفاتها وتفاصيلها وعُرف أبطالها. وقد تكوّنت حركة شعبية واسعة الأطياف, وضعتْ في مقدمة أهدافها تصفية الحساب مع ملفات الفساد والخصخصة. وهذه الحركة لن تتراجع أمام القمع لسببين, أولهما أن تلك الملفات هي المسؤولة عن تدهور الوضع المعيشي والحياتي للأغلبية, في مقابل الإثراء الفاحش للأقلية المستفيدة التي راكمت المليارات ووضعت البلد تحت أعباء المديونية والعجز, وثانيهما أن استراتيجية الحل الأمني لا تضبط إلا حين تقترن بقبول جماعي بخطاب وصدقية السلطات. ومن الواضح أن هذا الخطاب فقد صلته بالواقع بينما فقدت النخبة صدقيتها كليا.
ينبغي الانتباه إلى أن الخطاب الرسمي لا يزال على حاله منذ أكثر من عقد, يعيد تكرار الأفكار النيوليبرالية ويركّز على استراتيجية جذب الاستثمارات وأولوية البزنس ومساعي الحصول على المال السياسي. وهو لم يعترف حتى الان بأن الموديل الاقتصادي النيوليبرالي قد فشل إلا في تكوين طبقة من اصحاب الملايين والمليارات. وبينما شنت النخبة هجوما مضادا للدفاع عن الخصخصة الكارثية وإعادة الإعتبار للفاسدين وطيّ البحث في ملفات الفساد, تم الشروع في اعتقالات في صفوف الحراك الشعبي. وهي اعتقالات استفزازية فعلا على خلفية المفارقة التي لاحظها المتظاهرون بين التشدد في قضايا إطالة اللسان والتساهل في قضايا نهب الأوطان.
سأكون واضحا بالقول إنني أعتبر الإساءة لرأس الدولة نوعا من التطرف اللفظي الغاضب والناشز عن السياق السياسي للوضع الأردني. وفي مواجهة التجاهل الرسمي المديد لتصفية ملفات الخصخصة والفساد, فالجوهري هو حركة منتجة تركّز ¯ مثلا ¯ على تنفيذ توصيات لجنة التحقيق البرلمانية في الفوسفات, وتكثيف الجهد الشعبي لفرض إلغاء عقد خصخصتها واستعادة ملكيتها والأموال المنهوبة منها وتطوير نشاطاتها بما يرفد الخزينة ويحقق فرص عمل جديدة.
سيتضح الآن, أكثر فأكثر, أن الحل الليبرالي للأزمة الأردنية من خلال الانتخابات, دونه مصاعب جمة ناجمة عن عدم حل مشكلة المواطنة والهوية الوطنية, كما عن التفاوت الاجتماعي والتنموي بين الفئات والمناطق, وتعثر مسار الاندماج الوطني. وهذه كلها قضايا لا تحلها الانتخابات, وإنما الإرادة السياسية للدولة التي فشلت حتى الآن في تظهير وجودها واتجاهها.
ynoon1@yahoo.com
