يعتبر تهجير الفلسطينيين من القدس احدى أبرز السياسات للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والساعية لخلق واقع جديد يكون فيه اليهود النسبة الغالبة في زهرة المدائن، وبحيث لا يتجاوز عدد الفلسطينيين 22% من المجموع العام للسكان. ولقد أكد التقرير العلمي الذي أعدته دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية أن أول بنود السياسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة يتجلى في مسألة «سحب الإقامة (بطاقات الهوية المقدسية)» من المواطنين الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية، وملخصه أن سلطات الاحتلال سحبت ما يزيد على (14000) بطاقة هوية من المواطنين المقدسيين بين عامي 1967 و2010، بحيث شمل ذلك في تأثيره ما يزيد عن 20% من الأسر الفلسطينية المقدسية. كما سحبت سلطات الاحتلال ما مجموعه (4577) بطاقة هوية – بين عامي 2006 و2008 وحدها – وهو ما يشكل زيادةً تقدر بـ50% عن العدد الكلي لبطاقات الهوية التي صادرتها تلك السلطات من المقدسيين.
يلخص المحاميان المقدسيان (أسامة الحلبي) و(منال الحزان) محاذير سحب الهوية من المقدسيين بقولهما: «كل فلسطيني يحمل الهوية الاسرائيلية ليس مواطنا في الدولة، فاسرائيل تستطيع متى شاءت سحب هويته ولو كان مواطنا مقيما وعاملا في المدينة، بناء على بند قانوني اسرائيلي يخول وزير الداخلية سحب البطاقة الدائمة لمن يرى انه يشكل خطرا على الدولة، بالاضافة الى اقدام اسرائيل على سحب البطاقة المقدسية من كل شخص يتبين انه لم يولد في اسرائيل (سواء ولد في الضفة او خارج البلاد)». ومضى (الحلبي) قائلا: «اسرائيل تطلب من عائلة كل طفل ولد في المدينة اثبات ذلك جينيا وقانونيا»، موضحا ان قرار «لم الشمل» في دولة اسرائيل للحصول على البطاقة الدائمة للاقامة يخضع لثلاث مراحل «إن ووفق عليه» تبدأ بحق المكوث ثم الاقامة المؤقتة وأخيرا حق الاقامة الدائمة»، مضيفا «هنالك في المدينة المقدسة من أمضى عشرات السنوات وما زال يملك حق المكوث ليس الا»!! من جانبها، كشفت محامية «مؤسسة سانت ايف» لحقوق الانسان (منال الحزان) إخضاع اسرائيل المواطنين الفلسطينين في حال تقدمهم للحصول على بطاقة الهوية الزرقاء لمصطلح «مركز الحياة» والذي يمنح الحق لوزير الداخلية رفض طلب الحصول على الهوية لمن يستفيد ويفيد ممن هو غير اسرائيلي «اي يطال المواطن المقدسي والذي يقيم ويملك حق الاقامة في القدس لكنه يعمل أو يدرس في منطقة اجنبية بالتعريف الاسرائيلي».
وفي سياق الترانسفير/ الترحيل/ الطرد، يأتي إعلان إسرائيل عن الشروع في تجريب بطاقات هوية جديدة لسكان القدس أطلقت عليها اسم «البطاقات الذكية» كمحاولة للإيقاع بالمقدسيين، وحرمان عشرات الآلاف من حقهم في الإقامة في المدينة المقدسة. وقد بررت الداخلية الإسرائيلية استحداث البطاقات الجديدة بتزايد حالات فقدان الهويات ووثائق السفر، ووصولها إلى ما أسمته «أيادي إجرامية وإرهابية»، رغم أنها في حقيقة الأمر تستهدف تقليص الوجود العربي الفلسطيني في القدس، حيث يبين مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري: «للبطاقات الجديدة (الممغنطة) أجهزة خاصة، يمكن من خلالها استعراض كافة المعلومات عن أصحابها وملامح وجوههم وبصماتهم وأماكن إقامتهم وديونهم وغير ذلك. ومن خلالها يمكن تحديد طبيعة وعدد تنقلات أصحابها وأماكن إقامتهم، وبالتالي حصر الموجودين داخل القدس، وأولئك الذين يحملون هوية القدس ويسكنون خارجها». وقد توقع الحموري تضرر أكثر من 120 ألف مقدسي من القرى والبلدات المجاورة/ الملاصقة التي أخرجها جدار الفصل العنصري العازل عن المدينة، وتهديدهم بسحب حقهم في الإقامة.
من السهل على الاحتلال اختلاق الذرائع لسحب هويات المقدسيين ومنها عدم الإقامة في القدس، أو عدم دفع ضريبة السكن، أو التخلف عن تسديد ضريبة المعارف وغيرها من الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون. وقد حددت الأمم المتحدة أربع مجموعات مختلفة عرضة للتأثر في القدس، «الأولى: فلسطينيون يحملون هويات القدس ويعيشون فيها ولم يتم تشريدهم غير أنهم معزولون عن عائلاتهم. والثانية: فلسطينيون يحملون هويات القدس ويعيشون خارجها ويواجهون خطر التشريد وإلغاء حقوقهم في المدينة. والثالثة: فلسطينيون بدون هويات مقدسية يعيشون في ضواحي القدس مثل بلدتي (الرام) و(أبو ديس)، ويسعى الاحتلال لنقلهم إلى الجانب الآخر من الجدار في الضفة الغربية. والرابعة: فلسطينيون لا يحملون هويات مقدسية ويقيمون في القدس ما يجعلهم مقيمين «غير شرعيين» في منازلهم، وفقا للقوانين الإسرائيلية.