«انظر إلى الخريطة جيداً. القوات الأميركية ستستكمل انسحابها من العراق. لا قواعد أميركية ونفوذ الأميركيين تراجع قبل انسحابهم. هذا حدث كبير بالنسبة إلى المنطقة ومستقبل التوازنات فيها. قرار إفشال الغزو الأميركي للعراق اتخذ قبل الغزو بأسابيع في قمة سورية – إيرانية عقدت في طهران. الباقي يندرج في باب التفاصيل بما في ذلك دور الجهاديين وممراتهم.
انظر إلى الخريطة جيداً. ضع إيران والعراق في تحالف وتكامل. إنك أمام كتلة سكانية كبيرة واحتياطات نفطية كبيرة وإمكانات عسكرية ليست بسيطة. مجرد التحالف بين طهران وبغداد يبعث برسالة مهمة إلى جيران البلدين.
أضف إلى البلدين ثقل سورية بفعل موقعها. وإذا أضفت سورية يمكن أن تضيف لبنان أيضاً الذي رسخت حرب تموز (يوليو) 2006 موقعه في هذا التحالف على رغم بعض الخصوصيات اللبنانية. أمام مثل هذا التحالف سيكتشف الأردن أنه لا يستطيع أن يكون معادياً. الأردن يدرك جيداً قدرة إيران وسورية على التأثير في استقراره وتحديداً عبر النافذة الفلسطينية.
لا يتعلق الأمر ببناء «هلال شيعي» بقدر ما يتعلق بانقلاب كبير على توازنات قديمة في المنطقة. سقوط نظام صدام حسين وفر الفرصة لإعادة إطلاق هذا الانقلاب الذي يؤدي عملياً إلى تحجيم أدوار عربية رئيسية كانت قائمة في العقود الماضية. نجاح الانقلاب يفترض أيضاً تحجيم دور إسرائيل وكذلك الدور الأميركي في المنطقة. هذا المحور قادر عملياً على التأثير في أمن النفط وأمن إسرائيل، أي في الملفين الأهم للغرب في المنطقة.
اخطأ ديبلوماسيون ومحللون في فهم الهدف من ارتقاء العلاقات السورية – التركية إلى المستوى الاستراتيجي. ظنوا أن الأسد يحاول التموضع في منتصف الطريق بين طهران وأنقرة. الحقيقة أن البرنامج الكبير نفسه يعتبر أن اجتذاب تركيا إلى علاقات استراتيجية مع المحور الجديد من شأنه أن يبعدها عن الروح الأطلسية. وفي حال انضمام أنقرة إلى هذا التكتل سنكون أمام مجال حيوي يضم ثقلاً سكانياً كبيراً وثروة نفطية ومائية وقدرة عسكرية. يطل هذا التجمع على بحار عدة وهو قادر على التأثير حتى أبعد من تخومه. وستجد روسيا في مثل هذا التجمع فرصة لإقامة شكل من التوازن مع الحضور الأميركي في المنطقة. قلت إن الديبلوماسيين أخطأوا لأن علاقات سورية مع إيران قوية وعميقة وغير قابلة للانفكاك.
ما يثير استغرابي هو أن دولاً أساسية في المنطقة ترفض قراءة التغييرات التي حصلت وترفض التعامل معها. أخشى أن نكون في الطريق إلى نزاع سني – شيعي في المنطقة كبديل لفشل محاولات انتزاع الحلقة السورية من هذا المحور عبر ما سمي إعادة تأهيل سورية دولياً».
تذكرت هذا الكلام الذي سمعته قبل عامين. والسبب الأول أن المتحدث معني بهذا المحور ومنخرط فيه. ثانياً لأن إعادة قراءة بعض المواقف في الأعوام الماضية تظهر فعلاً وجود محاولة انقلاب، خصوصاً على الدورين السعودي والمصري. السبب الثالث هو أن العلاقات السورية – التركية انهارت حين انطلقت الاحتجاجات في سورية، فيما أثبتت العلاقات السورية – الإيرانية صلابتها وكأنها من قماشة تلازم المسارات والمصائر. السبب الرابع أن الاحتجاجات اصطدمت حين طالبت بإسقاط النظام السوري ببرنامج كبير وظفت فيه جهود عقود وثروات هائلة وإنفاقات عسكرية واستخبارية وضربات موجعة ومدوية.
تذكرت كلام المتحدث، وأنا أتابع فظاعة المشاهد الوافدة من سورية. ما يجري هو الحلقة الأخطر من «الربيع العربي». وهو في الوقت نفسه حرب أهلية وإقليمية. ثم أن أي نجاح في نزع الحلقة السورية من محور الممانعة سيعني انقلاباً كبيراً أو على الأقل فصلاً كبيراً في الانقلاب على الانقلاب.