ابناء فلسطين ضحايا المراحل السياسية العربية والعدوان الصهيوني .
حيثما تكن الفتن او الحروب والاقتتال او الاحتلال يكن “الانسان” الضحية الاولى, فيبحث من يستطيع عن “دار امان” يهرب اليها ويحفظ لنفسه حياته الطبيعية, وان كان الخروج من الاوطان له كلفة كبيرة حتى لو كان الانسان ثريا وقادرا على شراء البيوت والقصور والعيش برغد. لهذا فان اهل العقل والحكمة يرفعون اصواتهم في كل المراحل الهائجة بان الامن والامان لا يتم هدرهما مقابل اي ثمن, وان اي بلد يدخل في دوامة الفوضى من الصعب ان يستعيد امانه الا بعد ان يدفع اثمانا باهظة من كل شيء.
وبحكم “دكتاتورية الجغرافيا” فان الاردن كان وما زال ملجأ للاشقاء الذين تدخل بلادهم المحن او الاحتلال او الاقتتال الداخلي, واخر مشهدين كانا من العراق وسورية, حيث كان اهل العراق منذ عام 1990 تحت وطأة المحن, وحلّوا على اهلهم في الاردن, ثم كان الاحتلال عام 2003 ومعه موجة نزوح جديدة, وان كانت نوعية القادمين اختلفت فكانت نسبة منهم من اهل الثراء, لكن الغربة والنزوح لهما الطعم ذاته عند الغني والفقير.
وخلال عام مضى كان نزوح الاشقاء السوريين, وان كان بشكل متدرج حسب تطور الاحداث هناك. واليوم تتحدث الارقام عن حوالي 90 الف سوري في الاردن ليسوا كلهم من نتائج المرحلة, لكن الرقم مرشح للزيادة وان كنا نتمنى لسورية الامان والهدوء, وان يعود كل سوري الى بلده مطمئنا.
يعتقد الاردن والاردنيون ان جزءا من واجبهم تجاه الاشقاء تقديم كل العون, وان كان الجميع يعلمون الاعباء المالية والامنية وحتى فاتورة عجز الموارد الطبيعية من ماء وبنية تحتية على الدولة والناس, لكن كل الاردنيين تقودهم مشاعر ايجابية تجاه هذا الامر منذ عقود وحتى اليوم, فالامر انساني اخوي, والحالات مؤقتة والدعاء الى الله لكل الاشقاء بالامان.
لكن في ثنايا القضايا الانسانية هناك بعض الملفات السياسية التي كان بعضها احتلال العراق وتخص الاشقاء من حملة الجنسية الفلسطينية الذين يتبعون للسلطة الفلسطينية, وكانوا مقيمين في العراق منذ عشرات السنين لكن بعض القوى العراقية عملت على عقابهم; ولهذا تعرضوا لاضطهاد مقصود, وهرب بعضهم الى الحدود الاردنية- العراقية وكان هناك مخيم خاص تحول الى قضية سياسية استغرقت وقتا حتى تم ايجاد حلول لها. وهذا الامر كان مختلفا عن مئات الالوف من العراقيين الذين دخلوا الى الاردن, لان فتح الابواب لهؤلاء الاشقاء من حملة الجنسية الفلسطينية له دلالات سياسية داخلية وخارجية ونتحدث عن الاف وليس عن افراد.
واليوم لدينا ملف مشابه, ربما لا تحب الجهات الرسمية الحديث فيه وهو الخاص بالاشقاء الفلسطينيين من حملة الجنسية الفلسطينية المقيمين ايضا في سورية منذ عشرات السنين, والمشكلة ليست مع الاشقاء فهم يعيشون هناك ضمن معادلة سياسية واجتماعية, لكن المخاوف من امرين الاول: ان يؤدي تصاعد الاحداث هناك الى الضغط على الناس للبحث عن اقرب ساحة امان, والامر الثاني: ان تقصد بعض الجهات ممارسة الضغط على الفلسطينيين ووضعهم في شروط امنية وحياتية تجعلهم يفضلون الهجرة والبحث عن اي مكان للحفاظ على حياتهم, وربما تعمد هذه الجهات لهذا عقابا للمواطنين الفلسطينيين من جهة وايضا للاردن على موقفه السياسي, اي ان الفلسطيني سيدفع ثمن المرحلة, والاردن ايضا لان الجميع يعلمون ان الاردن يفتح ابوابه لاستضافة الاشقاء, لكن عندما يتعلق الامر بالاف حملة الجنسية الفلسطينية فان الامر يصبح صعبا ويتحول الى قضية سياسية اولا على حساب ابعادها الانسانية, ولو ان الاردن وافق على اقامة مخيم على اراضيه للاشقاء الفلسطينيين فانه سيجد نفسه وحيدا في البحث عن حل وقد تمتنع الدولة التي كانوا فيها عن استقبالهم, وسيكون هناك ضغط من بعض القوى السياسية داخليا لادخالهم, لكن الضغط الاكبر هو الخوف من الابعاد السياسية لادخال الاف من الفلسطينيين الى الاردن بشكل دائم, وهي قضية ستثير مخاوف وشكوكا واتهامات سياسية وستدخلنا الى محيط نقاش حول التوطين والوطن البديل.
ما نتحدث عنه حتى الآن مخاوف لكنها مشروعة, ونعلم ايضا ان الدولة الاردنية مدركة لكل الابعاد السياسية وهي ترفض الامر ولديها استعداد للتعامل معه بكل ما تقتضيه المصلحة الوطنية, لكن الحديث فيه حتى ندرك جميعا ان تداعيات ما حولنا تفرض علينا اعباء سياسية ضخمة تستدعي من جميع القوى السياسية ان تقف الى جانب الدولة للتعامل مع كل المستجدات.
نعلم جيدا ان ابناء فلسطين هم ضحايا لمراحل سياسية مختلفة, والمشكلة ليست معهم بل مع ظرف سياسي, لكن سواء عملت جهات على دفعهم للبحث عن الامان او كان الظرف قاسيا عليهم فإن المحصلة اننا واياهم سنواجه الامر.
ليس المقصود ان نبعث القلق من هذا الملف, لكن علينا ان ندرك ما هي جوانب الخطر والقلق السياسي حتى وان كانت نسبة تحققها محدودة, لان تداعيات الحالة السورية ليست فقط في الاعباء على الخدمات والبنية التحتية والمياه, بل هي اعباء سياسية لها تداعيات داخلية ومرتبطة بنقاشات نعيشها, وقلق لدى فئات واسعة من المشاريع الصهيونية.
لا نحمّل الاشقاء الفلسطينيين اي مسؤولية فهم ضحايا, لكننا لا نريد للاردن ان يدفع ثمنا سياسيا ووطنيا للمرحلة والحلول دائما يجب ان تكون بالوضوح والحكمة والحزم.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net