لم تنتهِ لائحة المفارقات في قمة بغداد بغياب سورية، بل تمتد على ما يبدو طويلاً، لتشمل المناقشات مروراً بالتسريبات وليس انتهاء بالاستنتاجات.
لن نقف عند دلالات أي قمة عربية دون سورية، ولا الحدود الضيقة التي تضع نفسها فيها، أو الأفق المحدود والسقف الذي حددته مسبقاً حين تلتئم في غيابها.
فالواضح أن غياب سورية لم يغيّب حضورها، بل حسب بعض التوصيفات، ربما كانت الحاضر الأول والأساسي والمحوري في القمة.
كثيرة هي التأويلات والتفسيرات المتداولة على الهامش، وكثيرة هي الإشكالات القائمة في صلب المواجهة المحتدمة داخل أروقة القمة وفي قاعاتها .. غير أن ذلك كله لم يحل دون التوقف طويلاً في هذا التركيز على الأزمة في سورية، مقابل تغييب متعمد لقضايا أخرى وفي مقدمتها البحرين، حتى عن المداولات، والأغرب بالطبع أن يكون التصريح عن ذلك علناً.
قد لا نجد صعوبة في تفسير المسألة، لكن الإشكالية هي في هذا الاعوجاج الفاضح الذي يسلكه المشهد العربي اليوم دون خجل وبلا أدنى حد من الحياء..
فمن حيث المبدأ يمكن أن نأمل بأن يمهد انعقاد القمة في بغداد الطريق لعودة العراق إلى دوره العربي والإقليمي، وهذه العودة بالضرورة لابد أن تخدم القضايا العربية، وكل ما يخدم القضايا العربية ترى فيه سورية مصلحة لها، لذلك لم نر ما يمكن التوقف عنده في الإصرار على عقد القمة، رغم الظروف الصعبة للعراق وللعرب عموماً.
وما يتطلع إليه الكثيرون أن يكون احتضان بغداد للقمة العربية تمهيداً طبيعياً لمرحلة قد يساهم فيها العراق في تخفيف حدة الجراح العربية، ويقلل من أورام بعض الأدوار المستحدثة والطارئة في الوضع العربي، ويحد من حضور أمر العمليات الأميركي في قرارات القمة ومداولاتها.
وكي لا تبقى الأمور في إطار العموميات لابد من النفاذ ولو جزئياً إلى جوهر المعضلة التي تقودنا إلى وضع الأصبع على جرح المفارقات..
أولى المفارقات أن التمني بعودة العراق لا يعني أبداً أن القمة مهيأة لهذا المعطى، بل تواجه عشرات المعضلات الأخرى التي لا تقل خطورة عن الأوضاع المتردية، وعليه فإن الشطط في تخيلات وأحلام يقظة عما يمكن لها أن تحققه يثقل كاهل القمة أكثر مما هو مثقل.
لذا فإن أحداً لا يمكنه التعويل على ما ستخرج به القمة وفي أي اتجاه كان، لأنه محكوم سلفاً بالتناقضات التي يحفل بها الوضع العربي مسبقاً، بل على الأغلب ستكون نسخة مشوهة عن تلك التناقضات، ومتخمة بأورام الوضع العربي.
وثانيها أنه من السذاجة بمكان التخيل أن بمقدور القمة أن تنتج أي خطوة أو مبادرة، وفي أي اتجاه كان، وتحديداً فيما يخص سورية، لأن سورية منذ تعليق عضويتها في الجامعة العربية، تنطلق بعلاقاتها مع الدول العربية بشكل ثنائي فقط، ولن تتعامل مع أي مبادرة تصدر عن جامعة الدول العربية على أي مستوى كان.
أما ثالثة الأثافي التي تلازم البعض العربي حول سورية، أن التسريبات المتداولة لا تكتفي بالكم الهائل من الثرثرة غير المجدية، بل تصرّ على حديثها الممجوج بلغة تجاوزتها الأحداث، رغم اليقين بأنها ورقة محروقة سلفاً ولا طائل من إعادة استخدامها.
لذلك من العبث الاعتقاد أو التوهم أن الأدوار العربية يمكن لها أن تتجاوز هذا الحد، أو بمقدورها أن تصل أبعد من هذه العتبة التي حددتها بالأساس عبثية الإجراء العربي بحق سورية، وهذه المداورة ليست أكثر من إعادة نفخ في قربة مثقوبة لا طائل منها!!
قمة بغداد، نتمنى بالفعل أن تنجح في ترسيم عودة العراق إلى حضنه العربي ونأمل أن يكون مسعاها العربي قادراً على ضبط إيقاع الكومبارس فيها حين احتل المنصة لأشهر مضت، ونعتقد إلى حد الجزم أن ما خلفه من فوضى عارمة وقلب للمعايير حتى اليوم يكفي، ولابد أن يعود الكومبارس إلى مكانه الطبيعي في الصفوف الخلفية وترك المنصة لأصحابها الحقيقيين.!!