“أعطوني إبرة بالغلط”، كانت هذه آخر عبارة، نطق بها فارس المعايطة، قبل أن يُسلم الروح، في 4 تموز (يوليو) 2011، عن 22 عاما، في مركز بناء الأجسام، الذي يتدرب فيه.
قبل ذلك بدقائق، لم تظهر على فارس أية بوادر، تؤشر إلى هذه النهاية الفاجعة داخل هذه الصالة، الواقعة في إحدى مناطق عمان الغربية، بعد أن أعطي “أبرة” ستيرويد (هرمونات ذكورية)، لتسريع نمو كتلته العضلية، على ما يشتكي رفاقه.
تقرير الطب الشرعي النهائي ما يزال معلقا، بانتظار صدور نتائج فحوص العينات، المأخوذة من دمه، بعد أن أرسل بعضها إلى مختبرات في المانيا، نظرا لعدم وجود مختبرات محلية، تكشف آثار المنشطات، التي يشتبه في أنها أدت الى الوفاة.
على أن التقرير المبدئي للتشريح يؤشر إلى أن السبب المباشر لوفاة فارس كان “نزفا دمويا شديدا في الجهاز الهضمي”.
في هذه الأثناء، يروي زميله في النادي “إيهاب الزريقي” تفاصيل اللحظات المشحونة، التي سبقت وفاته في ذلك النهار الصيفي الحار، حين كان يتدرب، بينما كان فارس في غرفة غيار الملابس مع مدربه، الذي خرج فجأة وهو يصرخ مناديا على مدرب آخر في النادي “يا كابتن.. إلحقني، في شب غيّب في الحمام”. ويستذكر الزريقي كيف “رأيت عيني فارس محمرتين، وشفاهه وجفونه منتفخة”. أسندت رأسه إلى ساقي، ثم سألته: “ماذا تشعر”؟ فرد علي، وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة وصدره يرتفع ويهبط بشدة “اخذت إبرة ستيرويد بالغلط”، ولم يحدد الشخص الذي أعطاه الإبرة.
بعدها بقليل، نقل فارس بسيارة إسعاف إلى مستشفى المدينة الطبية، حيث أعلنت وفاته على الفور.
وكما نالت المنشطات من فارس، وخمسة شباب آخرين، فإنها أثرت أيضا على حياة أحمد سليم (22 عاما)، فهو يعاني من ترهلات بعضلاته، وضعف في الحيوانات المنوية، بعد أن دفعته الرغبة لزيادة وزنه إلى تعاطي منشطات، محاولا محاكاة أصدقائه، ممن حاولوا إقناعه بتعاطيها. “وأنا بتدرّب كانوا كثير من صحابي أقنعوني بأخذ حبوب، لحتى أنصح وأصير مثلهم، فأعطاني المدرب 100 حبة داينباول، ولمّا تركت العقار رجع وزني ضعف”، على ما يؤكد سليم، ويضيف: “رجعت للكابتن فنصحني أن آخذ ديكا وسستا (هرمونات ذكورية)، وفعلا نصحت مثل صحابي، وصار إلي عضلات، بس لما قطعت، جسمي ضعف، وأصابتني ترهلات، وطلعلي حبوب على بطني وضهري، ولما شفت هيك راجعت الدكتور فقلي عندك ضعف في الحيوانات المنوية”.
الرغبة في تنمية كتلتهم العضلية، وضغوط الأصدقاء والغيرة، تدفع لاعبين لتناول المنشطات، دون تفكير بعواقبها، إلا بعد أن تقع الكارثة، في بلد لا يجرم تعاطي المنشطات وتداولها، كما أن صيدليات كثيرة، لا تلتزم بحظر بيعها دون وصفات طبية، على ما توصل إليه كاتب التحقيق.
انتشار المنشطات في المراكز الرياضية ونوادي اللياقة البدنية بات بديهيا ومتعارفا عليه، بين جميع الأعمار. وتكمن الخطورة في تعاطي صغار السن، بين 16 – 25 عاما، بحسب المدرب عثمان سمرين. ويقدر سمرين، الذي تمتد خبرته 18 عاما، حجم انتشار المنشطات في مراكز اللياقة الرياضية “بنسبة تقارب 90 %”، بينما لا يمكن تحديد عدد اللاعبين، الذين يتعاطون المنشطات في تلك النوادي، لشدة التعتيم من المدرب واللاعب المتعاطي.
كاتب هذا التحقيق رصد تداول منشطات على نطاق واسع، بعلم وتشجيع من المدربين والإدارات داخل العديد من مراكز بناء الأجسام، التي جال بها على مدى قرابة شهرين، في بلد يضم 600 ناد، ينتسب إليها قرابة 100 ألف لاعب من مختلف الأعمار والتصنيفات.
قضية فارس المنظورة لدى مدعي عام شمال عمان، رفعها والده محمد المعايطة ضد مدربه، بتهمة “التسبب بالوفاة” كما يؤكد المحامي عماد المعايطة، “إحنا قلنا إنه أعطاه إبرة تسببت في وفاته، لأنه لا يوجد أي عقوبة في قانون العقوبات، تجرم قيام شخص بإعطاء المنشطات او الحبوب الهرمونية لشخص آخر”.
قبل هذه المأساة، لقي ستة رياضيين حتفهم على الأقل، خلال العقدين الماضيين، نتيجة تعاطيهم “منشطات”، إلا أن ذويهم لم يلجأوا إلى القضاء، بحسب رئيس الاتحاد الرياضي الاردني محمد الكيلاني.
محمد جمال (24 عاما) يرى أن “لا مانع من تعاطي المنشطات، خصوصا وأن اللاعب يصل إلى مرحلة تتوقف فيها عضلاته عن الزيادة، فيضطر لأخذ المنشطات حتى يظل مفتول العضلات”. ويستطرد علي: “أكون معك صريحا، بتوصل لمرحلة معينة بصير بدك تتعداها، لو ببعض الإبر والأدوية والبروتينات، اللي بتزيد من شكل جسمك، وأكتر شي بهمني أنو يضل جسمي حلو”.
بدأت ظاهرة المنشطات والهرمونات الرياضية بالظهور و”التفاقم” في المجتمع الأردني، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، بحسب محمد الكيلاني رئيس اتحاد بناء الأجسام، والذي تأسس في بداية السبعينيات، وانفصل عن رفع الأثقال عام 1994.
ماذا يجري داخل المركز؟
داخل مركز لبناء الأجسام، غير ذلك الذي قضى فيه فارس، انتسب كاتب هذا التحقيق، متخفيا لمدة شهر، بهدف تقصّي حجم انتشار المنشطات بين اللاعبين. أول ما استرعى انتباه الكاتب، لاعب كانت عيناه تتفحصان بتوجس أرجاء الصالة، التي اختلطت فيها أصوات ارتطام أثقال الحديد مع زمجرات اللاعبين، الذين أضفى العرق لمعانا، زاد في إبراز تفاصيل عضلاتهم المتصلبة بفعل التدريب.
ولما اطمأن هذا اللاعب إلى أنه غير مراقب، دنا من المدرب، وهمس بضع كلمات في أذنه، ثم مضى الى الحمامات، التي كانت خالية حينها.
وبعد لحظات، دلف المدرب وراءه وأحكم إغلاق الباب. وقبل ذلك أخرج من جيبه محقنة وانبولة، عرف كاتب التحقيق، بعد سؤاله لاحقا، أنها تحوي هرمونات محظورة، وقطعة قطن وعلبة كحول صغيرة.
سرعان ما انقضى الأمر، وخرج الإثنان تباعا من الحمام، دون أن ينبسا ببنت شفة.
وكما اتضح، فإن الحمامات تمثل ملاذهما المفضل، للقيام بالطقوس السرية للحقنة. ولكن عندما لا تكون متاحة، فإن العتبة في أعلى الأدراج، التي تقود إلى السطح، توفر بديلا جيدا لبعدها عن اللاعبين.
هناك في الاعلى، حيث الغبار والأوساخ المتراكمة، يغدو المشهد مرتبكا، حيث يدير اللاعب ظهره للمدرب لأخذ الحقنة، بينما يبقي وجهه نحو أسفل الأدراج، تحسبا من أن يفاجئهما قادم غير متوقع.
ورغم الاحتياطات، التي كانا يتخذانها لإبقاء ما يفعلانه سرا، فإن بقية اللاعبين كانوا على علم بما يحصل. إذ لاحظ كاتب التحقيق أن 14 من 18 لاعبا داخل هذا المركز (أعمارهم بين 18 و30 عاما) مارسوا طقسا مماثلا لتعاطي منشطات على أيدي مدربيهم.
ومنذ الأيام الأولى لانتسابه إلى المركز، أشار أحد المدربين على كاتب التحقيق بتعاطي نوع من المنشطات، لتسريع نمو كتلته العضلية، وعرض عليه تأمينه بها، فيما حذره مدرب آخر من مغبة ذلك.
وللمفارقة، تبين أن المدربين كانا أبا وابنه.
في البداية، لم يحدد المدرب الأب في مشورته نوع المنشط، ولكنه وصفه بأنه “وحدة زيتية خفيفة لطيفة”.
وكالطبيب، الذي يصف للمريض الدواء وطريقة تناوله، قال للكاتب “حاول ان تأخذ حقنتين او ثلاثا مع وجبات طعام، والمفروض أن يزيد وزن العضلات في الشهر من 5 إلى 6 كيلوغرامات على الأقل”.
ثم ذكر نوع المنشط، واسمه “لانديرون”، وقال “ما دمت لا تعاني من مشاكل (صحية) ولا تشكو من شيء، فلا ضير عليك منه”.
أما المدرب الابن، الذي فضل استبعاد كاتب التحقيق من هذه الآفة، فحذرنا، دون علم ابيه، من هذا النوع من المنشطات، لأنها تفتك بالكبد، على حد تعبيره.
واضاف شارحا، بلغته البسيطة، “هذا (المنشط) يتغذى على البروتين. ومركز البروتين في الجسم هو الكلى (يقصد الكبد)، فإذا كان البروتين قليلا (في الجسم)، فإنه يبدأ بالتهام الكلى حتى يغذي العضلات. إياك وأن تفكر في هذا الامر، وإلا فإنك ستدمر نفسك، وستكون نهايتك”.
تداعيات المنشطات
د. كمال الحديدي، أخصائي السموم ورئيس المنظمة الأردنية لمكافحة المنشطات، يعدد الأضرار الناجمة عن تعاطي المنشطات، في حال نجا المتعاطي من الموت، من بينها: “تصلب الشرايين، ضغط الدم، زيادة العدوانية، ضمور الخصيتين، تضخم الثدي لدى الرجال، الضعف الجنسي، الجلطات القلبية والدماغية وسرطان الكبد”.
أكثر الأنواع شيوعا في الأردن هي”الديكادرابولين والوينسترول والداينبول، والتي تؤخذ إما على شكل حقن أو عن طريق الفم”، على ما يشرح الحديدي.
يتم الحصول على منشطات من مصدرين: أدوية هرمونية، تستورد لأغراض طبية، ويساء استخدامها، ومنشطات هرمونية، تصل البلاد عبر مسارب تهريب من دول مجاورة.
نقيب الصيادلة محمد العبابنة يشتكي من أن بعض الأدوية “تستورد لعلاج خلل في التوازن الهرموني، وهي مواد علاجية، لكن لاعبين يستغلونها في قضايا أخرى”. ويضيف العبابنة أن الكثير من مستودعات الأدوية تستورد “هذه الهرمونات بطريقة مرخصة ومسجلة، ولا مانع من ذلك، لكن المشكلة في سوء استخدامها”.
مستودع أدوية الصباغ، أحد المستودعات التي تستورد الديكادرابولين والسستانون لأغراض طبية، يؤكد مالكه محمد الصباغ أن مسؤولية بيع الدواء للاعبين تقع على عاتق الصيدلي، “نحن نتعامل مباشرة مع الصيدليات ولا نقوم ببيعها للاعبين”.
الأخطر يأتي عبر التهريب
رغم توافر “أدوية هرمونية” في الصيدليات، فإن بعض اللاعبين، ممن يرغبون بكتلة عضلية أكبر، يقومون بشرائها من مدربين أو بائعين، يجلبونها من بلدان مختلفة عن طريق التهريب.
بحسب مالك أحد المراكز، هذه المنشطات متعددة المناشئ، ويجري تهريبها الى المملكة من دول مجاورة. يقول مالك المركز، الذي لم يشأ الإفصاح عن هويته، “أنا اعرف التاجر الكبير الذي كان يدخلها الى البلاد، ولكنه بات الآن يواجه صعوبة كبيرة في تهريبها، بسبب المشاكل في سورية ولبنان”. كان هذا التاجر يتفق مع عاملين في مراكز حدودية، من أجل تسهيل تهريب المنشطات، التي كانت تأتي في حاويات. أما الآن، ومع تشديد الإجراءات، فإن هذا الأمر لم يعد ممكنا”، بحسب المالك.
مدير مديرية مكافحة التهريب العقيد ضامن فواز أكد أن “أي شخص يثبت تورطه في قضية رشوة أو أي مخالفة، تسيء لسمعته الوظيفية، لن تتهاون الدائرة في عقابه، والاستغناء عن خدماته، إن ثبت ذلك من خلال التحقيق”.
بدوره، أكد مسؤول التفتيش في مؤسسة الغذاء والدواء تحسين العبادي وجود أنواع من المنشطات “غير مصرح بها، يجري تهريبها وتداولها في البلاد”، مشيرا الى “أن حقيقة أنها مهربة يجعل متابعتها امرا صعبا”.
صوّر كاتب التحقيق بالفيديو “أمبولات” (حقن زجاجية) لبعض المنشطات، كانت ملقاة في سلة المهملات داخل المركز الرياضي، الذي انتسب إليه لغايات إجراء هذا التحقيق.
متوفرة وسهلة المنال
خلال جولة في الأسواق، شملت متجرا للمكملات الغذائية وعشرات الصيدليات، تبين أن المنشطات والهرمونات، على اختلافها، متوفرة وسهلة المنال.
صحيح أن متاجر المكملات الغذائية لا تبيع المواد، المصنفة باعتبارها أدوية، لكن هذا كان في الظاهر فقط، وعلى الأقل بالنسبة للمتجر الذي قصدناه.
هناك طلبنا منه أن يرشح لنا، بحكم خبرته، أنواع منشطات فعالة ومضمونة النتائج، لجهة تسريع نمو الكتلة العضلية، فرد قائلا: “خذ ديكا وتستا، وهناك صنفان إيرانيان، وإذا ما رغبت يمكننا تأمينهما لك”.
وأضاف: “من المفروض أن يقوم الكابتن بحقنك بهما، ولكن إذا لم تشترهما منه، فسيرفض، وسيكون عليك أن تتوجه إلى صيدلاني أو صديق لك للقيام بذلك”.
وبعد كل هذا الشرح، أبلغنا باستعداده للتغاضي عن بعض مبادئه، من اجل بيعنا هذه المنشطات.
وقال: “سأفعل ذلك، رغم أني لا أحب الحقن، ولا احب بيعها لأنني أسمع أنها تضر. ما أقصده أن الأمر يدخل في باب الحرام والحلال، ولهذا فانا أرفض بيعها إلا للمدرب، وليقم هو ببيعها بنفسه، هكذا يكون أفضل لي، ويغنيني عن وجع الرأس”.
وإذا كان الحال كذلك، في متجر المكملات الغذائية، فإنه لم يكن أفضل في الصيدليات، التي من المفترض أنها محظور عليها بيع الهرمونات دون وصفات طبية.
فقد قبلت 45 من اصل 50 صيدلية زرناها في مناطق مختلفة، كأبو نصير والهاشمي الشمالي والجبيهة والنزهة وجبل القصور وطبربور وشفا بدران، أن تبيعنا المنشطات “الديكادرابولين والسيستانون والجروث هرمون” دون وصفة.
وتفصيلا، فقد جاءت نتيجة جولتنا في هذه الصيدليات على النحو التالي: 38 صيدلية: تتوفر لديها المنشطات، وهي تبيعها، ولا تعتبر أن هناك ضررا قد يترتب على استخدامها. 7 صيدليات: تبيع المنشطات مع أنها تحذر من أضرارها. 4 صيدليات: تبيعها لكنها تشترط إبراز وصفة طبية.
صيدلية واحدة: لا توجد لديها منشطات، وترفض الإتجار بها، لأنها ترى أن لها أضرارا عديدة.
بحسب الدكتور كمال الحديدي، فإن الجروث هرمون، أو هرمون النمو، الذي وافق الصيدلاني على صرفه دون وصفة، يتسبب بتضخم الأمعاء والقلب، فضلا عن الأضرار الجسيمة الاخرى، التي يلحقها بمختلف اعضاء الجسم. ويعطى هذا الهرمون لمرضى التقزم، ومن يواجهون مشكلات، ليساعدهم على النمو بشكل طبيعي.
في الصيدلية الوحيدة، التي رفضت صرف المنشطات دون وصفة طبية، بررت الصيدلانية الرفض: “هذه المنشطات ممنوع صرفها، إلا بوصفات طبية من أخصائيين. وفي الأساس تم منعها بسببكم أنتم”، تعني لاعبي بناء الاجسام.
عندما توجهنا إلى نقيب الصيادلة محمد العبابنة، وجدنا أنه حاول التماس العذر لبعض الصيدليات، التي تبيع المنشطات دون وصفة، مع تأكيده أن هذا الأمر يشكل مخالفة.
وقال “عندما يأتي شخص إلى الصيدلية ويطلب ديكا درابولين مثلا، فمعنى ذلك أنه يعرف ما هي هذه المادة. وأحيانا يعتقد الصيدلاني أنه ما دام هذا الشخص يعرف نوعية المادة التي يطلبها، فإنه لا بد وأن يكون هناك طبيب قد وصفها له. وهذا خطأ يمكن ان يقع فيه الصيدلاني”.
لكن العبابنة اكد ان صرفها دون وصفة طبية “لا يجوز بأي حال من الأحوال”.
ضعف في الرقابة
من جهته، نفى تحسين العبادي، رئيس قسم التفتيش في المؤسسة العامة للغذاء والدواء، أن يكون قسمه قد ضبط أي صيدلية، وهي تصرف المنشطات دون وصفة.
وقال “لم ترد شكاوى على الصيدليات من أنها تقوم ببيع الهرمونات أو المنشطات خارج الإطار الصحي، وحتى الآن، وبالنسبة لنا كتفتيش، لم يتم ضبط أي مخالفة من هذا النوع”.
وبحسب العبادي، فإن المؤسسة تقوم بعمل جولات على الصيدليات بشكل غير دوري لمراقبة كافة الأدوية بما فيها المنشطات.
وبالنسبة للمراكز الرياضية، التي تأكد لنا أن بعضها يقوم ببيع المنشطات للاعبين، وما إذا كان هناك دور لقسمه في متابعة مثل هذه الممارسات، قال العبادي “أحيانا نقوم بالتنسيق مع الجهات الأمنية من أجل الدخول الى بعض المراكز، لأنها أماكن غير مصرح لها بحيازة الأدوية أو إعطاء المنشطات. وقد قمنا بعدة عمليات تفتيش، ولكننا لم نضبط شيئا مخالفا”.
صور كاتب التحقيق بالفيديو “أمبولات” لبعض المنشطات الضارة والهرمونات كانت ملقاة في سلة المهملات في المركز، الذي انتسب اليه خلال عمله على هذا التحقيق.
لا قوانين رادعة
انعدام القوانين، التي تجرم تعاطي المنشطات أو تداولها، يرجع، بحسب الدكتور كمال الحديدي رئيس منظمة مكافحة المنشطات، إلى عدم الجدية في التعامل معها في المنطقة العربية كلها. ويقارن الحديدي بين الوضع عربيا وبين فرنسا، التي تعامل الهرمونات والمنشطات معاملة المخدرات.
ويؤكد الحديدي عدم وجود قضايا في المحكمة تجاه المدربين، الذين يقومون ببيع المنشطات.
هيئة مكافحة المنشطات هي هيئة غير حكومية، تابعة للجنة الأولمبية الأردنية، والتي تستمد شرعيتها من اللجنة الأولمبية العالمية، ولا تمتلك الهيئة أي سلطة على المراكز الرياضية أو اللاعبين خارج إطار الاتحادات التابعة للجنة الأولمبية، وبالتالي لا يحق لها دخول وتفتيش أي مركز، كما أنه لا يحق لها فحص أي لاعب، ما لم يكن مشاركا في بطولة محلية أو دولية، ومن هنا يأتي الفراغ القانوني.
حمى المنشطات
قضية وفاة فارس قد تشكل مفصلا في ملف المنشطات المسكوت عنه إداريا، والغائب عن أروقة القضاء. لوالد فارس رأي في سبب الوفاة، حتى قبل إعلان نتائج التحاليل المخبرية رسميا. يقول المهندس محمد المعايطة بحرقة وغضب: “إعطاء ابني حقنة منشطات هي ما قتله، حتى يستفيد من اعطاه اياها بضعة دنانير. وأيضا أنا أحمل إدارة النادي وأصحابه المسؤولية ايضا”.
مدرب فارس، المتهم في إطار هذه القضية، رفض التعليق قطعيا على وفاة فارس، لحين صدور النتائج النهائية للتحقيق. مستشار الطب الشرعي في الجامعة الأردنية عماد العبدللات، الذي شرح جثّة فارس، يؤكد أن “سبب الوفاة هو “نزف دموي شديد في الجهاز الهضمي، ولم أتمكن من تحديد سبب هذا النزيف. ولا أستطيع القول إن سبب الوفاة هو هذه المواد”. حاول كاتب التقرير الحصول على نسخة من تقرير الطب الشرعي، إلا أن العبدللات رفض ذلك، بدعوى أن القضية منظورة أمام المحكمة.
الدكتور مؤمن الحديدي، رئيس اللجنة الطب الشرعي السابق، ومؤسس مركز أبوقراط الخاص، يتحدث، من جانبه، عن وجود “روابط بين ما يحدث من اعتلالات في الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والدم وبين بعض من هذه الهرمونات”.
د. الحديدي يؤكد أن “المختبرات في الأردن غير متخصصة في قياس قضايا المنشطات والهرمونات، ولا تستطيع إظهار النتائج”. حين سئل عن نتائج التحقيق، في هذه القضية، اكتفى الناطق الإعلامي لمديرية الأمن العام المقدم محمد الخطيب بالقول، إن المديرية “ننتظر الرد”.
مرجعيات متعددة وقانون غائب
رئيس اتحاد بناء الأجسام محمد الكيلاني أكد انتشار ظاهرة تعاطي المنشطات والهرمونات في النوادي والمراكز الرياضية، بسبب الرقابة الضعيفة، الناتجة عن تعدد المرجعيات المسؤولة عنها. اضافة الى عدم وجود قانون يكافح سوء استخدام المنشطات.
ويقول الكيلاني “نحن لنا دور رقابي، ولكنه مع وقف التنفيذ، والسبب هو أن مراكز بناء الأجسام واللياقة البدنية لها مظلتان رسميتان، وهذا وضع غير صحي”. وأضاف، “جرى إلحاق مراكز اللياقة باتحاد الطب الرياضي، وهو اتحاد نوعي، ولا يجب ان يكون مسؤولا عن هكذا مراكز، والتي من الأصوب ان تلحق باتحادنا الذي يحمل اسمها، وهذا الفصل أدى إلى ضعف قدرة الاتحاد على مراقبة ومحاربة المنشطات”.
من جهته، رفض رئيس اتحاد الطب الرياضي نايف سعادة فكرة إلحاق أندية اللياقة باتحاد بناء الاجسام، وأصر على بقاء هذه الأندية تحت مظلة اتحاده، التي تم إلحاقها به العام 2003.
من جانبها، اتهمت رئيس اللجنة الأولمبية الأردنية لانا الجغبير اتحاد بناء الأجسام بالتقصير، في محاربة المنشطات في المراكز المنضوية تحت مظلته، وعارضت بشدة ضم أندية اللياقة إلى ولايته. وقالت الجغبير، التي يستمد اتحاد بناء الأجسام شرعيته من قانون لجنتها: “قمنا بإعداد قواعد عامة لمكافحة المنشطات، وعممناها على كافة الاتحادات الأردنية، التي تعهدت الالتزام بها، واتحاد بناء الأجسام بتقاعسه عن تنفيذ التزاماته، هو المسؤول الأول والأخير عن استمرار تفشي المنشطات في المراكز التابعة له”.
ويشير رئيس منظمة مكافحة المنشطات في الأردن كمال الحديدي إلى أن منظمته، وبالتعاون مع اللجنة الأولمبية الأردنية، تقدمت إلى الحكومة العام 2010 بمشروع قانون، يهدف إلى إنشاء هيئة أردنية لمكافحة المنشطات، خصوصا بعد أن صادق الأردن على الاتفاقية الدولية التي تلزمه فعليا بمكافحتها.
ويطالب مشروع القانون المقترح ديوان الرأي والتشريع بإنشاء هيئة متخصصة، تضم في أروقتها جميع الأطراف المعنية، كالغذاء والدواء ونقابة الصيادلة ومكافحة المنشطات ونقابة الأطباء وغيرها، لتتعاون فيما بينها لمكافحة المنشطات.
لكن مشروع القانون ما يزال حبيس أدراج ديوان التشريع والرأي، التابع لرئاسة الوزراء، كما يؤكد الحديدي، الذي يقول: “في ظل غياب مثل هذا التشريع، فإنه لا توجد عقوبات على المخالفين، والقوانين الدولية تطبق فقط على لاعبي البطولات المسجلين رسميا”.
وينص قانون الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، المطبق على اللاعبين المسجلين لدى الاتحاد على “إلغاء النتائج المحرزة للاعب الرياضي، الذي يرتكب انتهاكاً لقواعد مكافحة المنشطات، أضاف لفرض عقوبة الاستبعاد مدة سنتين على وجود عقار محظور، أو ما يدل عليه في جسد اللاعب، أما العقوبة الأشد فهي استبعاد مدى الحياة من اللعبة الرياضية التي يمارسها المتعاطي”.
لا إحصائيات ولا أرقام رسمية تؤكد وجود حالات وفاة إثر تعاطي الهرمونات، كما يؤكد مستشار الطب الشرعي الدكتور عماد العبدلات: “لم يسبق أن سجلت أية حالة وفاة للاعبي الأثقال”.
وعلى النقيض، فإن محمد الكيلاني، رئيس اتحاد بناء الأجسام، يؤكد وجود حالات وفاة، لكنها لم تسجل رسميا، “طبعا في حالات بس الكل كان يحاول ما يحكي عنها حتى ما يخرب الرياضة، وما تسجلت بشكل رسمي، لأنه ما في تشريع يعاقب على الموضوع”. وما تزال قضية فارس بانتظار حكم القضاء ..
* أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة “أريج” اعلاميون من أجل صحافة استقصائية، ومن إعداد الوحدة الاستقصائية لراديو البلد