سيحار المشتغلون بالتصنيف في تحديد الموقع الذي سيحتله مجلس النواب الحالي في تاريخ الحياة النيابية والسياسية في البلد.
من المفيد هنا أن نتذكر ظروف انتخاب هذا المجلس وطبيعة الدور الذي أراده له صانع القرار في الدولة, ومن المهم أن نتذكر بالذات مسألة الدوائر الوهمية, باعتبارها العنوان الأبرز والمميز, وما فرضته من شروط للعملية الانتخابية ككل, لقد كنا أمام أعلى تجليات تفتيت المجتمع حيث تم الدفع بالنقاش السياسي في البلد نحو أضيق الدوائر وأدناها مستوى.
لكن المفارقة أن المجلس لم يتمكن من العيش منسجماً مع الأداء المنتظر والمتوقع منه إلا لفترة قصيرة جداً, فبعد أقل من شهرين على انتخابه حصل هذا التبدل الكبير في مجمل الأجواء السياسية في البلد والمنطقة, فوجد المجلس نفسه أمام مهمات خارجة عن سياقه الطبيعي.
لعل جلسة الثقة الشهيرة التي عرفت بعدد أصوات الثقة فيها (111) كانت ستشكل نموذجاً لروح هذا المجلس, لكن الأمور شهدت تبدلاً صاعقاً, بحيث كان على المجلس أن يناقش قضايا من نوع آخر, من أبرزها إجراء تغييرات دستورية جوهرية وفتح ملفات كبرى في مسائل حساسة.
وللانصاف فإن المجلس تصرف بقدر من “الحيوية”, كما تفاعلَ بنشاط مع الظروف الجديدة, وظهر عدد لا بأس به من النواب وكأنهم يتحررون من شروط انتخابهم ومن المهمة المنتظرة منهم وفق تلك الشروط, وبدا أن بعض النواب يحملون في داخلهم نائباً “كامناً” يختلف عن النائب الذي تم انتخابه.
الجلسة الأخيرة للمجلس التي كانت جلسة “ذاتية” بالكامل, حيث اقتصر النقاش فيها على المصالح الشخصية للنائب, أظهرت أن هذا المجلس يعيش صراعاً حول تحديد شخصيته النهائية