[/SIZE]
انطوائيّة عولميّة
زينب البحراني
لا يجف توقي لإعادة قراءةروايات د.غازي القصيبي رحمه الله مرّة بعد مرّة، وكُلّما طالعتُ نصًا طويلاً مننصوصه السردية أبهرتني رؤاه المُستقبليّة لأحوال الكرة الأرضيّة مع تطوّراتثوراتها التكنولوجيّة، وعلى رأس تلك الثورات ثورة "الإنترنت" و"الإعلام الجديد"، ومن بين تلك الرّؤى ما جاء في رواية "أبو شلاخالبرمائي" على لسان بطل الرواية أثناء حديثه مع الصحفي توفيق خليل توفيق؛المسؤول عن الصفحة الثقافية في صحيفة افتراضيّة؛ حين أجاب على أحد أسئلته بقوله: "أقصدبالمربوطين المتصلين بشبكة العولمة. وشبكة العولمة، يا أخي أبو لمياء، عبارة عنمنظومات مُتداخلة متراكبة مفتاحها "الإنترنت". من هذه المنظومات منظومةالجمعيات الأهلية، ومنظومة حقوق الإنسان، ومنظومة الشركات الكبرى، ومنظومة التجارةالدولية، ومنظومة بنوك التفكير والتخطيط. المربوطون بهذه الشبكة سوف تكون لهم هويةمتميزة بصرف النظر عن ألوانهم وجنسياتهم وأجناسهم. المربوطون، الآن، يتحدثون عنطريق "الإنترنت" أكثر مما يتحدثون بألسنتهم. في المستقبل سوف يقتصر حديثالمربوطين على المربوطين زملاءهم".. ثمّ يُكمل في مكان آخر من الرواية: "ألاتقرأ الصحف، يا أخي أبو لمياء؟ ألا ترى بعينيك أن هوية المربوطين بدأت تظهرللعيان؟ الزيجات التي تتم عن طريق الإنترنت تفوق الزيجات التي تتم عن طريقالخطابة. حجم البضائع التي تشترى بواسطة "الإنترنت" سوف يفوق، عن قريب،حجم البضائع المتداولة بالطرق القديمة".
وها نحن نشهد اليوم تحقق تلكالتوقعات وغيرها مما أفصحت عنه الرواية، فالطوفان الإلكتروني الإنترنتي اكتسحتفاصيل الحياة الإنسانية وصيّر العيش من دونه شبه مستحيل. ابتلع مشاريع، وأدى إلىاستحداث أخرى، وقلب موازين الذكاء، والمهارة، والشباب، والشيخوخة رأسًا على عقب،وهو في طريقه لتكريس نظام الحياة المنزليّة بواسطة التعليم عن بُعد، والعمل عنبُعد، والبيع والشراء والترفيه والعلاج والزواج عن بُعد. باختصار؛ إنه يكرّس لـ"انطوائيّة" عالميّة في صورة تواصل اجتماعي جماعي، ويروّج لحياة كسولةتتمخض عن نماذج جديدة من الأمراض الجسدية والنفسيّة، ولا عزاء للمسرفين في عشقهملتلك الشبكة الإلكترونيّة والمُغالين في نبذها والنأي عنها معًا.
[SIZE=3]